الراديو.. وسيلة إلهاء أم تثقيف؟

الربوبية عند العرب كلمة لا تقف عند خالق الكون رب الأرباب، فهي معنى لكل صاحب أو سيد على قومه، أو من يقتاد ويربي ويسوس قومه، فالراديو منذ اختراعه في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، كان ولا زال رب الإعلام، فاحتل أهمية كبيرة عند الجمهور.
ولأن الثقافة صوت يغلب على الصورة، تقرأ بصوتك، وتسمع أصوات الآخرين، التي تعبر عن أفكارهم وعقائدهم وآلامهم وآمالهم، فكان للراديو السيادة والربوبية على الثقافة، ونقل الأخبار، والتواصل مع الجماهير بألوان الفنون الغنائية والموسيقية، وصارت للراديو برامجه ومسلسلاته الدرامية التي نقلت الصورة المقروءة إلى صورة مسموعة، وكأنك تشاهد العمل الدرامي الإذاعي مرئيا أمامك.
تذكر معي كم مسرحية استمعت إليها عبر الراديو؟ وكم مسلسل إذاعي لا زلت تذكر تفاصيله؟
كم من الحواديت والحكايات التي استمعنا إليها؟ حتى أن "ألف ليلة وليلة" التي كنا نتجمع أمام التلفاز لمشاهدتها في شهر رمضان، صرنا نتابع الاستماع إليها عبر الراديو. ذكريات كثيرة مرتبطة بالراديو لا تخلو مذكرات أديب أو سياسي أو فنان منها.
ثقافة الراديو لازالت تتصدر مكانة كبيرة لدى الجماهير. قديما كان الراديو صديق الساهرين، وصاحب ربات البيوت والأنيس عقب خروج رب الأسرة والأطفال من المنزل.
حكايات كثيرة عن ارتباط الأجيال المختلفة بثقافة الراديو حتى الأجيال الحالية لها ارتباط كبير بإذاعات الإنترنت وراديو إف إم .. والاختلاف هنا في المتلقي والوسيلة. فرغم الدور الكبير الذي تقوم به إذاعات الشرق الأوسط والبرنامج العام وصوت العرب والقرآن الكريم، إلا أنه لها جمهورها المرتبط بها، في حين جذبت إذاعات الإنترنت وإف إم أجيال الشباب.. وصارت الأكثر شعبية بينهم.. رفيقة الطريق في السيارة وعلى الموبايل.
تعاني المادة المسموعة التي يقدمها الراديو حاليا من محدودية ما يتم تقديمه في الأخبار السياسية والمنوعات والأغاني، في حين افتقدنا البرامج الثقافية التي ظلت سنوات طويلة تذاع مثل "قراءة في كتاب"، أو لقاءات الكتاب والفنانين والمثقفين.
كان الراديو يتمتع بثراء ثقافي بما يقدمه من جرعات ثقافية وتوعوية طوال اليوم، وكان المستمعون يحرصون على متابعة برامج بعينها على الراديو.
الحقيقة التي لا خلاف عليها أن الراديو منبر ثقافي، ونافذة واسعة على آذان ملايين المستمعين، وهي من أهم الوسائل الاجتماعية لنشر الثقافة والتنوير، فإذا كنا نعاني من أزمة في تسويق المنتج الثقافي لزم الانتباه إلى أهمية هذه الوسيلة الإعلامية الثقافية، والاهتمام بها، لتقوم بدورها في نقل المعرفة.
في عدة لقاءات مع زملاء من الإذاعات المختلفة كانت الشكوى من عزوف وزراء وشخصيات عامة ومسئولين وفنانين عن الظهور في الراديو .. تقليلا من أهميته. وكأن الراديو ليس له جمهور. حكايات سمعتها منهم عن وزير رفض التسجيل للراديو وسارع إلى كاميرات القنوات الفضائية الخاصة التي تتمتع بجماهيرية كبيرة .. من وجهة نظره. وآخرون يكتفون بمداخلات هاتفية فقط وأحيانا كثيرة لا يردون أصلا.
وإذا كان هناك تقليلا من البعض لأهمية الراديو .. فمسئولي الإذاعات يقع عليهم اللوم في تحويلهم هذا المنبر الثقافي إلى أداة للإلهاء والتسلية وليس وسيلة تثقيف وتوعية. فالإذاعات الحكومية والخاصة ليست منبرا غنائيا فقط، فالغناء والموسيقى لون من ألوان الثقافة، لكن نريد أن نسمتع إلى أفلام ومسلسلات ومسارح الراديو – زي زمان - ، أريد أن استمع لقراءة في كتاب، أريد تنويعا ثقافيا على الراديو، أريد من رب الثقافة أن يقوم بدوره في نشر التنوير.
أيضا - التوسع في تناول الموضوعات السياسية والفكرية بالتحليل والنقد لتوعية الجمهور أمر ضروري. فالراديو وسيلة تثقيف وتوعية وليس مجرد وسيلة لإلهاء الشباب بالتقاليع والافتكاسات.