قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا


الخميس الماضى 15/12 وأنا جالس فى استراحة قناة «صوت الشعب» بمبنى التليفزيون المصرى أتابع من خلال شاشة العرض افتتاحات عدد من مشروعات الإسكان وشبكة الطرق والكبارى ومحطات الصرف الصحى وتحلية المياه التى أشرفت عليها وأنجزتها أجهزة الدولة المختلفة من وزارات وهيئات تنفيذية طبقا لقرارات صادرة عن رئيس الدولة عبد الفتاح السيسى وفى إطار خطة تنموية موضوعة بدقة لخلق مستوطنات عمرانية جديدة فى جميع أنحاء مصر ومحافظاتها المختلفة وخاصة تلك التى كانت منسية مثل محافظات الصعيد وسيناء والقناة وتخدم عليها وتربط بين هذه المجتمعات الجديدة.

شبكة من الطرق على أعلى مستوى من حيث المواصفات والأداء تنتهى إلى منافذ استراتيجية جديدة فى الغرب والجنوب وتلبى الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لمصر خلال سنوات قادمة تصل إلى عام 2050.

الإصرار على الإنجاز ومتابعة التنفيذ وتوقيتاته الضاغطة على أعصاب الهيئات المنفذة وخاصة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لم يكن فقط دور الرئيس ولكن أيضا- وهذا هو الأهم - توفير آليات الإنجاز من تمويل وضمانات ومعايير تحكم العمل والمنتج وتصونهما من أى شائبة فساد فنى أو مالى أو أمور كانت تحدث فى الماضى وتشوه صورة أى مشاريع شبيهة، لكن اليوم غير الأمس.

(١)

أتابع المشاهد المتحركة الحية المنقولة لبعض المشروعات من الواقع مصحوبة بشرح المسئول ( قلت لنفسى هذا يقطع الطريق على المتشككين عن عمد أو جهالة فلا يمكن أن يكون هذا «فوتو شوب» )، والإنجاز مبهر فى حجمه والوقت الذى استغرقه والمواصفات، وهى أمور لم نعتد عليها فى مصر بهذه الكيفية لعقود طويلة خلت، وتنازعتنى الخواطر هل إذا كتبت هذا فى مقال سوف أتهم بنفاق الرئيس ؟! طيب هل من المصلحة العامة الإنكار أو التجاهل ؟!
وقلت لنفسى هل ينبغى أن ينسب الإنجاز لشخص الرئيس فقط وتجاهل جهود الآخرين المشاركين فيه من الوزراء ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة والضباط والجنود والمهندسين المدنيين وحتى أصغر عامل مدنى شارك بما هو واجب مندوب له أو متطوع فيه؟!

واستغرقتنى الخواطر حتى استفقت منها على سؤال الرئيس السيسى لرئيس الهيئة الهندسية كامل الوزير: «يا كامل عملتوا إيه فى الكنيسة؟!» فبدأ الأخير على الفور يتلو بثقة المتابع من كثب ما تم وما سوف يتم من إنجاز فى إصلاح وترميم الكنيسة البطرسية التى استهدفها غاشم موتور بتفجير نفسه قبل أسبوع تقريبا لا ليهدم مبناها ولكن ليقتل أنفسًا حية، قدر الله سبحانه آجالها بالزمان والمكان، ومع استحضار الحادث المأساوى لمشهد الإنجاز المبشر قفز هذا السؤال إلى الوعى: لو وضعنا جريمة هذا الشاب الإرهابى مقابل العامل الذى وضع طوبة فى هذه الإنشاءات السكنية أو رصف جزءًا فى طريق أو زرع على جانب هذا الطريق شجرة أو ساهم فى إنشاء محطة تحلية مياه فشرب منها الناس والماشية والطير وسقى الزرع.. ما حُكم هذا وذاك فى شرع الله وشرع الناس؟!

٢))

«من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا»... الآية (32) سورة المائدة.. هذه هى الآية التى حضرت فى الأذهان عقب حادث الكنيسة، والتى تحضر مع كل جريمة قتل بدون وجه حق خاصة إذا كانت الواقعة بشعة أو كارثية وما أكثر ما تقع حوادث البشاعة والكوارث هذه الأيام التى نعيشها وتبلغ حدة بشاعتها إلى أن تجذب عقول الناس فيروا فى الآية نصفها الأول الذى يصف حجم جرم القتل وينصرفوا عن النصف الثانى الإيجابى الذى يتحدث عن حُكم من يُحيى النفس.. وفى كلام رب العزة أن القاتل – مَجازًا - قتل الناس جميعًا والمحيى أحياهم جميعًا.

فهل قصد سبحانه من الآية تعظيم جرم قتل الأنفس دون وجه حق وتعظيم ثواب إحيائها، وفى كتب التفسير والنقول القديمة أن عملية الإحياء تتمثل فى ولى المقتول هذا الشخص الذى يعفو عمن وجب له القصاص منه فلا يطلب قتله (يسامحه) ، أو يفعل ذلك القتيل نفسه قبل أن يموت مثال ما حدث مع قاتل الخليفة عمر بن الخطاب وقد عفا عنه الفاروق وهو فى ساعات منازعة الموت، والعفو لا يكون إلا بعد المقدرة على الاقتصاص من القاتل فلا عفو مع عدم وجودها.

هذا هو الشائع فى التفسير لكننى أرى (وهذا ليس تأصيلا شرعيًا ولكنه اجتهاد عقلى) أن إحياء النفس لا يجب أن يقتصر على الصورة السابقة والتى استلهمها الملك النمرود فى مجادلته لنبى الله إبراهيم عليه السلام إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت، لقد أراد أبو الأنبياء سؤاله : هل تملك قدرة الله فى الموت والإحياء؟.. فأجابه: أنا آمر بقتل هذا فأميته وأحفظ حياة هذا فأحييه وتصور بسذاجة منطقه أنه يملك سر الموت والحياة الذى لا يملك سرهما إلا الله، أما الإنسان فقد يتدخل أحيانا ليمد غيره بأسباب الحياة على سبيل المثال يتبرع شخص بالدم فينقذ حياة شخص آخر يحتاجه، أو ينقذ شخصًا آخر أشرف على الغرق.

وفى صور أخرى لمد أسباب الحياة إنتاج الطعام الذى تحتاجه الأجساد ليبقى أصحابها على قيد الحياة، أو إنتاج الماء الصالح للشرب من خلال حفر بئر عذبة أو تحلية مياه مالحة، وكذا يدخل فى الأسباب أيضا إقامة بناء يحمى حياة المشردين من برد الشتاء أو هجير الصيف وكلها أفعال مادية يؤجر عليه من يقوم بها، لكن هناك أيضًا الإحياء المعنوى للنفس البشرية ويكون ذلك بزرع الإيمان فيها ويؤكد هذا قول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم».. الآية (24) سورة الأنفال.

وفى السيرة أن حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله: اجعلنى على شىء أعيش به، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: يا حمزة نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها؟! فقال: بل نفس أحييها، قال: عليك بنفسك».

(٣)

ويظن القاتل الإرهابى على النسق الداعشى أو نسق تنظيم القاعدة الذى ينسب زورا وبهتانا للإسلام، أو المتطرف اليهودى المنتمى لجماعة جوش أمونيم، أو ميليشيات جيش الرب التى قتلت أكثر من 100 ألف فى أوغندا وتدعى أنها مسيحية، يظن هؤلاء جميعًا أنهم مأمورون من الرب بقتل الخصوم بالطرق البشعة التى ينتهجونها ويظنون أن الرب يبارك أفعالهم وسوف يدخلهم جناته أجرًا وثوابًا.

وفى الجريمة الأخيرة التى وقعت فى الكنيسة البطرسية تعالوا نسأل عن تصورات القاتل وماذا عسى أن يكون هدفه من فعلته؟!.. هل خدم بها قضية إيمانه كمسلم؟! أم تراه قتل المسيحيين على أرضية المواطنة والمساواة؟! فقد سبقه مثيل له - بأيام - فقتل مسلمين أمام جامع كانوا يؤدون فيه فرض الله، وجرائم أخرى حصدت أرواح عشرات من المدنيين ورجال الجيش والشرطة والقضاء وفئات أخرى.. لماذا؟! ما هى قناعات الضمير أو العقل التى دفعت بهؤلاء الشبان البالغين العقلاء (ليسوا بالتأكيد مجانين إلا فى تصوراتهم الأخيرة) لارتكاب جرائم تصل إلى الانتحار ونحر الآخرين وتفجير النفس والآخرين؟!

هل تفسيرات أبو الأعلى المودودى وسيد قطب وغيرهما لآيات الحاكمية هى التى بنوا عليها تصورا وبناء على تلك التصورات أصدروا فتاوى تكفير الحكام المسلمين بعد وسمهم بصفات الطواغيت؟! وكذا تكفير المجتمعات الإسلامية لأنها ارتضتهم حكامًا، وبناء على ذلك أصدروا على الجميع حكم القتل العنيف.

أقول لكم إن التأصيل الشرعى لتلك الأحكام الصادرة عن المودودى وتابعه قطب تأصيلات متهافتة لا تصمد أمام تفسيرات أكثر عمقا والتصاقا بالمنهج الربانى الذى أراده فى خلقه وسيرة رسوله الكريم ويمكن الرجوع مثلا لتفسير الشيخ الشعراوى لآيات الحاكمية وما ورد فى القرآن بشأن لفظ الطاغوت.. ولماذا نذهب بعيدًا ولماذا لا يرجع الإخوان لكتابهم المنسوب لمرشدهم الهضيبى «دعاة لا قضاة» وفيه دحض لأقوال طواغيتهم الذين جاوزوا الحد فى رمى المسلمين بداء الكفر على غير بينة وهدى، والله سبحانه وتعالى أعظم وأكرم من أن يرضى لعباده الكفر بعد أن أقروا بالإيمان، ورسوله صلى الله عليه وسلم ترك لنا من السيرة الصحيحة ما نستهدى به فى هذه القضية، فهل نحيد عن نهج الله ورسوله ونسير خلف مرضى العقول والقلوب أم نتركهم يفتنوننا فى ديننا؟

(٤)

عمار الأرض وصلاح النفس هما مناط الحياة ولا يكون هذا أبدًا بالقتل وإزهاق الأرواح وننسب هذا لتعاليم السماء أو اجتهاد العقل لأنه لا يمكن أن يقبلها عقل إلا عقل الموتورين والشماتين فى الوطن.