الكوفة والبصرة.. مسجدان شاهدان على التاريخ الإسلامي في العراق

تتمتع العراق بتاريخ كبير ومتنوع، وتنتشر بين ربوعها الشواهد الدالة على ذلك، خاصة التاريخ الإسلامي وما تضمنه من مفردات أهمها المساجد،ومنها مسجدين تاريخيين في الكوفة والبصرة، وكشف لنا تاريخ المسجدين د.محمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق.
وعن جامع الكوفة قال: اختط سعد بن أبى وقاص مدينة الكوفة عام 17هـ/ 638م، وذلك بعد أن افتتح المدائن حاضرة الدولة الساسانية، وبدأ بتأسيس المسجد الجامع بالكوفة، وأقام فيما يلى جدار القبلة دارًا للإمارة ملاصقة له، واختطت كل قبيلة خطة حول الجامع وأقيمت الأسواق فى ساحته،وكانت الكوفة على هذا النحو أشبه بقرية مبانيها ساذجة بسيطة.
وهكذا أقيم جامع الكوفة على قطعة من الأرض مربعة، وجعل له ظلة من عروش النخيل تقوم على أعمدة من الرخام أحضرت من بقايا القصور الفارسية فى الحيرة، ولم يكن لهذا الجامع الأول جدران خارجية تحيط به، واستبدل بالجدار خندق محفور توضيحا لحدود الجامع حتى لا يقتحمها أحد ببنيان.
وأقيمت أسقف المسجد فوق الأعمدة مباشرة دون أن ترتفع على هذه الأعمدة عقود مثل بقية المساجد ولم يكن لهذا الجامع الأول أروقة تحيط بصحنه ولم يكن له محراب ولا منبر ولا مئذنة لذلك جاءت عمارته ساذجة بدائية.
ولما ولى زياد بن أبيه البصرة والكوفة عام 50هـ/ 670م في عهد معاوية بن أبى سفيان، رأى إعادة بناء هذا المسجد الجامع، فبعث فى إحضار بعض عرفاء البنائين من فارس وشرع "زياد" فى تجديد بناء الجامع وجلب له الأجر وأساطين حجرية استقطعها من جبال الأهواز.
وقد لعب جامع الكوفة دورًا مهمًا فى الحضارة العراقية، فكان مركزًا من مراكز الحياة العامة يجتمع فيه الناس، وتذاع منه قرارات الدولة ويعلن منه الأمير سياسته الجديدة، كما كان لجامع الكوفة أثر عميق فى النهضة الأدبية والعلمية فكان الكميت الشاعر يقوم بالتدريس فيه.
أما مسجد البصرة، قال عبد اللطيف:يعود بناؤه إلى عام "14هـ- 635م"، وقد كان مسجد البصرة أول مسجد أنشئ بعد الفتوحات العربية،وقد اندثر هذا المسجد ولكن وصفه المؤرخون،حيث أن البصرة كانت أول مدينة أحدثت فى الإسلام.
وقيل أنه لما نزل عتبة بن غزوان الحربية اختار أرضا كثيرة القصبـة، فبنى بهـا مساكـن أنـزلها المسلمين وبنى مسجدًا من قصب وذلك فى سنة 14هـ/ 635م، ويقال أنه تولى اختطاط المسجد بيده،كما تردد أيضًا ان من إختطه أحد ثلاثة، محجر بن الأورع البهزى من سليم ونافع بن الحارث بن كلده حين خط داره والأسود بن سريع التميمي، فيما بنى عتبة دار الإمارة دون المسجد.
وقيل أن المسجد كان حينذاك مختطا فحسب ولم يكن مبنيا،وإن أبا موسى الأشعري هو الذي بناه وبنى دار الإمارة بلبن وطين وسقفها بالعشب وزاد فى المسجد، كما أن المسجد أحدثت به زيادة أخرى فى عهد معاوية بن أبى سفيان "زيادة كثيرة وبناه بالآجر والجص وسقفه بالساج.
وكان بيت الصلاة حينذاك يضم خمسة أروقة، إذ أنه "لما بنى زياد المسجد جعل صفته المقدمة خمس سوارى"،وكان ذلك سنة 44 هـ/ 664م ويفهم من رواية البلاذرى أن المسجد أصبح مربعا فى عهد عبيد الله بن زياد، إذ كان جانبه الشمالي "متزويا" لوجود دار فى زاوية منه فهدم عبد الله "من تلك الدار ما سوى به تربيع المسجد".
وزيد فى المسجد بعد ذلك مرتين مرة فى عهد الخليفة العباسي المهدي ومرة فى عهد الخليفة العظيم هارون الرشيد وأدخلت فى عهدهما الدور المحيطة بالمسجد ودار الإمارة.