إذا كنت من جيل الثمانينات أو التسعينات، فحتما في مخيلتك صورة لأحد أشرطة الكاسيت التي كنت تتسابق مع زملائك وأسرتك على شرائها، خاصة لمطربك المفضل، أو ربما لا تزال تحتفظ بمجموعة منها في ركن على أحد الأرفف.. ولكن كيف حالك إذا كنت من عاشقيها وبائعيها في نفس الوقت؟
لم يتبدل عم فتحي، صاحب كشك الشرائط الكائن بشبرا مصر، على شريط الكاسيت وأجهزة التسجيل مثلما فعل الزمن بهما واغتالتهما التكنولوجيا لينقرضا مع التطور، فقلبه هائم، برغم مرور السنوات وقلة زبائنهما، فيجلس متمسكا بمهنته داخل دكانه الذي اكتظ بمئات الشرائط القديمة والحديثة، إلى جانب أسطوانات الأغاني والأفلام الحديثة وعلب السجائر التي لجأ إليها لتعينه على معيشته بعد انقراض سوق الكاسيت.
يقف "فتحي"، البالغ من العمر 53 عاما، داخل محله يشغل أجمل الأغاني القديمة والحديثة لتؤنس وحدته والمارة في الشارع أيضا، ليسترجع معها ذكريات بدايته مع الشرائط، قائلا: "بدأت وأنا عمري 17 سنة، كنت باهوى الفن وبحب أسمع الأغاني من صغري مع أبويا"، لذلك فضل هذه المهنة عن المهن الأخرى ففتح كشكًا أمام سينما دوللي بشبرا، وأخذ يوزع الجرائد والشرائط معا، متذكرا أن أول شريط كاسيت باعه في حياته هو شريط مسلسل "هو وهي" للفنانة سعاد حسني والفنان أحمد زكي، تلاه شريط "ليه حظى معاكي يا دنيا كده" للفنان عماد عبد الحليم.
يعود "فتحي الزعيم"ــ كما يلقب لريادته في مجال بيع شرائط الكاسيت والفيديو ــ بالذاكرة مرة أخرى للوراء، عندما كان يسرع منذ الفجر لفتح محله لكي يبدأ في بيع أولى نسخ شريط كاسيت ينتظره الجمهور بفارغ الصبر "كانوا الناس يجروا والاقيهم واقفين أول ما يعرفوا إن مطربهم اللى بيحبوه نزل شريط"، لكن الأمر تغير الآن، حيث يبدأ يومه من الساعة الخامسة عصرًا، يبيع شريطًا أو مجموعة كاملة لفنان ما بسبب انقراض المهنة، فضلا عن بيع السجائر لزيادة نشاطه في الشارع.
"مش قادر أسيبها" هكذا يؤكد صاحب الشرائط المنقرضة، لكل من يسأله عن سبب استمراره في فتح محله رغم اختفاء الكاسيت وظهور الإنترنت وتحميل الأغانى على "الفلاشات"، حيث عاش عمرًا معها وله ذكريات كثيرة مع كل شريط، مؤكدًا أن هناك عددا من المواطنين يترددون عليه لشراء الشرائط القديمة، وذلك بهدف استرجاع ذكرياتهم أو الاحتفاظ بها.
وعلى الرغم من أن جيل الزمن الجميل يطغى على قلب عم فتحي، إلا أن فناني العصر الذهبي "جيل الثمانينات والتسعينات"، كان لهم أثر أيضا عليه، فحركة البيع وتهافت المواطنين على شراء ألبومات عمرو دياب، ومحمد منير، ومحمد محي، وأنغام، وحميد الشاعري، وسميرة سعيد، وغيرهم كان فتحة خير عليه، حيث باع منها الكثير والكثير، كما كان يقوم بالدعاية لألبومات عمرو دياب ونشر بوستراتها، خاصة ألبومات "آيس كريم في جليم" و"خالصين" و"ميال" و"هلا هلا" و"راجعين".
لتأتي الألفية الجديدة ويأتي معها دويتو "لو كنت نسيت" لتامر حسني وشيرين عبد الوهاب، و"آن الأوان" لمحمد حماقي، وإليسا، ونانسي عجرم، ليبدأ عم فتحي ببيع شرائط جديدة وكلمات جديدة تناسب جيل الألفينات، لافتا إلى أن السوق انتعشت في هذه الفترة، حتى بدأت تختفي الشرائط ويظهر الكمبيوتر والأسطوانات المدمجة.
وعن صحبته للفنانين، أشار فتحي إلى أنه كان على علاقة صداقة بالفنان الشعبي حسن الأسمر، مترحما عليه قائلا: "كان طيب القلب ومش من الناس المغرورة، كان ييجي يقعد معايا في الكشك ونغني مع بعض"، لافتا إلى أن الأغاني الشعبية كانت في تلك الفترة لها رونقها وفكرتها مثل "كتاب حياتي يا عين" و"الواد الجن" و"إدينى قلبك وخد قلبى" للفنان عبد الباسط حمودة، عكس اليوم، فالكلمات أصبحت بذيئة ومدمرة للجيل.
وأكد أن المصنفات الفنية كانت تشن حملات كثيرة على جميع محلات شرائط الكاسيت، لمصادرة أي شرائط بها أغانٍ غير لائقة، لذلك "كان الناس سميعة"، معربا عن استيائه الشديد من الجيل الحالي الذي أصبح لا يقدر الفن ولا يحسه، مختتما حديثه بجملة الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي "يرحم زمان وليالي زمان".