قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

العرضحالجي.. الكاتب الذي لمع بريقه في سماء الأمية

العرضحالجي
العرضحالجي

على مقعد خشبي يجلس خلف طاولته التي بالكاد ارتفعت بضعة سنتيمترات عن الأرض، يمسك قلمه وينقض على الورقة التي انحنى لها ظهره حتى أصبح أشبه بالرجل الآلي، يكتب بأنامله التي اعتادت وضعية الكتابة حتى أصبح من المؤلم تحريكها، تجاوره سيدة ريفية بسيطة لم تجد لها ملاذا سوى ذلك الرجل البسيط ليكتب مأساتها، بعدما عجزت يداها عن الكتابة، اعتمدت فقط على ذلك العرضحالجي الذي عرفه أهالي القرية كمنقذهم.يبدو أن تعلم القراءة والكتابة في مصر قديما كان كافيا للحصول على وظيفة، لم ينل الكثيرون حصتهم من التعليم بما يؤهلهم للكتابة وفك الخط، أو حتى كتابة أسمائهم، وكان التعليم حكرا على الرجال، ومن طبقات اجتماعية متوسطة إلى مرتفعة نسبيا، لم يشعر المصريون بحاجتهم للقراءة أو الكتابة واعتبروا ذلك نوعا من الرفاهية الفارغة، ولكن احتياجهم للكتابة كان سببا في ظهور مهنة العرضحالجي في شوارع المحروسة قديما.


ظهر العرضحالجي في مصر لأول مرة في القرن التاسع عشر الميلادي، وهو مكون في الأصل من ثلاثة عناصر، أما عن معنى المصطلح فكان بمعنى "عرض حال، جي"، "عرض حال" بدأ استخدامها بمعنى "الشكوى" ابتداء من القرن الـ 19 وكانتا حتى بداية السبعينيات من القرن العشرين تستخدمان للإشارة إلى نفس المعنى، أما "جي" فهي كلمة تركية تستخدم لنسبة شخص إلى مهنة بما يعني قيامه بها، وهو الدور الذي تلعبه مثلًا في كلمات "قهوجي، بوسطجي.."، ليصبح معنى كلمة عرضحالجي هو الرجل المختص بالشكاوى أو بكتابتها.

اشتهر العرضحالجي في قرى محافظات مصر، وتواجد أمام أقسام الشرطة لمساعدة المواطنين في تقديم شكواهم للمسئولين، وكان بمثابة الكاتب العمومي عندما كانت الغالبية القصوى من الشعب رجال ونساء أميون لا يعرفون الكتابة والقراءة وعندما يطلبون للشرطة أو الذهاب لتقديم بلاغ أو مذكرة أو خطاب أو أى شيء يتعلق بالورقة والقلم وكتابة المذكرات والدعاوى والرسائل كان العرضحالجي يقوم بكتابتها مقابل بعض الجنيهات، ويقبع مكانه دوما فى الشارع بجانب المصالح الحكومية ذات الصلة المباشرة بالمواطن كالمحاكم وأقسام الشرطة بكرسي وطاولة صغيرة والقلم ودواة الحبر وقلم الكوبيا الشهير.

ازدهرت مهنة العرضحالجي، في سبعينات القرن الماضي، بعد إنشاء أول محكمة بدمياط، وجلسوا في أكشاك خشبية متجاورة بجوار المحكمة ومجلس المدينة والنيابة الإدارية، وزادت أعدادهم في المكان حتى تعدوا العشرين شخصا، وعلى كل كشك لوحة تحمل اسم صاحبه، وزينوا أكشاكهم بالصور واللوحات.

ومع انتشار التعليم، بدأت مهنة العرضحالجي في الاندثار، وبدأ الناس يعتمدون على أنفسهم في الكتابة فلم يحتاجوا بعد ذلك للجوء إلى العرضحالجي، وبعدما كان يجمع خمسين جنيها في اليوم بدأ يقل عدد زبائنه حتى اختفى تدريجيا وإن وجد في بعض القرى النائية اليوم، فيما مازالت بعض دول العالم الثالث تعتمد عليه.