الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وزير الأوقاف: الانحراف والشذوذ ليسا أقل خطرًا من العنف

صدى البلد

قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إنه لا شك أن لله تعالى سننًا جارية في كونه وخلقه، ومن هذه السنن أن الأمم التي بغت وطغت وتجبرت وخرجت على سنن الله الكونية وفطرته السوية كان عاقبة أمرها خسرا , سواء أكان الخروج على سنن الله تجبرًا وتكبرًا واستعلاء على نحو ما كان من فرعون وهامان وقارون وعاد وثمود وأصحاب الرس ، أم كان فسادًا أو إفسادًا ، أو أكلًا لأموال الناس بالباطل ، أم تطفيفًا للكيل والميزان على نحو ما كان من أصحاب الأيكة قوم شعيب (عليه السلام) أو كشواذ قوم لوط الذين خرقوا سنن الله الكونية.

وأضاف جمعة فى مقال له، أن القرآن الكريم تحدث عن شذوذ قوم لوط في مواطن عديدة لتسليط الضوء على سلوكهم غير الإنساني الذي أطلق عليه القرآن الكريم “الفاحشة” بالتعريف بالألف واللام ، ولم يقل “فاحشة” ، وكأن فعلتهم قد صارت علمًا على الفاحشة ، بحيث تتلاشى إلى جانبها أي فاحشة أخرى ، وذلك حيث يقص علينا القرآن الكريم ما كان من سيدنا لوط (عليه السلام) مع قومه ، فيقول سبحانه : ” وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ” .

وترتفع نغمة التحدي في سورة العنكبوت لدى هؤلاء الشواذ لنبي الله لوط (عليه السلام) إلى درجة طلبهم منه أن يأتيهم بعذاب الله إن كان من الصادقين ، وذلك حيث يقول الحق سبحانه : “وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ” .

وفي اللحظات الحاسمة التي يبلغ شواذ قوم لوط فيها ذروة التحدي بمحاولة التعدي على ضيوف سيدنا لوط عليه السلام الذي كانوا في واقع أمرهم رسل الله الذين أرسلهم لإخراج سيدنا لوط وأهله إلا امرأته من هذه القرية الظالم الفاسق الشاذ أهلها , إيذانًا بدنو ساعة إهلاك الظالمين منهم جزاء فجرهم وشذوذهم , يصور لنا القرآن الكريم هذا الحوار , حيث يقول الحق سبحانه : ” وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ “.

وفي قلب المحن والألم تكون الحياة والأمل ” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ” ، حيث يقول الحق سبحانه عن سيدنا إبراهيم (عليه السلام) في ثنايا الحديث عن إرسال الرسل لإهلاك شواذ قوم لوط : “وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ” ، ثم يقول الحق سبحانه : “فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ”.

وتابع: لقد انتهى الحوار ودنت ساعة الحساب ، وهنا ينتقل النص القرآني إلى الحوار بين سيدنا لوط وشواذ قومه من جهة , وبين سيدنا لوط ورسل الله (عز وجل) من جهة أخرى , بما يؤكد انطماس فطرة الشواذ وعمى بصيرتهم , وذلك حيث يقول الحق سبحانه : “وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ” , وهنا تحدث الرسل : “قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ” .

ولفت إلى أنها عاقبة تحمل العديد من العظات والعبر لمن يعتبر , فقد أرسل الله (عز وجل) سيدنا جبريل (عليه السلام) ليقلب قرى قوم لوط رأسًا على عقب , “فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا” وليس هذا فحسب , فقد أرسل رب العزة عليهم حجارة قوية صلبة متتابعة من سجيل , وعلى كل حجر منها اسم من أرسل إليه لإهلاكه , وجدير بنا أن نتأمل هذا التعقيب في قوله تعالى : ” وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ” , ليعتبر بذلك المعتبرون في كل زمان ومكان , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا” , ويقول الحق سبحانه : ” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”, ومن ثم يجب الاعتبار بحال من سبق من الأمم.

وأكد أنه مما لا شك فيه أن مخاطر الانحراف والشذوذ والانفلات القيمي والأخلاقي والمجاهرة بالفسق والفجور لا تقل خطرًا عن مخاطر العنف والإرهاب والتطرف , فكلا الأمرين : الإفراط والتفريط مدمر للشعوب والمجتمعات ومهلك للأمم , وأن انحلال المنحلين من الشواذ المجاهرين بالفسق والعصيان ودعم أفكارهم قنابل موقوتة في المجتمع كقنابل المتطرفين سواء بسواء , مما يتطلب منا جميعًا أن نواجه الشذوذ والانفلات والتسيب بنفس القوة والحسم اللتين نواجه بهما الإرهاب والتطرف , مرضاة لربنا (عز وجل) من جهة , وحفاظًا على أمن المجتمع وسلامه واستقراره من جهة أخرى.