قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

المؤسس الحقيقي لـ«داعش»


المرشح الجمهوري لرئاسة الجمهورية الأمريكية دونالد ترامب، أخطأ كثيرا في توجيه الاتهام للرئيس أوباما بكونه يقف وراء ظهور ونشوء وتأسيس الدولة الإسلامية، ولكنه أصاب عندما اتهمه بأن مداهنتها وعدم ملاحقتها جديا في الوقت الملائم، كان السبب الكامن وراء تناميها وازدياد قوتها، إلى درجة بات يصعب معها لاحقا التغلب عليها.

الخطأ الجوهري الذي ارتكبه ترامب في اتهامه ذاك لأوباما
--------------------------------------------------------
اتهم المرشح ترامب، الرئيس أوباما ومرشحة الحزب الدمقراطي للرئاسة هيلاري كلينتون والتي يؤازرها الرئيس الأمريكي، بأنهما يقفان وراء ظهور وتأسيس الدولة الإسلامية، وهذا غير صحيح إطلاقا، لأن الدولة الإسلامية قد تأسست وظهرت للعلن في عام 2006 باسم دولة العراق، والتي سرعان ما استبدلت اسمها بدولة العراق الإسلامية، معلنة انتماءها وتأييدها لتنظيم القاعدة.

وقد فعلت الدولة الإسلامية ذلك، معلنة نشوء وتأسيس دولة العراق الإسلامية، تحت بصر وسمع القوات الأمريكية المحتلة للعراق والمسيطرة على مقاليد الأمور فيها، وهكذا ظهرت دولة العراق الإسلامية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وليس في عهد الرئيس أوباما الذي جاء إلى السلطة ودولة العراق الإسلامية المنتمية إلى القاعدة، قائمة ناشطة ومستقرة، وتواجدها معتمد ومتفق عليه من قبل مخططي الاستراتيجية الأمريكية، وبالتالي لم يكن بوسع الرئيس أوباما عندئذ، في دولة مؤسسات كالولايات المتحدة، أن يبدل أو يغير شيئا من استراتيجية اعتمدت من مؤسسات الدولة، ومن سلفه جورج دبليو بوش الذي لم يعترض على قيام تنظيم دولة العراق، أو على تغيير اسمها إلى دولة العراق الإسلامية.

الأخطاء التي ارتكبها أوباما في تعامله مع الدولة الإسلامية
--------------------------------------------------------

ولكن الرئيس أوباما ارتكب فعلا سلسلة من الأخطاء الجوهرية، بحسن نية أو نتيجة تخطيط ودراسة خاطئة، في تعامله مع الدولة الإسلامية التي نشأت في عهد سلفه جورج بوش الابن باسم دولة العراق، لكنها سرعان ما استبدلت اسمها (الاستبدال الأول) ليصبح دولة العراق الإسلامية (الاستبدال الثاني للاسم جرى في عام 2013)، إذ بات الاسم عندئذ دولة العراق والشام الإسلامية واختصاره داعش، وذلك إثر نشوب الحرب الأهلية في سوريا منذ آذار 2011 وقيام دولة العراق الإسلامية، بإرسال عناصرها للقتال في سوريا إلى جانب جبهة النصرة (السورية)، الشقيقة لدولة العراق الإسلامية نتيجة انتماء كليهما لتنظيم القاعدة.

ولكن الخلاف دب فجأة بين الطرفين بعد عامين من مشاركة كليهما في القتال ضد الحكومة السورية جنبا إلى جنب. وكان الخلاف حول قيادة العمليات العسكرية، فأبو محمد الجولاني، أمير جبهة النصرة، السورية المولد والأعضاء، كان يتشبث بحق القيادة لنفسه، في الوقت الذي أرادها أبو بكر البغدادي، أمير تنظيم دولة العراق الإسلامية، أيضا لنفسه.

وعندما اشتد الخلاف بين الطرفين وطلب أبو محمد الجولاني من البغدادي، أن يعيد قواته إلى العراق لوجود حاجة إلى رجاله هناك أكثر من الحاجة إليهم في سوريا، رفض البغدادي ذلك معلنا فك ارتباطه بجبهة النصرة، واستبدال اسم تنظيمه بدولة العراق والشام الإسلامية (داعش)، تأكيدا لوجود دور له أيضا في العمليات القتالية الجارية في سوريا، الأمر الذي لم يرق لأبو محمد الجولاني الذي رفع الأمر إلى القيادة العليا في تنظيم القاعدة التي ينتمي إليها الطرفان.

وهنا تبنى الدكتور أيمن الظواهري، أمير القاعدة، وجهة نظر أبو محمد الجولاني، فأفتى بوجوب اقتصار عمليات دولة العراق الإسلامية على العراق، واختصاص جبهة النصرة بالعمليات العسكرية في سوريا، الأمر الذي لم يرق أيضا للبغدادي، فأعلن فك ارتباطه حتى بتنظيم القاعدة الأم، متشبثا بمواصلة دولة العراق الإسلامية، التي بات اسمها دولة العراق والشام الإسلامية، القتال في سوريا أيضا إلى جانب قتالها في العراق.

وهذا كله تاريخ قديم ومعروف وسبق التعرض له مرارا من قبل، ولكن بات من الضروري الرجوع إليه الآن، لتذكير ترامب أين أخطأ وأين أصاب، فالمسئولية عما حدث حتى تلك اللحظة، كانت تقع على عاتق جورج بوش الابن الذي نشأت دولة العراق الغسلامية في عهده وتحت بصره.

لكن مسئولية الرئيس أوباما تبدأ بعد ذلك التغيير الجوهري في توجهات دولة العراق الإسلامية، فمنذ تلك اللحظة، بات الرئيس أوباما مسئولا عما تلا ذلك من أحداث أدت إلى استقواء دولة العراق والشام الإسلامية بسرعة كبيرة وخارقة أثارت دهشة العديد من المراقبين، دون أن يحدد أحد من هو المسئول عن ذلك التطور الكبير والمفاجئ في حجم دولة العراق والشام الإسلامية، التي كانت إلى حين، أضعف الفرق المعارضة المسلحة في سوريا، وباتت فجأة أقواها وأشدها بأسا وقوة، بل أكبرها حجما وقدرة على مقاتلة الجميع: لا مقاتلة القوات السورية الرسمية فحسب، بل مقاتلة الجيش السوري الحر، وفرق أخرى من المعارضة المسلحة، وأحيانا مقاتلة جبهة النصرة ذاتها أيضا، فهنا يبرز التساؤل حول دور الرئيس أوباما في ذاك التطور الغريب والسريع والمفاجئ، والذي جرى في عهده وأثناء رئاسته، وتحت أعين ومراقبة أجهزة مخابراته.

سلسلة أخطاء أوباما الجوهرية اللاحقة بصدد الدولة الإسلامية
-----------------------------------------------------------
لم يتوقف الأمر لدى ظاهرة النمو السريع لقدرات دولة العراق والشام الإسلامية، لدرجة باتت تتفوق بعدها قوة وعددا على كل التنظيمات المعارضة الأخرى، إذ إن ما كان يثير الدهشة والتساؤل أيضا في هذا الصدد، مصدر التمويل والتسليح الذي هل عليها فجأة رغم انقطاع مواردها من تنظيم القاعدة الأم إثر فك ارتباطها بها، فهل كان مصدره دول الخليج وخصوصا السعودية وقطر، مع سكوت أمريكي عنه نظرا لضرورته تحقيقا لمصلحة استراتيجية معينة، أم كان مصدره الولايات المتحدة ذاتها، برئاسة أوباما الآن، التي وجدت في التنظيم الجديد وسيلة لتحجيم تنظيم القاعدة الأم، الذي عجز الرئيس جورج بوش الابن عن تحجيمه أو استئصاله، رغم حرب دامت ثماني سنوات في عهده ضد تنظيم القاعدة وحلفائها في طالبان؟ ذلك أن الرئيس أوباما كما يرجح البعض، قد وجد في داعش، التي انهالت عليها عمليات المبايعة من تنظيمات باتت تفك ارتباطها بالقاعدة وتعلن انتماءها للدولة الإسلامية، وجد في ذلك وسيلة مثلى لتفكيك تنظيم القاعدة والحد من جبروتها وقوتها المدمرة؟

فهذا السكوت من الرئيس أوباما عن مصدر التمويل لداعش، مهما كانت أهدافه ومبرراته، كان خطأ كبيرا كشفه سرعة توجه الدولة الإسلامية التي أصابها نوعا من الغطرسة والزهو بقوتها المتميزة، نحو ارتكاب أعمال وحشية كان من بينها قطع الرؤوس (بعضها رؤوس أمريكية)، وقتل الأسرى، إضافة إلى أعمال وحشية أخرى عديدة لم يعد بوسع أحد بعدها السكوت عن الدولة الإسلامية وأعمالها البشعة، فكان لا بد إذن من إعلان الحرب عليها.

وقام الرئيس أوباما فعلا بإعلان الحرب على الدولة الإسلامية في 27 أيار 2014، وذلك خلال خطاب ألقاه في الكلية الحربية في نيويورك، لكن الرئيس أوباما أعلن الحرب على داعش، وتوقف عند إعلانها فحسب، إذ لم يقدم فعلا على عمل عسكري ما يكشف عن دخول الحرب مرحلة التنفيذ، وكان ذلك خطأ آخر ارتكبه الرئيس أوباما.

لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك فحسب، أي عند الامتناع عن الممارسة الفعلية لخطوات عسكرية في تلك الحرب، إذ سرعان ما ارتكبت إدارة أوباما خطأ آخر أكثر جدية وجوهرية، وذلك عندما أتاحت للدولة الإسلامية، في الفترة بين 9 و12 حزيران 2014، أي بعد قرابة 15 يوما من إعلان تلك الحرب على تلك الدولة، من احتلال ثلاث محافظات رئيسية في شمال العراق، شكلت إضافة إلى محافظة الأنبار، ما يقارب 40 بالمائة من كامل الأراضي العراقية، فالدولة الأمريكية التي هي الآن في حالة حرب معلنة ضد داعش، قد تركتها تسيطر على هذه المساحة الجغرافية الواسعة من الأراضي دون أن تفعل شيئا لإيقافها أو ردعها.

لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك أيضا، فالولايات المتحدة بأقمارها الصناعية وأدوات تجسسها، كانت لا بد قد لاحظت على مدى أيام، قيام الدولة الإسلامية بتجميع قواتها تمهيدا لهجوم كبير، بل ولا بد قد لاحظت أيضا تحرك تلك القوات في اتجاه المحافظات العراقية الثلاث، ومع ذلك اتخذت موقف عدم التدخل لمقاومتها وقصفها جوا والحيلولة دون نجاح مهمتها. بل وذهبت إلى أبعد من ذلك، بعدم تحذير الحكومة العراقية حول ما يجري على الأرض العراقية، أو على وشك أن يجري عليها بين يوم وآخر.

وكانت النتيجة، ليست مجرد سيطرة الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، بل الاستيلاء أيضا على كم كبير من المدفعية والدبابات والصواريخ التي كانت الفرق العسكرية العراقية المتواجدة في شمال العراق تملكها (وقيمتها مليارات الدولارات)، إضافة إلى وقوع أولئك الجنود أسرى في أيدي داعش وعددهم بالآلاف، واضطرار الكثيرين منهم، حماية لأرواحهم، للانضواء تحت لوائها، ما زاد في قوتها قوة من حيث السلاح والعتاد بل والعدد أيضا.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الفشل المريع الذي قد تبرره الإدارة الأمريكية بكونها قد لاحظت بمصادر تجسسها العديدة، تجمع وتحرك قوات الدولة الإسلامية، ولكنها لم تكن واثقة بعد من نواياها الفعلية، ما جعلها تتردد في التحرك لإحباط تحركها، إذ تبعه فشل آخر، بامتناع سلاح الجو الأمريكي الذي بات الآن يقود تحالفا ضد الدولة الإسلامية، عن الشروع في قصف المواقع الجديدة للدولة الإسلامية في شمال العراق، كي لا تمكنها من تركيز مواقعها وبناء دفاعاتها الاستراتيجية هناك، فلم تقم الولايات المتحدة بعمل عسكري واحد ضد الدولة الإسلامية، وبالتالي ظلت في موقف المتفرج لعدة أيام، (رغم وجود حالة حرب معلنة رسميا)، فلم تتحرك جديا إلا عندما بدأت تلك الدولة الإسلامية بالتوجه لمحاصرة إقليم كردستان، بدءا بمحاصرة أربيل عاصمة الإقليم، ففي تلك اللحظة فحسب، تحرك سلاح الجو الأمريكي، وبدأ أولى خطواته في تلك الحرب المعلنة ضد الدولة الإسلامية، مع شروعه بقصف القوات الداعشية واجبارها على التراجع عن المناطق الكردية التي يبدو بأنها تشكل خطا أحمر في الاستراتيجية الأمريكية.

وبالتالي لم يكن تحركها تنفيذا للحرب المعلنة ضد الدولة الإسلامية، بل كان على أرض الواقع، مجرد عمل عسكري استهدف حماية الأكراد لا أكثر، وعزز ذلك الاحتمال، تدخلها الكثيف لاحقا لحماية الأكراد أيضا المحاصرين في عين العرب (كوباني)، وبعدها في جبل سنجار حيث الأيزيديين والأكراد.

وأكد تلكؤ وعدم جدية الرئيس أوباما في مقاتلة الدولة الإسلامية، إعلانه الرسمي أمام الكونجرس، بعدم توجهه لاستخدام قوات برية في تلك الحرب، والاكتفاء بعمليات جوية تستهدف تحجيم الدولة الإسلامية (كما قال صراحة)، معززا ذلك ببداية حرب فعلية ظاهرية ضدها، لكنها حرب بدت للعيان كحرب رحيمة، حرب ضد صديق لا عدو، استنادا للكم الضعيف من الإغارات الجوية الأمريكية على مواقع تلك الدولة، والتي نادرا ما تجاوز عددها العشر غارات يوميا، إلا في حالات تعرض الأكراد للخطر، فعندئذ فقط، كانت تشتد الإغارات وتستعر، تذكيرا بالخطوط الحمراء المأذون للدولة الإسلامية (كما قد يبدو للمراقب) بالتحرك خلالها وفي مدارها، مع عدم تجاوزها.

وبالتالي لم تدخل الحرب الأمريكية ضد الدولة الإسلامية مرحلة جدية، إلا بعد الشهر التاسع من عام 2015، عندما تدخلت القوات الروسية بشكل مباشر، في العمليات العسكرية الجارية على الأراض السورية، ففي هذه الحالة فقط، ونتيجة ما بات ظاهرا من بروز تنافس عسكري بين القوتين الروسية والأمريكية، اضطرت القوات الأمريكية عندئذ، لأن تنشط في عملية تنافسية مع القوات الروسية، مستهدفة مكافحة الإرهاب سواء تمثل بالدولة الإسلامية، أو بجبهة النصرة التي توسعت في مرحلة ما بقدرة قادر، وسيطرت على محافظة إدلب السورية، فهذه الحرب الرحيمة التي ظل التحالف الأمريكي يقودها على مدى ستة عشر شهرا سابقة على التدخل الروسي المنافس، هي التي يتوجب على المرشح ترامب أن يتعرض لها، إضافة إلى تساؤلات من جانبه عن السبب الذي حال دون التدخل الأمريكي (رغم كل المعلومات التي وفرتها وسائل تجسسها)، للحيلولة دون نجاح الدولة الإسلامية في السيطرة على محافظات الشمال العراقي الثلاث في عام 2014، رغم محاولتها لاحقا لتصحيح الموقف بالمساهمة المحدودة في تحرير محافظات صلاح الدين وأجزاء من محافظة الأنبار كما فعلت في معركتي الرمادي والفلوجة لاحقا.