الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: مثلث برمودا الجزء الثامن‎

صدى البلد

ثوان معدودة من الاسترخاء يجلس فيها اللواء سليم هادئًا مطمئنًا على كرسيه وقد أسند ظهره للوراء ويداه خلف رأسه ، بينما عيناه صوب سقف الغرفة، تعلو وجهه ابتسامة وشعور بالرضا؛ بعد تحقيقه وفريق عمله أفضل النتائج في مهمتهم، فيحمد الله الذي كلل جهودهم بالنجاح، داعيًا ربه أن يكون النصر حليفهم فيقتصوا للبلاد والعباد، ثم يعود مجددًا للجلوس معتدلًا.

بدأ اللواء في حث رجاله على بذل الجهد والتأكيد على مواصلة العمل والاهتمام بأدق التفاصيل. 

قرأ اللواء على رجاله نص رسالة السيد الرئيس بعد ما تم إنجازه.

لقد تابعت بكل فخر وسعادة ما حققتموه من نصر على أعداء الوطن، وكم تمنيت أن أكون حاضرًا بينكم في مصر الآن، ولكنكم جميعًا تعلمون أنه لم يمنعني سوى حضور المؤتمر. 

نحمد الله الذي منَّ علينا بالتوفيق في أولى مهام هذه العملية التي كُلِّفتم بها لدرء المخاطر عن هذا الوطن الغالي والثأر لأبنائه، والحفاظ على مقدراته ووحدة أراضيه. 

أعلم تمام العلم كما يعلم الجميع جيدًا أن معركتنا الشرسة مع الإرهاب والثأر لأبنائنا ليست بأقل من حرب بكل ما تعنيه الكلمة،  لكن إيماني بالله وثقتي بكم أكبر من أي مستحيل. 

لقد حققنا بعون الله وتوفيقه نصرًا مبينًا حتى الآن، وهذا بالطبع يدعوني إلى الفخر بكم، كما يدعونا جميعًا إلى التفاؤل،  لكنه لا يجب أن ينسينا صعوبة الطريق الذي بدأنا أولى خطواته. 

هكذا كانت رسالة السيد الرئيس إلينا من خارج البلاد. 

هذا ما أردت أن أنبهكم بشأنه؛ حتى نعلم أن القادم يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد والتعب، كما يتطلب منا اليقظة والحذر. 
وضع اللواء الورقة فوق المكتب قبل أن يتوجه إلى ياسين بالحديث.
مع السلامة أنت دلوقتي يا ياسين؛ عشان تقدر ترتاح شوية، وأنت يا علاء خليك متابع، مش عايز كلمة في الأخبار تفوتك.
كل حاجة مهما كانت بسيطة هتفرق معانا بعد كده.
عايز أعرف كل حاجة بيقولوها بالحرف. 
تحليلات خبراء الأمن مهمة جدًا، والكلام مش هيخلص دلوقتي.
أنا عارف إنك نشيط وبتحب شغلك ومش محتاج توصية،
لكن انت عارف أهمية العملية. 
عايز تقرير مفصل بكل حاجة مهما كانت صغيرة في نظرك.
ياسين: طبعًا يا افندم اطمئن،
كل خطوة زي مـ سيادتك رسمتها بالظبط هتتنفذ بإذن الله.
انصرف علاء الذي يُعرف بين زملائه بالإلتزم واحترام القوانين والأنظمة، وحرصه الشديد على تنفيذ الأوامر بدقة. 
حرصه على عدم كسر الأنظمة كحرصه على عدم إتلاف الأشياء، 
تلك اليقظة والحرص الدائم ينتج عنها تنظيم دقيق جدًا للعمل، ويرفع من درجة الحذر، فيعلي من مستوى متابعته للأحداث؛
لأنه يحمل كل شيء على محمل الجد.
ربما يظن البعض للوهلة الأولى بأن علاء متردد أو بطيء،
لكنه في الحقيقة لا يمكن أن يُتهم بالإهمال أو التقصير.
ولهذا جاء رد ياسين سريعًا " معاليك عارف ان علاء دقيق جدًا، واكتر شخص متحمس مش بس للعملية دي، هو دايمًا مستعد وجاهز في كل وقت ومفيش حاجة ممكن تعديه مهما كانت.
اللواء: طيب يلا يا بطل لازم ترجع بيتك حالًا عشان ترتاح شوية 
وتجيلي فايق؛ عندك شغل كتير أنت ومجموعتك.
ياسين: فعلًا يا افندم أنا محتاج أرتاح شوية. 
علاء يجمع أوراقه ثم ينصرف ومن خلفه ياسين، فيتركا اللواء سليم الذي يتلقى الآن اتصالًا هاتفيًا من مكتب الوزير. 
الوزير يتابع سير الأحداث خطوة بخطوة بتوجيهات من رئاسة الجمهورية نظرًا لأهمية العملية.
أخبره اللواء سليم بأن كل شيء يتم حسب الخطة الموضوعة،
وقريبًا سوف نعرض عليكم النتائج التي توصلنا إليها،
وما حققناه من تقدم في العملية التي قام بها مجموعة من الضباط.
ثم يقول اللواء سليم: طبعًا يا معالي الوزير، 
التقرير هيكون على مكتب سيادة الرئيس بكره الصبح، 
وفيه كل التفاصيل والنتائج اللي تم تحقيقها لحد دلوقتي. 
انتهى الاتصال سريعًا.

ومع بزوغ فجر جديد يستيقظ الأسطى فرج سائق التاكسي كعادته على صوت الأذان فينهض على الفور ليتوضأ، ثم يتوجه لأداء صلاة الفجر في مسجد يبعد قليلًا عن بيته. 
انتهى فرج من الصلاة ثم توجه مباشرة نحو سيارته أسفل العقار الذي يقطنه في الحي الشعبي، ثم انطلق في شوارع المدينة الصاخبة - قاهرة المعز التي لا تنام؛ يتلمس رزقه وقوت يومه بين الطرقات، يحمل الذاهبين إلى أعمالهم والعائدين منها مع نسمات الصباح. 
شوارع القاهرة في هذه الساعة المبكرة من النهار ممتلئة بالسيارات ، والمحال التجارية تعمل بشكل طبيعي كأنه منتصف النهار ، بينما المارة المترجلون منتشرون في الطريق مابين ذاهبًا إلى عمله أو عائدًا منه يشكلون لوحة إنسانية رائعة، ونموذجًا حيًا للسعي وطلب الرزق. 
على جانب الطريق شابًا يجلس فوق مقعد أسمنتي في نهاية الشارع وبيده حقيبة صغيرة. 
اقترب منه الأسطى ثم سأله عن وجهته: 
على فين بدري كده يا أستاذ بهيج؟ 
انت مش خلاص كملت دراستك؟
هز بهيج رأسه متهكمًا ثم قال: كل ده ولسه بدري!
صباح الفل يا عم فرج. 
عم فرج: طيب تعالى أوصلك في طريقي. 
ركب بهيج السيارة فسأله عم فرج على الفور: على فين العزم؟
أجابه بهيج: والله منا عارف يا عم فرج ممكن ترسى على فين،
سيبها على الله يا عم فرج أدينا ماشيين وخلاص.
عم فرج: ليه حد قالك إني السواق الخصوصي بتاعك، استنى كده لما نشوف اللي جاي ورانا ده عايز إيه. 
دقق الرجل النظر في المرآة قائلًا: دا شكله كده الأستاذ سيد.
بهيج: أستاذ في السواقة يعني؟
لا أستاذ في المدرسة، مدرس بالنهار وسواق تاكسي بالليل؛ عشان يقدر يعيش هو ومراته وعياله، الدنيا صعبة يا بني. 
أهي الإشارة خلاص قفلت نستناه عليها.
اقترب الأستاذ سيد وسأله: معاك فكة خمسين يا اسطى فرج؟ 
وماله يا بني موجودة ربنا يفكها علينا، هو مفيش مدرسة النهارده ولا ايه؟
الأستاذ سيد: هروح أسلم التاكسي لصاحبه وأطلع على المدرسة.
بعطف شديد ينظر إليه عم فرج ثم يقول: بس أنت كده مريحتش يابني، ربنا يقويك يا حبيبي اتفضل الخمسين جنيه. 
ثم ينظر لبهيج قائلًا: مهو لازم نفكها على بعضنا يا استاذ بهيج عشان ربنا يفكها علينا. 
مش انت معايا بردو في الكلام ده؟ 
أستدار بهيج نحوه قليلًا لكنه لم يجد وقتًا ليتمكن من إجابته 
فالأسطى فرج لم يمهله بضع ثوانٍ للرد مسترسلًا في الحديث حول عاداته اليومية كل صباح قائلًا: أنا لازم كل يوم الصبح أعدي على عمك فوزي البقال؛ أفك منه اللي فيه النصيب،
مانت عارفه يا بهيج يا بني. 
لو يوم ملقتش فكة مع عمك فوزي تبقى صدمة كبيرة. 
بهيج معلقًا : معاك حق يا عم فرج، هي فعلًا صدمة كبيرة !
عم فرج: مالك يا بني؟ شكلك مش عاجبني. 
أجابه الشاب الحائر: رايح السفارة يمكن يقبلوني وأهاجر أمريكا. 
عم فرج: أمريكة إيه يا بني اللي عايز تروحها، أمك واخواتك هتسيبهم لمين؟
نظر إليه بهيج وقد سكن الحزن عيناه ثم أجاب: وانا لزمتي إيه جنبهم، منا بقالي خمس سنين على يدك قاعد من غير شغل، يادوب بجيب مصاريفي بالعافية، ومش قادر أساعد أمي في تربية اخواتي. يمكن لما أهاجر أقدر أساعدهم، أو حتى أوفر لقمتي لأخواتي الصغيرين وأمي اللي صحتها مبقتش تستحمل. 
ثم ينظر من حوله في دهشة وقال: إيه اللي جابنا هنا؟
فيجيبه عم فرج مبتسمًا: هنروح فين يابني هو ده طريقنا. 
حتى يمر أمام مبنى المخابرات العامة المصرية فيقول: 
شايف المبنى ده يا بهيج؟ كان نفسي أكون واحد من الموجودين فيه عشان أجيب حق الناس اللي راحت بسبب الإرهاب. 
وكأنه يدري بما يجري بالداخل.
الضابط علاء يدق باب اللواء سليم حاملًا بعض الأوراق، ثم يلقي عليه التحية 
فيرد اللواء: صباح الخير يا علاء، يا ترى باقي التقرير جاهز؟
علاء: طبعًا يا افندم كل حاجة بما فيها المستجدات اللي حصلت في الساعات الأخيرة هتلاقيها في التقرير اللي قدام سعادتك. 
اللواء سليم: طيب اقعد يا علاء واقف ليه.
علاء: بس في حاجة غريبة جدًا بتحصل دلوقتي يا افندم! 
اللواء: هي إيه الحاجة دي يا علاء؟ 
كل العالم يا افندم بيتكلم عن الانفجار على إنه خطأ من الإرهابيين، إلاّ عندنا في مصر! 
تعليقات الشباب على مواقع التواصل الإجتماعي كلها فخر وتلميح إن دي عملية استخباراتية قام بها رجال مصر، حتى الناس البسطاء في الشوارع والمقاهي بيرددوا نفس الكلام!
بصراحة أنا مش قادر أفهم الناس دي. 
اللواء سليم مبتسمًا: وطبعًا في ناس تانية أنت عارفهم كويس بيضحكوا عليهم، ويتهموهم بالغباء والسطحية، وبيقولوا إن الجيش مش فاضي للكلام ده، ولا يقدر يعملها أصلًا. 
ومش بعيد يكونوا بيقولوا إحنا أصلًا معندناش جيش، 
نفس كلامهم اللي لسه بيتردد في كل وقت، مع ان الناس خلاص حفظته. 
علاء: بالظبط يا افندم هو ده اللي بيحصل حاليًا. 
وهي دي أكتر حاجة مستغرب منها؛ إزاي الناس دي بتهاجم بلدها لصالح دول تانية، ودايمًا بيحاولوا يقللوا من بلدهم؟
اللواء سليم: الناس دي يا علاء وصلوا لمرحلة صعبة جدًا، لدرجة انهم مش قادرين يفهموا ان الدول اللي بيدافعوا عنها دلوقتي ومنبهرين بسياستها شايفاهم عبيد وخونة لوطنهم. 
علاء: حقيقي يا افندم، المهم الناس اللي دايمًا واقفة في صف بلدها يفرحوا. 
الشعب المصري ده عظيم؛ في عز أزمته تلاقيه واثق في نفسه، دايمًا يبهر العالم؛ لما الكل يسلم إنه انهزم وفجأة يلاقيه بيضحك. 
اللواء سليم: يبقى نسيب كل واحد يفكر بالطريقة اللي تعجبه ونشوف إحنا شغلنا؛ عشان نقدر نحمي بلدنا ونفرح الناس اللي بتحب بلدها. 
ومش بعيد الناس التانية كمان تتغير لما يشوفوا الواقع بيتغير وبلدهم واقفة قدام عنيهم زي الجبل، إذا كانوا لسه شايفينها بلدهم.