الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بيتهوفن المتصوف


نتحدث اليوم عن المؤلف الموسيقى العبقرى(لودفيج فان بيتهوفن) و هو ألمانى الجنسية، ولد فى عام 1770 ، يعتبر بيتهوفن لمن قرأ سيرته نموذجا صادقا للمبدع الذى خرج من رحم الشعب، عرف معاناة الطبقات الفقيرة، كما عرف أسباب الثورات التى حدثت فى أوروبا من وجهة نظر الشعب و ليس من وجهة نظر النبلاء، و لكنه كان يترجم ثورته لإبداع موسيقى، و الأهم أن معايشته لتلك الأحداث توافقت بشكل كبير مع التمرد الذى كان يسكن روحه بشكل إيجابى فذهب لإكتشاف ذاته و تعمق فى التفكير عن فلسفة الكون وترتيبه، ووجودية الله.

تعرض فى طفولته إلي تعذيب نفسى حيث كان أبوه رجلا سيئا وسكيرا، مما ساهم بشكل كبير فى تكوين وجدان ثورى متمرد علي الذل و العبودية، كما خلق بداخله فنانا.

ومن المواقف المرتبطة بالأحداث الثورية المعروفة عنه أنه قام بتأليف السيمفونية الثالثة فى أعقاب الثورة الفرنسية، إعجابا منه بشخص نابليون ووضع إسم نابليون عليها، ولكنه عندما علم بأن نابليون قد نصب نفسه إمبراطورا علي فرنسا غضب و كاد أن يمزق العمل إلا أنه وضع عليه عنوانا جديدا (سيمفونية البطولة- فى ذكري رحيل رجل عظيم).

فى الجانب الآخر ذهب للتأمل، فعندما سأله أحدهم عما إذا كان من طبقة النبلاء أجابه: مصدر النبل هنا وهنا وكان يشير إلي (قلبه ولسانه) كأنما يردد الحديث الشريف(المرء بأصغريه قلبه ولسانه) إنها إجابه لا تخرج إلا من إنسان سأل نفسه كثيرا عن معني الأشياء، وحقيقة الكلمات، وصدق المبادئ، حتي أنه قال: (إننى أتحسر لأن كل ما أراه من الناس يخالف عقيدتى الدينية، لا يدركون أن الموسيقي إلهام كبير، وأنا عارف بالله، أدركته فعرفت أن موسيقاي محفوظة من أى سوء، من يفهمونها يرتفعون عن خطايا البشر، الموسيقي وسط بين الإحساس والفكر) .

وفى رساله منه للفيلسوف العظيم جوته يقول:(دعوه يستمع إلي سيمفونياتى، سيؤمن بأن الموسيقي هى المدخل الروحى إلي نطاق المعرفة العليا، تلك التى تفهم الإنسانية والإنسانية لا تفهمها) ثم يستطرد قائلا:(كل خلق فنى هو شيء أقوي من الفنان ومستقل عنه لأنه عود إلي من خلق وسوي وعلاقته بالفنان تتلخص فى أنه شاهد علي المنحة الربانية ).

كما كتب لصديق له:(كلما أنظر إلي السماء تحلق روحى إلي ما وراء الأفلاك، كل واصل إلي القلب يأتى من أعلي عليين، وما لا يجيء من هناك هو لغو لا روح فيه ولا حياة).

تجد ذلك العبقرى الموسيقى لا تهزمه فنيا إنتكاسات القدر المتمثلة فى ضعف سمعه و الذى هو أساس موهبته الموسيقية، و لكنها أيقظت فيه بعد صراع نفسى وفكرى روح التمرد مرة أخري فيفاجئ العالم بتأليف العديد من الأعمال، واستخدام آلة بيانو متطورة لم يمهله القدر أن يسمع كل طبقاتها الصوتية، ولكنه يخلق منها بعض من أهم أعماله.

بينما عندما فقد السمع نهائيا ترك للبشرية تحفته الفنية الخالدة(السيمفونية التاسعة) و المعروفة باسم(الكورالية) و فيها تخيل الموسيقى الأصم رحلة الإنتقال إلي العالم الآخر بعد البعث و الحساب، فاختتم السيمفونيه بلحن للشاعر شيللر يسمي(إلي الفرح) بعد صراع كبير فى كل حركات السيمفونية، اعتمد بيتهوفن لحن بسيط كأنما يود أن يخبرنا أن الإنتقال الأخير هو الذهاب للراحة و البساطه وأن الحياة الآخرة هى حياة الفرح و الإستقرار بعد الصراعات .

لم يكن بيتهوفن يوما متدينا بالشكل الذى يهم الناس أن يروه، أى فى حدود الطقوس، وإنما كان يبحث عن وجود الله فى كل شيء حوله، وكان يسمع فى حفيف الشجر تسبيحه للواحد القهار.

هل عرفنا سر خلود أعمال بيتهوفن؟ 

إن السر يكمن فى التأمل، الثقافة، البحث عن الذات، إدراكك أين تقف فى العالم، ما هى حدودك وسط صخب البشر.

والسر الأهم إن كل إنسان يحرك ساكنا فى تاريخ البشرية و يخلده التاريخ، ويكون سببا فى حدوث نقطة تحول تسطرها الإنسانيه، هو صاحب قدر.. ولزاما عليه أن يتقبل قدره ، كما تقبل بيتهوفن الصمم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط