إحياء التراث: ثورة في الفكر الإسلامي (2)

هناك سؤال يقفز أمامنا جميعا وهو من الأهمية بمكان لأنه يفيد الباحث والمطلع في هذا المجال ويصب في نفس الطريق الذي ندعو إليه، وهو التنقيب عن مخطوطات الأمة الإسلامية لكي تكون معبرًا جديدًا نحو آفاق جديدة في الفكر الإسلامي المعاصر، وهو: كيف وصلت هذه الألوف من المخطوطات إلى أوربا وأمريكا؟
لقد سلك الأجانب شتى الوسائل والطرق للحصول على هذه الثروة ونقلها إلى بلادهم، سواء كانت هذه الطرق شرعية أو غير شرعية. ونشط المستشرقون والدبلوماسيون والأثرياء منهم، يساعدهم تُجار المخطوطات وجهل أصحاب هذا التراث وسوء أحوالهم المالية. وحينًا كانت تنال إهداءً أو استيلاءً بقوة السلاح والنفوذ في فترة الاحتلال وانتشار الاستعمار.
وسنذكر بعض هذه الأحداث التي تكشف عن الأساليب التي اتبعت لامتلاك هذه الألوف من المخطوطات خلال القرون الأربعة الأخيرة.
1- نصح المستعرب الإيطالي جريفيني Griffini التاجر الإيطالي كايروتي في الحديدة باليمن أن يشتري المخطوطات بالحبوب التي كان يتاجر بها، واستطاع أن يجمع ألفًا وستمائة وعشر مخطوطات باعها إلى مكتبة أمبروزيانا في ميلانو (إيطاليا). وجريفيني نفسه الذي شغل منصب مدير المكتبة الملكية بعابدين في القاهرة، في الأعوام من 1920-1925م، رَحَّل من مصر وغيرها ألفًا ومائتين وإحدى وأربعين مخطوطة إلى مكتبة أمبروزيانا.
2- زار المستشرق هنري جلازر اليهودي النمساوي، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، اليمن وأقطارًا عربية أخرى، غير مرة، وتخفَّى بزيِّ فقيهٍ عربي باسم الحاج حسين، وجمع في رحلاته مائتي وخمسين مخطوطة باعها للمتحف البريطاني، ومائتي وستًّا وأربعين مخطوطة اشترتها منه المكتبة الملكية ببرلين سنة 1877م.
3- طاف الكونت كارلو لندبرج السويدي، المتوفى 1924م، في مصر واليمن وأقطار عربية أخرى، وكان قد عمل قنصلًا للسويد في مصر، واشترى مئات المخطوطات ونقلها إلى بلاده.
4- استطاع المستعربون الروس، ومنهم كراتشكوفسكي، المتوفى 1951م، أن ينقلوا نفائس المخطوطات من الجمهوريات الإسلامية التي كانت تنضوي تحت مظلة الاتحاد السوفيتي، إلى معهد الدراسات الشرقية في بطرس بيرج، وكذلك زار هذا المستعرب لبنان وسوريا وفلسطين ومصر، واشترى منها مخطوطات لصالح معهده.
5- استطاع المستعرب البريطاني سيرجنت R.B.Serjeant ، والذي أقام في اليمن سنين طوالًا، أن ينقل كثيرًا من مخطوطات حضرموت وغيرها من المناطق اليمنية إلى جامعات إنجلترا، ولما تمكنت حكومة اليمن من إبعاده من بلادها استقَرَّ في جُدَّة يستقبل المخطوطات التي يأتيه بها تُجارها اليمنيون.
6- جلب القنصل البريطاني في بغداد (لنج Lynch) عام 1860م، وما بعده، ثلاثمائة وعشر مخطوطات، وجلب قنصل بريطاني آخر هو بج Budge، من الموصل، مائة وثلاثًا وسبعين مخطوطة، أودعت جميعها المتحف البريطاني.
7- استطاعت بعثة بريطانية متخصصة في جمع نفائس المخطوطات أن تحصل من مصر، عام 1842م، على قدر وافٍ منها، من بينها ثلاثمائة مخطوطة مكتوبة على رَقِّ غزال.
8- قَدِم الثري الأيرلندي شستربتي بلادنا عام 1913م بحثًا عن المخطوطات والتحف، واستقر زمنًا في القاهرة، وتحلق حوله تُجار المخطوطات، فاشترى منهم نفائسها، وتجمع لديه نحو أربعة آلاف مخطوطة منتقاة، وهي محفوظة في مدينة دَبْلن (أيرلندا) في مكتبة سميت باسمه.
9- لضائقة مالية سافر الشيخ أمين بن حسن الحلواني المدني، وهو من الحجاز، من المشتغلين بالعلم، إلى لَيْدِن (هولندا) عام 1301هـ (1883م) ومعه ستمائة وأربعة وستون مخطوطة نفيسة آلت بالشراء إلى جامعة لَيْدِن، والعجب أن الجامعة لضائقة مالية أخرى باعت عام 1900م جزءًا من هذه المخطوطات إلى جامعة برنستون الأمريكية.
10- اشترت مكتبة الكونجرس في واشنطن مكتبة الشيخ محمد إمام المنصوري بكاملها، وهو من علماء الأزهر، وذلك في الأربعينيات من القرن المنصرم، وهي تحتوي على ما يزيد على ألف وخمسمائة مخطوطة، عدا ألوف المطبوعات.
11- أمر السلطان عبد الحميد الثاني في إسطنبول بإهداء معظم مخطوطات الجامع الأموي بدمشق إلى ألمانيا، بمناسبة زيارة ولي عهدها للجامع عام 1898م.
12- جمع الثري الأرمني فروج سلاطيان، وهو حلبي الأصل، مكتبة تضم مائة وستًّا وعشرين مخطوطة، أهداها إلى مكتبة يريفان عاصمة الجمهورية الأرمنية، ومعها فهرس مطبوع في بيروت في توصيفها، كان قد صنعه الدكتور صلاح الدين المنجد، بتكليف من صاحب المخطوطات قبل إهدائها.
13- استأجر السلطان زيدان بن الملك أحمد المنصور السعدي عددًا من السفن لنقل مكتبة من مراكش إلى ثغر أغادير بالمغرب، والتي تبلغ نحو أربعة آلاف مخطوطة، ففاجأها قراصنة الأسطول الإسباني، واستولوا على المخطوطات عام 1021هـ (1612م)، وآلت كلها إلى مكتبة إسكوريال في إسبانيا.
14- حصلت جامعة برنستون الأمريكية عام 1943م على نحو خمسة آلاف مخطوطة مقابل سبعة وعشرين ألف دولار دفعتها للتاجر يهودا، وهو يهودي مغربي، من أصل بغدادي، وقد كان يجمع المخطوطات من بلادنا بقصد المتاجرة، وقد أصدرت الجامعة فهرسًا خاصًّا بهذه المخطوطات في مجلد ضخم بعنوان مجموعة يهودا (هذه الأرقام والمعلومات منقولة من بحث مهم وكبير للأستاذ عصام الشطي بعنوان "توزيع المخطوطات العربية والإسلامية في العالم)، والرجل له جهده مشكور في هذا المجال ونقلته للإفادة وللإجابة عن السؤال كيف وصلتنا مخطوطتنا إلى الغرب.