منتشيا بالنصر الذي تحقق في تركيا بعد فشل الانقلاب العسكري، انطلق صوت أردوغان المعتقد بأن شجب الانقلاب التركي حتى من قبل الأحزاب المعارضة لنهج السياسي للرئيس، قد شكل تأييدا له يصل إلى حد التفويض المطلق منتشيا بهذا الاعتقاد، انطلق صوته عاليا مطالبا باعادة فرض حكم الإعدام الذي ألغى من القوانين التركية منذ عام 2004، والذي ألغى آنئذ استجابة لمتطلبات القوانين المعتمدة في الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا للانضمام تحت مظلته.
ولكن بسرعة فائقة، انطلقت الأصوات المعارضة لذاك المطلب. وقد انطلقت عالية من الداخل التركي، ومن الاتحاد الأوروبي، بل ومن الولايات المتحدة التي ذكره سياسيوها بوجوب احترام حدود القانون.
وإذا كان رئبس حزب الشعب الجمهوري في كلمته أمام البرلمان، قد هنأ الشعب التركي وأردوغان على إفشال الانقلاب العسكري، لكنه ذكر أيضا في كلمته بوجوب احترام القانون ومبادئ الدمقراطية، فإن رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، قد ذهب أبعد من ذلك، اذ أكد رفض حزبه لهذا المقترح، كما رفضته وزيرة خارجية الدول الأوروبية، وكذلك وزير خارجية ألمانيا ووزراء آخرين من دول الاتحاد الأوروبي.
وأكدت وزبرة خارجية الاتحاد، بأن إقرار قانون كهذا سيؤدي إلى توقف المباحثات الجارية بين تركيا والاتحاد الأوروبي بخصوص انضمام الجمهورية التركية للاتحاد.
هناك مبدأ هام في مفهوم القوانين وإصدارها، وهو أنها تسري على ما يليها من مخالفات لنصوص القانون الجديد، ولا يفترض به أن يسري على المخالفات للقانون السلبقة على تشريعه. أو هذا على الأقل ما درسته في كلية الحقوق عندما كنت طالبا فيها حتى عام 1974، عندما تخرجت وانقطعت صلتي بدراسة النصوص القانونية، نتيجة تفرغي للعمل في حقل الاعلام المرئي على مدى 55 عاما. ومع ذلك فان المبادئ الأساسية للقوانين، وبطبيعة الحال وجوب مراعانها لمبادئ حقوق الإنسان التي لا تستطيع القوانين المشرعة إغفالها، يعني أن صدور قانون كهذا حتى ولو تضمن نصا على كونه يسري بأثر رجعي، أي على الجرائم المرتكبة قبل صدوره (كقضية المشاركة في االشروع بانقلاب عسكري لتغيير نظام الحكم)، حتى ولو تم إقراره بأكثرية خاصة متميزة... سيظل قانونا مرفوضا من المجتمع الدولي، ومن نسبة عالية من الأتراك على صعيد الداخل التركي.
ويحاول رئيس الوزراء التركي علي بن يالدريم، التخفيف من حدة المطلب الأردوغاني، بالتذكير أن هذا القانون بحاجة لمناقشة طويلة في البرلمان. ولكن الرئيس أردوغان، الذي يبدو بأنه قد أعد مسبقا، وقبل وقوع الانقلاب الفاشل، قائمة بأسماء من ينبغي اعتقالهم، ومن يكتفى بتسريحهم من الخدمة، من عسكريين وقضاة وحكام ولايات وموظفين حكوميين، يبدو مندفعا بحماس الى التوجه نحو تشريع واقرارقانون يعيد فرض عقوبة الاعدام ، رغبة منه بعدم الاكتفاء باعتقال البعض، بل التوجه أيضا نحو تعليق بعضهم على المشانق.
ورجح العديد من الكتاب والمحللين، أن قوائم اعفاء آلاف من القضاة، كانت معدة مسبقا. كما كان العمل جار منذ فترة من الزمان، عبرمكتب أميركي للمحاماة، على اعداد المستندات اللازمة لمطالبة الولايات المتحدة بتسليم تركيا الداعية فتح الله غولن. فالأمر لم يكن افرازا للانقلاب الفاشل، بل نتيجة مساع أردوغانية سابقة على الانقلاب، وجاء الانقلاب كهدية ليعزز المطلب الأردوغاني القديم الجديد.
والواقع فان اعفاء 2750 قاضيا واعتقال بعضهم، ومنهم أحد قضاة المحكمة العليا من أصل خمسة قضاة في المحكمة العليا تم عزلهم، أثار دهشة العالم لعدم وجود صلات مباشرة بين القضاة والانقلاب الفاشل. وفي الوقت الذي كان فيه أردوغان ووزراءه يعلنون أن من نفذ الانقلاب مجرد حفنة صغيرة من العسكريين، فوجىء المجتمع الدولي أن أكثر من ثلاثة آلاف من الجنود والضباط، وبينهم 34 ضابطا برتب عالية وصل بعضها الى ضباط برتبة لواء وكان من بينهم نائب رئيس هيئة الأركان، تم تسريحهم أو اعتقالهم على عجل، مما يرجح أيضا بأن الاعتقالات بين العسكريين قد تمت أيضا بناء على قائمة معدة سلفا ، ساعية لتطهير الجيش من كل من يشتبه به، بكونه غير مؤازر أو مطمئن للنهج الأردوغاني، ولم تكن بالضرورة اذن، نتيجة مشاركة هؤلاء بالانقلاب الفاشل أو المزعوم. والغريب في الأمر، أن الفئة الصغيرة التي قالت تصريحات المسؤولين بأنها قد شاركت في الانقلاب، توسعت فجأة لتنسب تهمة المشاركة لقائد الجيش الثاني، وقائد الجيش الثالث، وآميرال السلاح البحري، اضافة الى قائد حرس الحدود، وقائد سلاح الجو. فهذا التوسع المفاجىء بحجم المشاركين في الانقلاب، يبدو وكأنه مجرد عذر يبرر ابعاد واعتقال أولئك، نتيجة توجه سابق لابعادهم عن مواقعهم، وقبل حصول الانقلاب المذكور، وكانت كما يبدو قد أعدت قوائم بأسمائهم سواء وقع انقلاب أم لم يقع.
وامتدت قوائم الاعفاء والاعتقال أحيانا، لتشمل 34 حاكم ولاية من ألوية تركيا ال 84. ولم يفهم
أحد ماهية دور حكام الولايات (وهم مدنيون)، بالانقلاب العسكري. فهذه القرارات الغريبة العجيبة بالاعفاء أو الاعتقال لهذه الشريحة الكبرى من الأتراك، عسكريين ومدنيين، ترجح أيضا التوجه الأردوغاني لتنفيذ مخطط مسبق كان عاجزا عن تنفيذه خوفا من ردة الفعل لو نفذ في ظروف عادية. أما الآن وقد حصل انقلاب عسكري فاشل، وكان هناك تأييد شعبي رافض له ومؤيدا لشرعية رئاسة أردوغان، سواء كان التأييد من الجماهير أو من أحزاب المعارضة، فان أردوغان كما يبدو، قد وجد في هذه الفرصة النادرة، فرصة تاريخية تساعده على تنفيذ كل مخططاته السابقة والتي كان عاجزا عن تنفيذها. فمستندا الى التأييد الشعبي والحزبي الذي لاقاه وانتشى به، شرع بعمليات اعتقال وفصل أولئك الذين وردت أسماؤهم فيخذ بتنفيذHo` fjktd`
قوائم معدة سلفا ولكن تنفيذها موقوف بانتظار ميسرة وفرها له لانقلاب العسكري.
ويبدو أن الأمر قد اختلط كثيرا على الرئيس أردوغان. فهو قد اعتقد يقينيا أن التأييد الشعبي الذي شهده الشارع والذي ورد من قيادات الأحزاب السياسية، قد جاء تأييدا له شخصيا، ولم يدرك أن الشعب والأحزاب لم تنبر للدفاع عن شخص أردوغان، بل عن الشرعية التي يمثلها، وعن الدمقرطية التي خشي الكثيرون أن تنقضي في ظل حكم عسكري جديد، خصوصا وأن الشعب كان قد مر بخمس تجارب سابقة من الانقلابات ا لعسكرية وما أفرزته من حد للحريات السياسية.
فالشارع قد خرج اذن دعما للشرعية وللدمقراطية، وليس لشخص أردوغان ، ومثله الأحزاب
السياسية التي هرولت تعلن شجبها للانقلاب، وتأييدها للشرعية والدمقراطية، وليس لشخص معين هو الرئيس أردوغان الذي يتطلع الآن، وفي غمار موجة الحماس تلك، الى اجراء تعديلات دستورية طالما حلم بها، وهي التعديلات المتعلقة باعتماد النظام الرئاسي عوضا عن النظام البرلماني الحالي، وكذلك اعتماد الاسلام (السياسي) دينا للدولة، والابتعاد عن العلمانية الأتاتوركية التي طالما حماها الجيش بانقلابته الخمس المتكررة. أما الآن وقد سقط انقلابه السادس ولم ينجح، فقد بات من الممكن العودة الى المطالبة بالابتعاد عن العلمانية وتثبيت الاسلام كدين الدولة، والشريعة الاسلامية لا العلمانية، كمصدر للتشريع فيها.
ورغم وجود الاحتمال القوي بأن أردوغان يدرك بأن الشعب والأحزاب قد خرجا لتأييد الشرعية والدمقراطية وليس شخصه، فأنه يتصرف وكأنه غير عابىء بذلك. فالجيش الذي يمثل القوة الحقيقية الفاصلة، قد وجهت له الآن ضربة حاسمة نتيجة لفشل الانقلاب. ولتـأكيد انتهاء أي دور للقوات المسلحة مستقبلا، فقد شرع في تنفيذ ضربة أخرى له هي بمثابة الضربة القاضية، وتمثلت بتنفيذ قائمة الاعتقالات والاعفاءات التي أعدها سلفا، والتي ستساعد على توجيه ضربة أخرى لبناء القوات المسلحلة، تبقيها مقعدة لفترة طويلة من الزمان.
ومن هنا يضطر المراقب الى العودة للتساؤل: هل كان الانقلاب انقلابا فاشلا، أم تحول الى انقلاب فاشل لكونه قد بات انقلابا مخترقا بطريقة أو بأخرى؟
مثلا لنقدر، كمجرد احتمال، أن الرئيس أردوغان قد بات مدركا لوجود غليان في القوات المسلحة نتيجة استراتيجيته المعقدة التي أدت الى استعداء العالم كله تقريبا، مما أدى الى وقوف الكثيرين بالتالي معادين لتركيا. فالعلاقات مع الولايا المتحدة كانت فاترة. ومثلها العلاقات مع الجار، أي الاتحاد الأزروبي. أما العلاقة مع روسيا ،فقد بلغت حد العداء المكشوف واقتربت من الاشتباك المباشر، ولو على الأراضي السورية فحسب. أما جيران تركيا العرب، أي سوريا والعراق ومثلهما مصر، فالعلاقة معها جميعها، كانت في أدنى درجاتها. وكما توقع أردوغان، فقد اكتشفت عيونه داخل القوات المسلحة التركية التي كانت في حالة غليان، أن البعض فيها يعد لشيء ما. لكنه لم يحاول عندئذ التوجه لاحباط ما يعدونه، باعتقالهم ومحاكمتهم مجتبا البلاد اراقة الدم التركي من الطرفين، بل تركهم يمضون في مخططهم، بل والأرجح أنه قد شجع بعض الضباط الموالين له، على الانخراط في صفوفهم وأداء دور المشاركين في الانقلاب، في الوقت الذي كان فيه دورهم الحقيقي، هو المساخمة في احباط عملية الانقلاب.
وهذا ما يفسر السذاجة في تنفيذ العملية الانقلابية، حيث ركز المهاجمون على مهاجمة أهداف غير ذات جدوى عسكرية أو استراتيجية كالبرلمان مثلا، والسيطرة على الجسرين المعلقين اللذين يربطا تركيا الأسيوية بتركيا الأوروبية، دون أن يركز الانقلاب على ملاحقة الرئيس أردوغان الذي كان يمضي اجازة عائلية في مدينة صغيرة على أحد الشواطىء التركية. فرجال أردوغان ضمن المجموعة المتآمرة، قد حذروا الرئيس بأن الطارة قد توجهت لقصف الفندق الذي يقيم فيه، فغادره بطبيعة الحال, قبل قدوم الطائرات. ورجال أردوغان ضمن التنظيم الانقلابي، شجعوا الانقلابيين على عدم جدوى مواصلة ملاحقته في المدينة الساحلية المتواجد فيها، والتركيز على قصف البرلمان كبديل لذلك. وهؤلاء هم من تخلوا عن الاحتفاظ بقناة تي آر تي (TRT) الرسمية تحت سيطرة الانقلابيين رغم أهميته، قانقطع تواصل الانقلابيين مع الجماهير عبر تلك القناة. وهؤلاء من سهلوا نجاح اردوغان بالعودة الى اسطنبول رغم كون المطار (مطار أتاتورك) ومطار صبيح القريب منه، كانا تحت سيطرة الانقلابيين.
هناك احتمال واحد يدور في ذهني وفي ذهن آخرين، وهو كون مشروع الانقلاب كان معروفا لأردوغان، وكان مخترقا منه كما سيبق وذكرت. وقد تركه يمضي في طريقه ليجد المبررات الضرورية لتنفيذ قوائم اعنقالاته المعدة سلفا، والتي ما كان بوسعه تنفيذأي منها في الظروف العادية. فالانقلاب الفاشل لم يؤد فحسب لتنفيذ مضمون تلك القوائم، بل الى المطالبة أيضا باستعادة غريمة غولن، وطرح احتمال اعادة حكم الاعدام، اضافة الى احتمالات نجاحه في اقرار تعديل على الدستور يحول تركيا نحو النظام الرئاسي، وهو ما يتوق اليه أردوغان، مع الغاء للعلمانية والعودة للنمط العثماني السابق أي اللدولة الدينية يام السلطنة. ولعله ت، ولعل قيامه بتحية الجماهير قبل يومين باشارة رابعة الذي استخدمه الاخوان المسلمون في القاهرة، وهي التحية التي شاهدها الكثيرون، تشكل الوعد الصريح والواضح للجماهير، بأن زمن العلمانية قد انقضى، وان عهد السلطنة العثمانية الأردوغانية، قد بات في الطريق اليكم، فهو العرض القادم في مسلسل تضمن فيلما اسمه "ليلة الانقلاب على أردوغان".
هناك مبدأ هام في مفهوم القوانين وإصدارها، وهو أنها تسري على ما يليها من مخالفات لنصوص القانون الجديد، ولا يفترض به أن يسري على المخالفات للقانون السلبقة على تشريعه. أو هذا على الأقل ما درسته في كلية الحقوق عندما كنت طالبا فيها حتى عام 1974، عندما تخرجت وانقطعت صلتي بدراسة النصوص القانونية، نتيجة تفرغي للعمل في حقل الاعلام المرئي على مدى 55 عاما. ومع ذلك فان المبادئ الأساسية للقوانين، وبطبيعة الحال وجوب مراعانها لمبادئ حقوق الإنسان التي لا تستطيع القوانين المشرعة إغفالها، يعني أن صدور قانون كهذا حتى ولو تضمن نصا على كونه يسري بأثر رجعي، أي على الجرائم المرتكبة قبل صدوره (كقضية المشاركة في االشروع بانقلاب عسكري لتغيير نظام الحكم)، حتى ولو تم إقراره بأكثرية خاصة متميزة... سيظل قانونا مرفوضا من المجتمع الدولي، ومن نسبة عالية من الأتراك على صعيد الداخل التركي.
ويحاول رئيس الوزراء التركي علي بن يالدريم، التخفيف من حدة المطلب الأردوغاني، بالتذكير أن هذا القانون بحاجة لمناقشة طويلة في البرلمان. ولكن الرئيس أردوغان، الذي يبدو بأنه قد أعد مسبقا، وقبل وقوع الانقلاب الفاشل، قائمة بأسماء من ينبغي اعتقالهم، ومن يكتفى بتسريحهم من الخدمة، من عسكريين وقضاة وحكام ولايات وموظفين حكوميين، يبدو مندفعا بحماس الى التوجه نحو تشريع واقرارقانون يعيد فرض عقوبة الاعدام ، رغبة منه بعدم الاكتفاء باعتقال البعض، بل التوجه أيضا نحو تعليق بعضهم على المشانق.
ورجح العديد من الكتاب والمحللين، أن قوائم اعفاء آلاف من القضاة، كانت معدة مسبقا. كما كان العمل جار منذ فترة من الزمان، عبرمكتب أميركي للمحاماة، على اعداد المستندات اللازمة لمطالبة الولايات المتحدة بتسليم تركيا الداعية فتح الله غولن. فالأمر لم يكن افرازا للانقلاب الفاشل، بل نتيجة مساع أردوغانية سابقة على الانقلاب، وجاء الانقلاب كهدية ليعزز المطلب الأردوغاني القديم الجديد.
والواقع فان اعفاء 2750 قاضيا واعتقال بعضهم، ومنهم أحد قضاة المحكمة العليا من أصل خمسة قضاة في المحكمة العليا تم عزلهم، أثار دهشة العالم لعدم وجود صلات مباشرة بين القضاة والانقلاب الفاشل. وفي الوقت الذي كان فيه أردوغان ووزراءه يعلنون أن من نفذ الانقلاب مجرد حفنة صغيرة من العسكريين، فوجىء المجتمع الدولي أن أكثر من ثلاثة آلاف من الجنود والضباط، وبينهم 34 ضابطا برتب عالية وصل بعضها الى ضباط برتبة لواء وكان من بينهم نائب رئيس هيئة الأركان، تم تسريحهم أو اعتقالهم على عجل، مما يرجح أيضا بأن الاعتقالات بين العسكريين قد تمت أيضا بناء على قائمة معدة سلفا ، ساعية لتطهير الجيش من كل من يشتبه به، بكونه غير مؤازر أو مطمئن للنهج الأردوغاني، ولم تكن بالضرورة اذن، نتيجة مشاركة هؤلاء بالانقلاب الفاشل أو المزعوم. والغريب في الأمر، أن الفئة الصغيرة التي قالت تصريحات المسؤولين بأنها قد شاركت في الانقلاب، توسعت فجأة لتنسب تهمة المشاركة لقائد الجيش الثاني، وقائد الجيش الثالث، وآميرال السلاح البحري، اضافة الى قائد حرس الحدود، وقائد سلاح الجو. فهذا التوسع المفاجىء بحجم المشاركين في الانقلاب، يبدو وكأنه مجرد عذر يبرر ابعاد واعتقال أولئك، نتيجة توجه سابق لابعادهم عن مواقعهم، وقبل حصول الانقلاب المذكور، وكانت كما يبدو قد أعدت قوائم بأسمائهم سواء وقع انقلاب أم لم يقع.
وامتدت قوائم الاعفاء والاعتقال أحيانا، لتشمل 34 حاكم ولاية من ألوية تركيا ال 84. ولم يفهم
أحد ماهية دور حكام الولايات (وهم مدنيون)، بالانقلاب العسكري. فهذه القرارات الغريبة العجيبة بالاعفاء أو الاعتقال لهذه الشريحة الكبرى من الأتراك، عسكريين ومدنيين، ترجح أيضا التوجه الأردوغاني لتنفيذ مخطط مسبق كان عاجزا عن تنفيذه خوفا من ردة الفعل لو نفذ في ظروف عادية. أما الآن وقد حصل انقلاب عسكري فاشل، وكان هناك تأييد شعبي رافض له ومؤيدا لشرعية رئاسة أردوغان، سواء كان التأييد من الجماهير أو من أحزاب المعارضة، فان أردوغان كما يبدو، قد وجد في هذه الفرصة النادرة، فرصة تاريخية تساعده على تنفيذ كل مخططاته السابقة والتي كان عاجزا عن تنفيذها. فمستندا الى التأييد الشعبي والحزبي الذي لاقاه وانتشى به، شرع بعمليات اعتقال وفصل أولئك الذين وردت أسماؤهم فيخذ بتنفيذHo` fjktd`
قوائم معدة سلفا ولكن تنفيذها موقوف بانتظار ميسرة وفرها له لانقلاب العسكري.
ويبدو أن الأمر قد اختلط كثيرا على الرئيس أردوغان. فهو قد اعتقد يقينيا أن التأييد الشعبي الذي شهده الشارع والذي ورد من قيادات الأحزاب السياسية، قد جاء تأييدا له شخصيا، ولم يدرك أن الشعب والأحزاب لم تنبر للدفاع عن شخص أردوغان، بل عن الشرعية التي يمثلها، وعن الدمقرطية التي خشي الكثيرون أن تنقضي في ظل حكم عسكري جديد، خصوصا وأن الشعب كان قد مر بخمس تجارب سابقة من الانقلابات ا لعسكرية وما أفرزته من حد للحريات السياسية.
فالشارع قد خرج اذن دعما للشرعية وللدمقراطية، وليس لشخص أردوغان ، ومثله الأحزاب
السياسية التي هرولت تعلن شجبها للانقلاب، وتأييدها للشرعية والدمقراطية، وليس لشخص معين هو الرئيس أردوغان الذي يتطلع الآن، وفي غمار موجة الحماس تلك، الى اجراء تعديلات دستورية طالما حلم بها، وهي التعديلات المتعلقة باعتماد النظام الرئاسي عوضا عن النظام البرلماني الحالي، وكذلك اعتماد الاسلام (السياسي) دينا للدولة، والابتعاد عن العلمانية الأتاتوركية التي طالما حماها الجيش بانقلابته الخمس المتكررة. أما الآن وقد سقط انقلابه السادس ولم ينجح، فقد بات من الممكن العودة الى المطالبة بالابتعاد عن العلمانية وتثبيت الاسلام كدين الدولة، والشريعة الاسلامية لا العلمانية، كمصدر للتشريع فيها.
ورغم وجود الاحتمال القوي بأن أردوغان يدرك بأن الشعب والأحزاب قد خرجا لتأييد الشرعية والدمقراطية وليس شخصه، فأنه يتصرف وكأنه غير عابىء بذلك. فالجيش الذي يمثل القوة الحقيقية الفاصلة، قد وجهت له الآن ضربة حاسمة نتيجة لفشل الانقلاب. ولتـأكيد انتهاء أي دور للقوات المسلحة مستقبلا، فقد شرع في تنفيذ ضربة أخرى له هي بمثابة الضربة القاضية، وتمثلت بتنفيذ قائمة الاعتقالات والاعفاءات التي أعدها سلفا، والتي ستساعد على توجيه ضربة أخرى لبناء القوات المسلحلة، تبقيها مقعدة لفترة طويلة من الزمان.
ومن هنا يضطر المراقب الى العودة للتساؤل: هل كان الانقلاب انقلابا فاشلا، أم تحول الى انقلاب فاشل لكونه قد بات انقلابا مخترقا بطريقة أو بأخرى؟
مثلا لنقدر، كمجرد احتمال، أن الرئيس أردوغان قد بات مدركا لوجود غليان في القوات المسلحة نتيجة استراتيجيته المعقدة التي أدت الى استعداء العالم كله تقريبا، مما أدى الى وقوف الكثيرين بالتالي معادين لتركيا. فالعلاقات مع الولايا المتحدة كانت فاترة. ومثلها العلاقات مع الجار، أي الاتحاد الأزروبي. أما العلاقة مع روسيا ،فقد بلغت حد العداء المكشوف واقتربت من الاشتباك المباشر، ولو على الأراضي السورية فحسب. أما جيران تركيا العرب، أي سوريا والعراق ومثلهما مصر، فالعلاقة معها جميعها، كانت في أدنى درجاتها. وكما توقع أردوغان، فقد اكتشفت عيونه داخل القوات المسلحة التركية التي كانت في حالة غليان، أن البعض فيها يعد لشيء ما. لكنه لم يحاول عندئذ التوجه لاحباط ما يعدونه، باعتقالهم ومحاكمتهم مجتبا البلاد اراقة الدم التركي من الطرفين، بل تركهم يمضون في مخططهم، بل والأرجح أنه قد شجع بعض الضباط الموالين له، على الانخراط في صفوفهم وأداء دور المشاركين في الانقلاب، في الوقت الذي كان فيه دورهم الحقيقي، هو المساخمة في احباط عملية الانقلاب.
وهذا ما يفسر السذاجة في تنفيذ العملية الانقلابية، حيث ركز المهاجمون على مهاجمة أهداف غير ذات جدوى عسكرية أو استراتيجية كالبرلمان مثلا، والسيطرة على الجسرين المعلقين اللذين يربطا تركيا الأسيوية بتركيا الأوروبية، دون أن يركز الانقلاب على ملاحقة الرئيس أردوغان الذي كان يمضي اجازة عائلية في مدينة صغيرة على أحد الشواطىء التركية. فرجال أردوغان ضمن المجموعة المتآمرة، قد حذروا الرئيس بأن الطارة قد توجهت لقصف الفندق الذي يقيم فيه، فغادره بطبيعة الحال, قبل قدوم الطائرات. ورجال أردوغان ضمن التنظيم الانقلابي، شجعوا الانقلابيين على عدم جدوى مواصلة ملاحقته في المدينة الساحلية المتواجد فيها، والتركيز على قصف البرلمان كبديل لذلك. وهؤلاء هم من تخلوا عن الاحتفاظ بقناة تي آر تي (TRT) الرسمية تحت سيطرة الانقلابيين رغم أهميته، قانقطع تواصل الانقلابيين مع الجماهير عبر تلك القناة. وهؤلاء من سهلوا نجاح اردوغان بالعودة الى اسطنبول رغم كون المطار (مطار أتاتورك) ومطار صبيح القريب منه، كانا تحت سيطرة الانقلابيين.
هناك احتمال واحد يدور في ذهني وفي ذهن آخرين، وهو كون مشروع الانقلاب كان معروفا لأردوغان، وكان مخترقا منه كما سيبق وذكرت. وقد تركه يمضي في طريقه ليجد المبررات الضرورية لتنفيذ قوائم اعنقالاته المعدة سلفا، والتي ما كان بوسعه تنفيذأي منها في الظروف العادية. فالانقلاب الفاشل لم يؤد فحسب لتنفيذ مضمون تلك القوائم، بل الى المطالبة أيضا باستعادة غريمة غولن، وطرح احتمال اعادة حكم الاعدام، اضافة الى احتمالات نجاحه في اقرار تعديل على الدستور يحول تركيا نحو النظام الرئاسي، وهو ما يتوق اليه أردوغان، مع الغاء للعلمانية والعودة للنمط العثماني السابق أي اللدولة الدينية يام السلطنة. ولعله ت، ولعل قيامه بتحية الجماهير قبل يومين باشارة رابعة الذي استخدمه الاخوان المسلمون في القاهرة، وهي التحية التي شاهدها الكثيرون، تشكل الوعد الصريح والواضح للجماهير، بأن زمن العلمانية قد انقضى، وان عهد السلطنة العثمانية الأردوغانية، قد بات في الطريق اليكم، فهو العرض القادم في مسلسل تضمن فيلما اسمه "ليلة الانقلاب على أردوغان".