قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

بعد فتواه المثيرة بإباحة بيع المسلم للخمور.. «علي جمعة» يثبت بالأدلة إجازته من قبل الأحناف


على جمعة:
الإمام أبو حنيفة أباح ممارسة العقود الفاسدة مع غير المسلمين فى بلاد الغرب
العباس عم النبى كان يتعامل بالربا فى مكة بعد إسلامه ولم ينهه النبى عن ذلك
هناك فرق بين الفقه وأحكامه وبين الورع
اثارت الفتوى التى أفتاها بالأمس الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق بإباحة بيع الخمر لغير المسلمين وغيرها من العقود الفاسدة جدالا واسعا بين الناس بعد نشرها على الكثير من المواقع الألكترونية بل وأصبحت محلا للسخرية بين الشباب على كثير من مواقع التواصل الاجتماعى.
فقد أفتى بالأمس خلال لقائه ببرنامج «والله أعلم»، المذاع على فضائية «سي بي سي» ، بإنه يجوز للمسلم المقيم في بلاد الغرب أن يبع الخمور بشرط ألا يشربه ولا يأكل لحم خنزير، وأفتى بذلك الإمام أبو حنيفة، أنه يجوز للمسلم بيع الخمر في المطعم الذي يملكه في بلاد الغرب، وأنه يجوز تقديم الخمور وغيرها من الأطعمة المحرمة على المسلمين في مطاعم الغربية بشرط ألا يأكل منها.
ونشر منذ قيل على الصفحة الرسمية للدكتور علي جمعة على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» وعلى موقعه الرسمى بيان وأدلة لصحة هذه الفتوى والتى اعتمد فيها المفتى السابق على أدلة السادة الحنفية فى إباحة المسلم ممارسة العقود الفاسدة مع غير المسلمين فى بلاد الغرب.
نص البيان:
نظرًا لما انتشر في بعض الصحف التي تريد الإثارة لا الإنارة، فهذا بحث مفصل بالأدلة عن إباحة العقود الفاسدة في بلاد غير المسلمين (مثل بيع الخمور) .
وحقيقة هذه الفتوى أني سئلت منذ عدة سنوات، وليس في وقت ما نشر ذلك في الصحف، وكانت الفتوى بخصوص الحج، وكان نص السؤال: «هل يجوز أداء الحج من المال الناتج من العقود الفاسدة : كبيع الخمر لغير المسلمين في بلادهم، وكربا مع غير المسلمين في بلادهم كذلك؟» وكانت إجابتي هي:
ذهب الإمامان أبو حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف إلى أنه لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب، وأن المسلم في دار الحرب له أخذ أموال الحربيين بأي وجه كان ولو بالعقد الفاسد كالقمار أو بيع الميتة والخمر، قال محمد: «وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فلا بأس بأن يأخذ عنهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان»، ثم قال: «ولو أن المستأمن فيهم -أي الحربيين- باعهم درهما بدرهمين إلى ستة، ثم خرج إلى دارنا، ثم رجع إليهم أو خرج من عامه ثم رجع إليهم فأخذ الدراهم بعد حلول الحول لم يكن به بأس».
وقال السرخسي بعد ذكره لمرسل مكحول «لا ربا بين المسلمين وبين أهل دار الحرب في دار الحرب»: وهو - أي مرسل مكحول- دليل لأبي حنيفة ومحمد- في جواز بيع المسلم الدرهم بالدرهمين من الحربي في دار الحرب..، وكذلك لو باعهم ميتة أو قامرهم وأخذ منهم مالًا بالقمار، فذلك المال طيب له عند أبي حنيفة ومحمد».
وقول الإمامين أبي حنيفة ومحمد هو المعتمد والمختار عند السادة الحنفية، فقد قال الإمام السرخسي بعد نصه السابق: «وحجتنا -السادة الأحناف- في ذلك ما روينا، وما ذكر عن ابن عباس وغيره أن رسول الله قال في خطبته: «كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب»، وهذا؛ لأن العباس بعد ما أسلم رجع إلى مكة، وكان يرابي، وكان لا يخفي فعله عن رسول الله فلما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز، وإنما جعل الموضوع من ذلك ما لم يقبض حتى جاء الفتح».
وقال المرغيناني، والكمال بن الهمام، والحصكفي، وابن عابدين قالوا جميعا: «لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب»، وذكروا أن المسلم في دار الحرب له أن يأخذ مال الحربيين بأي وجه كان بغير غدر منه.
وظاهر كلام السادة الحنفية أن الحكم عام في أخذ المسلم للربا في دار الحرب وإعطائه، ولكن الكمال بن الهمام ذكر أن أئمة الحنفية في دروسهم قيدوا حل الربا للمسلم في دار الحرب بأخذه من الحربي، فقال: «إلا أنه لا يخفى أنه إنما يقتضي حل مباشرة العقد -أي عقد الربا- إذا كان الزيادة ينالها المسلم، والربا أعم من ذلك إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان - يعني بالدرهم- من جهة المسلم ومن جهة الكافر، وجواب المسألة بالحل عام في الوجهين، وكذا القمار قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر للكافر بأن يكون الغلب، فالظاهر أن الإباحة تفيد نيل المسلم للزيادة، وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم في حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم؛ نظرا إلى العلة، وإن كان إطلاق الجواب خلافه»، ونقل ذلك عنه ابن عابدين، بل إلى بيع الخمر، والإطلاق هو المناسب لعصرنا.
وقد استدل السادة الحنفية على ما ذهبوا إليه بأدلة منها:
1-ما ذكر عن مكحول عن رسول الله: «لا ربا بين المسلمين وبين أهل دار الحرب في دار الحرب»، قال السرخسي: «وإن كان مرسلا فمحكول فقيه ثقة والمرسل من مثله مقبول»، واستدل بهذا الدليل أيضا المرغيناني، والكمال بن الهمام.
2-واستدل محمد رحمه الله بحديث بني قينقاع، فإن النبي حين أجلاهم قالوا: «إن لنا ديونا لم تحل بعد»، فقال: «تعجلوا أو ضعوا»، ولما أجلى بني النضير قالوا: «إن لنا ديونا على الناس»، فقال : «ضعوا أو تعجلوا»، وبيَّن السرخسي وجه الدلالة فقال: «ومعلوم أن مثل هذه المعاملة - الربا المتمثل في قوله: «ضعوا أو تعجلوا» -لا يجوز بين المسلمين، فإن من كان على غيره دين إلى أجل فوضع عنه بشرط أن يعجل بعضه لم يجز، كره كذلك عمر وزيد بن ثابت وابن عمر، ثم جوزه رسول الله في حقهم؛ لأنهم كانوا أهل حرب في ذلك الوقت ولهذا أجلاهم، فعرفنا أنه يجوز بين الحربي والمسلم ما لا يجوز بين المسلمين».
3-وبما وقع عند مصارعته صلي الله عليه وسلم ركانة حين كان بمكة، فصرعه رسول الله ، في كل مرة بثلث غنمه، ولو كان مكروها ما فعله رسول الله، ثم لما صرعه في المرة الثالثة قال ركانة: ما وضع أحد جنبي قط، وما أنت صرعتني، فرد رسول الله الغنم عليه، يقول السرخسي: «وإنما رد الغنم عليه تطولًا منه عليه وكثيرًا ما فعل ذلك رسول الله مع المشركين يؤلفهم به حتى يؤمنوا».
4-روى ابن عباس وغيره، قال: قال: «ألا كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول ربا أضعه ربا عمي العباس بن عبد المطلب»، ووجه الدلالة في هذا الحديث أن العباس بعدما أسلم بعد أن جيء به أسيرا في غزوة بدر، استأذن رسول في الرجوع إلى مكة بعد إسلامه، فأذن له، فكان يربي بمكة إلى زمن الفتح، وكان فعله لا يخفى على النبي، فلما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز، وإنما جعل الموضوع من ربا في دار الحرب ما لم يقبض حتى جاء الفتح فصارت مكة دار الإسلام؛ ولذا وضع رسول الله الربا عند الفتح.
5-ولأن أبا بكر الصديق ناحب مشركي قريش قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى: «ألم غلبت الروم .. الآية»، فقالت قريش له : «ترون أن الروم تغلب؟! قال: نعم، فقالوا: هل لك أن تخاطرنا، فقال: نعم، فخاطرهم، فأخبر النبي، فقال النبي: «أذهب إليهم فزد في الخطر»، ففعل وغلبت الروم فارسًا، فأخذ أبو بكر خطره فأجازه النبي»، وهو القمار بعينه بين أبي بكر ومشركي مكة وكانت مكة دار شرك.
6-ولأن مالهم مباح فحق للمسلم أن يأخذه بلا غدر؛ لحرمة الغدر؛ لأن المسلمين لو ظهروا على ديارهم لأخذوا مالهم بالغنيمة (شرح السير الكبير 4/1410 ، والبناية في شرح الهداية 7/385، والمبسوط 14/58، وفتح القدير 6/178 وحاشية ابن عابدين 4/188).
وبعد فحاصل مذهب السادة الحنفية جواز التعامل بالعقود الفاسدة في دار الحرب، بين المسلم وأهل دار الحرب، سواء كان العقد بيعًا لميتة، أو خنزير، أو خمر، أو مقامرة، وما يجب أن يلتفت إليه مطالع هذا النقل عن السادة الحنفية، أن يضع في اعتباره، أن أهل المذاهب الأخرى لديهم قواعد يمكن من خلالها التعامل مع حالات الضرورة والابتلاء، ويمكن من خلالها عقد صلة بين ما ذهب إليه السادة الحنفية وبين أقوال المذاهب في المسألة ذاتها.
ومن هذه القواعد :1- تقليد القائل بالجواز عند الضرورة رفعا للحرج، فقد قال الشيخ العلامة الشيرواني: «لمن ابتلي بشيء من ذلك كما يقع كثيرًا تقليدًا ما تقدم ليتخلص من الحرمة».
2-الإنكار يكون في المجمع عليه : فقد ذكر العلامة السيوطي: «إنما ينكر المتفق عليه لا المختلف فيه» وهذا يعني أن المسـألة إذا اختلف فيها أهل المذاهب الفقهية، فلا يصح لأهل مذهب أن ينكروا على أهل مذهب آخر؛ لأن المسألة مختلف فيها.
3- التفريق بين حد الفقه والحكم وحد الورع: فقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن حد الورع أوسع من حد الحكم الفقهي؛ وذلك لأن المسلم قد يترك كثرا من المباح تورعا ، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتركون تسعة أعشار المباح ورعا خشية أن يقعوا في الحرام، ولكن هذا لا يعني أنهم يحرمون الحلال، والورع واسع حتى يصل إلى أن يخرج الإنسان من جميع ماله تورعا من أن يناله شيء من الحرام.
فعلى ما سبق تقديمه من مذهب السادة الحنفية، يكون أداء الحج من المال المكتسب من العقود الفاسدة بين المسلم وأهل دار الحرب في دارهم جائزا؛ لأن هذا المال طيب ، كما نص على ذلك الإمام السرخسي: «وكذلك لو باعهم ميتا أو قامرهم وأخذ منهم مالا بالقمار فذلك المال طيب»، فإذا كان المال طيبا جاز الحج به عند جميع الفقهاء والله تعالى أعلى وأعلم.