حكاية مسجد تحول إلي ملجأ للعجزة وأنقذه بدر الجمالي من التشقق.. صور

هو أحد أبرز مفردات العمارة الإسلامية والأثرية في مصر، ويعد محط أنظار كل محبي الآثار، إنه جامع أحمد بن طولون"263 - 265 هـ) / (876 – 878م"،والذي كشف لنا حكايته د.محمد أحمد عبد اللطيف، أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق.
قال عبد اللطيف:صاحب المسجد هو الأمير أحمد ابن طولون الذى قدم إلى مصر فى رمضان سنة 254 هـ/ أغسطس 868 م نائبًا عن باكباك التركى الذى قلده الخليفة العباسى ولاية مصر،وكان لقوة ابن طولون وسطوته خير أثر فى مصر،فسادت السكينة البلاد ونمت ثروتها وتوفى وخزائنه مشحونة بالأموال.
ومن أعماله أنه أنشأ سنة 257 هـ / 870م مدينة جديدة ممتدة من المقطم إلى جبل الكبش سماها (القطائع)،وبنى قصره تحت القلعة واتخذ غربيه ميدانًا فسيحًا ثم بنى دارًا جديدة للإمارة تلاصق الجامع من الجهة الشرقية الجنوبية.
وتابع:إن أول جامــع أسـس بمصـر هـو تــاج الجوامع (جامع عمرو بن العاص) سنة 21 هـ / 642م وتلاه جامع العسكر،إلا أن جامع العسكر قد زال من الوجود بزوال مدينة العسكر التى أمر ببنائها أبو عون بن يزيد سنة 133 هـ / 750م فى المكان الذى تشغله الآن بالقاهرة منطقة زين العابدين والمذبح.
وجاء بعد جامع العسكر جامع ابن طولون فكان ثالث جامع بُـنى للجمعة والجماعة وكان البدء فى بنائه سنة 263 هـ / 876 م بعد الانتهاء من بناء القطائع والفراغ منه فى رمضان سنة 265 هـ / 878 م كما ثبت ذلك من رواية المؤرخ الكبير تقى الدين بن على المعروف باسم المقريزى ثم من كتابة منقوشة على لوح من الرخام.
وبلغت تكاليفه مائة وعشرين ألف دينار ولو لم يبن الجامع على الصخر لتجاوزت نفقات البناء هذا القدر بكثير نظرًا إلى ما كان يجب أن تكون عليه الأسس وخصوصًا أساس مئذنته الضخمة،وفى وسط صحن الجامع تم عمل فسقية من الرخام تعلوها قبة مثمنة التركيب مموهة بالذهب ومحمولة على أعمدة من الرخام.
ولكن لم نقف على حقيقة عددها لكننا نتخيل من رواية المقريزى أن الفسقية كانت ثمانية الشكل محمولة على ثمانية أعمدة وخارج هذا الشكل الثمانى شكل ثمانى أخر أوسع منه استعمل لحجاب فاصل بين الفسقية وبين بقية أرض الصحن وعمل له سقف حمل على ثمانية أزواج من الأعمدة يقابل كل زوج منها عمودًا واحدًا من أعمدة القبة ثم أحيط سطح هذا الحجاب بسياج يحمى الطائفين حول القبة.
لكن للأسف كان أول ما روعنا به المؤرخون من النكبات التى حلت بالجامع نبأ حرق هذه الفسقية بقبتها الثمينة سنة 376 هـ / 986 م أى فى عهد العزيز بالله ثانى خلفاء الدولة الفاطمية ثم جددت سنة 385 هـ/ 995 م تجديدًا لم يقوى على مغالبة الدهر فهوت أيضًا بعد حياة لم يحدد التاريخ أجلها.
كذلك شارك الجامع مصر فى ضرائها عندما اجتاحها الوباء والقحط فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر سنة 470 هـ / 1077 م،فتشققت جدرانه ولحقه الخراب إلى أن تداركه الوزير الرائع "بدر الجمالى" بحكمته،فأصلح ما تداعى من أركانه وقوم بنيانه فى هذا الوقت العصيب ، ولم تأت سنة 526 هـ/ 1131م حتى أمر الخليفة الفاطمي الحافظ ببعض الإصلاحات فى الجامع.
ثم تبوأ السلطان صلاح الدين الأيوبى عرش مصر فى سنة 1171م بعد أن قضى على الدولة الفاطمية،فاختص الجامع الطولونى بفريق من المغاربة استعمروا الجامع لفترة طويلة من الزمن،حتى زالت دولة الأيوبيين وجلس على عرش مصر السلطان "الظاهر بيبرس البندقدارى" أو بيبرس الأول،فاتخذ ملحقات الجامع شونة للغلال سنة 662 هـ /1263 م.
ثم كانت مؤامرة قتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون،وكان الأمير حسام الدين لاجين مشتركًا في تدبيرها، فطورد واختفى فى الجامع الطولونى،فنذر أن نجاه الله من هذه الفتنة ليعمّر هذا المسجد المبارك،فكان له ما أراد وجلس على عرش مصر فبر بوعده.
وأخلص فى هذا البر إلى حد أنه شدد على مباشر العمل فى عدم تسخير عامل أو أخذ مادة بأقل من قيمتها وهكذا أكمل إصلاح الجامع من كل وجه سنة 696 هـ/ 1296م،على أن غالبية ما بقى إلى اليوم في جامع بن طولون من آثار إصلاحه.
أما المئذنة الكبرى المعروفة باسم الملوية فإن حسام الدين لاجين جدد جزأها العلوى المضلع الذى يعلو دورتها المستديرة ولسوء الحظ لم يخبرنا التاريخ بسبب تجديد هذا الجزء ولا بشئ عن شكله قبل التجديد.
وقد بقى إلى الآن المنبر الحالى وهو من إنشاء حسام الدين لاجين أيضًا غير أن يد السلب امتدت إليه فتسربت بعض حشواته إلى بعض متاحف أوروبا وإلى بعض هواة الآثار، ولكن لجنة حفظ الآثار العربية بذلت جهدًا مشكورًا لترميم جامع بن طولون وتجديده بشكل رائع يتناسب مع مكانة هذا المسجد العريق.
وبداية أفول نجم الجامع فقد كانت فى أيام محمد بك أبى الذهب فإنه ما كاد يأخذ الولاية على مصر حتى أنشأ به مصنعًا لعمل الأحزمة الصوفية،وما جاءت سنة 1263 هـ / 1846 م حتى حوله كلوت بك إلى ملجأ للعجزة
وظل كذلك إلى سنة 1882م حيث تألفت لجنة حفظ الآثار العربية ففكرت فى إصلاح المسجد وبالفعل قامت بعمل إصلاحات متنوعة به على أن إصلاحاتها في ذلك الوقت تعد قطرة من بحر إذا قيست بأعمالها التى قامت بها اللجنة فى مختلف الآثار الإسلامية والقبطية.
ويتكون الجامع من صحن مكشوف مربع الشكل تقريبًا يحيط به من جوانبه الأربعة أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة الذى يتكون من خمسة بوائك محمولة على دعامات ضخمة مستطيلة الشكل وفى أركان كل دعامة أربعة أعمدة دائرية.
والأروقة الثلاثة الأخرى تتكون من صفين من البوائك فقط ويحيط بالجامع من ثلاثة جوانب ثلاث زيادات وهى الجنوبى الغربى والشمالى الغربى والشمالى الشرقى، أما جدار رواق القبلة فيقع خلفه دار الإمارة التى يتوصل إليها من باب مفتوح حتى ذلك الجدار ، وفوق جدران الجامع وجزء من الأسوار الثلاثة شرافات مفرغة.