أكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، أن التجديد في الفكر الإسلامي لازمة من لوازم شريعتنا السمحة لا يمكن أن ينفك عنها، ولا يمكن للشريعة أن تساير حاجات الناس وتواكب متطلباتهم من دونه.
وقال «شومان»،خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الأول لكلية الدراسات الإسلامية والعربية، والذي يعقد على مدار يومين بعنوان: «تجديد الخطاب الديني بين دقة الفهم وتصحيح المفاهيم»،إن الأحكام المحسومة التي لا تقبل التغيير ولا التبديل في الشريعة الإسلامية قليلة جدًا؛ حيث تكاد تنحصر في أركان الإسلام وبعض المحرمات المحدودة، وفي المقابل نجد أن ما لا يُحصى من فروع الشريعة الإسلامية مرن يقبل التطويع ليناسب زمان الناس وأحوالهم.
وأضاف وكيل الأزهر، أن الناظر المدقق في تاريخ الإسلام والمستوعب لأحكام شريعته يدرك أن الإسلام دين متجدد حتى في وصوله للناس، فأركان الإسلام وفرائضه الأساسية لم تنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفعة واحدة؛ حيث بدأ الإسلام بركن واحد وهو توحيد الله -عز وجل- والإيمان برسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد تمثل ذلك في الشهادتين.
وتابع: ويكاد ينحصر أكثر من نصف مدة الرسالة في إقرار هذا الركن وترسيخه في نفوس المسلمين، ثم يفرض الركن بعد الركن ويتخلل ذلك بيان المحرمات والسلوكيات والأخلاقيات حتى اكتمل الدين قبيل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم-، منوهًا بأن بناء الإسلام ركنًا بعد ركن وفرض أحكامه حكمًا بعد حكم هو نوع من التجديد، حيث ينحصر الإسلام في فترة ما في ركن معين، ثم يضاف ركن ثان فثالث حتى اكتمل الدين بفرائضه وسننه، وهكذا تعد كل مرحلة من المراحل صورة جديدة للإسلام لا تغني عنها سابقتها.
وأشار إلى أن التجديد في العصور الماضية كان تجديدًا مُستنيرًا بنور العقل السديد واجتهادًا منضبطًا بأصول وأحكام الشرع الحكيم، وقد يصيب فيه المجدد أو المجتهد وقد يخطئ، ولا ضير في ذلك ما دام المجدد من المؤهلين وكان تجديده نابعًا من بذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي واستظهار مناسبة الشريعة لكل زمان ومكان دون غرض دنيوي، أما إن كان التجديد من غير المُؤهلين وغير المتجردين من الأهواء والمصالح فهو تجديد مرفوضٌ.
ونبه الدكتور عباس شومان، على أنه من غير المقبول عقلاً ونقلاً أن يرفع راية التجديد في الفكر الإسلامي من لا يلتزم أحكام الدين من صلاة وصيام وزكاة، ويحرم ما أحل الله ورسوله، ويحل ما حرمه الله ورسوله، ولا يقدس المقدس، ولا يقدر السلف الصالح من العلماء، وإن كانوا ليسوا معصومين، بل يؤخذ منهم ويرد عليهم، وهذا ما نقوله مرارًا وتكرارًا، لكن التطاول عليهم جريمة غير مقبولة عند أهل العلم.
وأوضح وكيل الأزهر أن بعض من يخوضون في التجديد في هذا الزمان يسلكون مسلكًا عجيبًا يكفي لتشويه الدين ويجعل مهمة تطوير الفكر الديني مهمة صعبة، بل مستحيلة؛ إذ يفتحون أبوابًا بغير مفاتيحها ولا يمكن حصر مصاريعها؛ حيث يعمدون إلى بعض النصوص الصحيحة فيقتطعونها من سياقها اللغوي ويفصلونها عن زمن ورودها وأسباب نزولها.
وشدد الدكتور عباس شومان، على أن الأزهر الشريف يقوم بدوره كاملاً في تجديد الخطاب والفكر الديني، ومسيرة عطاء علماؤه في أداء المهام الموكلة إليهم وما يقومون به من جهد كبير في مجال تصويب الفكر الديني وضبط الأداء الدعوي خير شاهد ودليل على ذلك، وهو عكس ما يروجه من يجهل حجم الأزهر ومكانته.
ولفت إلى الجهود التي قام بها الأزهر الشريف مؤخرًا في هذا الشأن، ومنها: المؤتمر الذي عقده الأزهر لمكافحة الإرهاب عام 2014 الذي جميع فيه كافة أصحاب الأديان والأفكار لمواجهة فكر التطرف والإرهاب والذي وضع فيه الأزهر خارطة عمل للتصدي لتلك الجماعات الإرهابية.
واستطرد: وكذلك المؤتمر الذي عقده الأزهر مؤخرًا وجمع فيه علماء المسلمين، ورجال الكنائس الشرقية والغربية، لتحديد مفهوم «الحرية والمواطنة التعدد والتكامل»، حيث أقر المؤتمر في سابقة من نوعها مصطلح المواطنة بديلاً عن مصطلح الأقليات، مقرًا أن جميع البشر لهم حق المواطنة الكاملة مهما اختلفت العقيدة والدين، فضلاً عن كثير من الندوات واللقاءات الفكرية، والجولات الخارجية التي يقودها شيخ الأزهر بنفسه شرقًا وغربًا لنشر المفاهيم الصحيحة ليصحح ما دلسته الجماعات المتطرفة.
وألمح وكيل الأزهر إلى جهود لجنة إصلاح التعليم، والتي عدلت مناهج التعليم قبل الجامعي، وانتهت من صياغة مناهج جديدة بين أيدى طلابنا تدرس اليوم وتطبق في معاهدنا، متعجبًا من نقد البعض لمناهج الأزهر التي لم يعلموا أنها تم تعديلها حتى الآن، ويتحدثون عن مناهج غير موجودة، مشددًا على أن الأزهر لا يخذي من مناهج درسها في أي مرحلة فليس في مناهجنا مدخل للإرهاب أو فكره، فمناهجنا التعليمية تواكب العصر، وسنظل نفخر بتراثنا وما طورناه من مناهج.
ونه وكيل الأزهر، بأن تجديد الخطاب الديني لن يتم في ظل تلك الفوضى المتعمدة من خلال استخدام غير المتخصصين في مجالي الفتوى والدعوة، فضبط الفتوى والأداء الدعويّ البداية الحقيقية لتجديد الخطاب الديني، مؤكدًا أن الأزهر لم يلتفت للمحاولات التي تسعي لتعديل قانونه أو التقليل من مكانة علمائه فجميعها زائلة، ومن يقف خلفها سيخسر وسيظل الأزهر الشريف منطلقا بخطواته الثابتة التي سار عليها منذ قرون لحماية الأمة من فكر التطرف والعبث.