الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رئيس جامعة طنطا ومفهوم الهوية!


إن التربية عمل شاق ومعقد؛ وليس هناك مؤسسة واحدة قادرة على القيام به، ولا توجد جهة وحيدة هي المنوط بها تربية النشء؛ فعملية التربية متشابكة الأطراف، ومتعددة الجوانب؛ ويشارك فيها مؤسسات مختلفة من الدولة، وجهات متعددة في المجتمع.

ولا يمكن أن نحصل على شخصية ذات صفات محددة نتيجة للتربية، إلا إذا كان أول عملنا هو تحديد أية شخصية نريدها للمجتمع الذي نعيش فيه، ومن هنا كان هناك أهمية مطلقة لربط التعليم بالتربية؛ وذلك غير متحقق في مجتمعنا إلا في اسم الوزارة التي تعطف التعليم على التربية، والتي لا وجود لدور لها في المجتمع المصري، ذلك الذي دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي بإسناد تلك الحقيبة الهامة لخبير تربوي عالمي هو الدكتور طارق شوقي لوضع إستراتيجية جديدة لها، والرجل يحاول قدر طاقته، وإن كانت الحرب التي تواجهه تعيقه كثيرا، تلك الإعاقة التي يدركها الرئيس السيسي، ويعلم أسبابها، ومن ثم يفسح للرجل المجال، ويمنحه المزيد من الوقت، ويعلن دوما دعمه المطلق له، وللخطة التي وضعها عن دراسة عميقة، اقتنع بها الرئيس، ورأى فيها السبيل الأمثل لخروج مصر من تلك الحال التعليمية التي لا يرضى عنها الشعب المصري وقبلهم الرئيس السيسي.

إن تربية الشخص تمر بمراحل عمرية متعددة، تظل الطفولة من أهم تلك المراحل التي تترك أثرها في الشخصية مدى الحياة، ومن هنا كان اهتمام الدول المتقدمة اهتماما كبيرا بتلك المرحلة التي يتشارك فيها مؤسسات الدولة متمثلة في دور الحضانة، مع الأسرة، إضافة للوزارات والهيئات المنوط بها صناعة الشخصية: من إعلام وثقافة ومؤسسة دينية، فنجد عند تلك الدول تناغما هائلا ما بين تلك المؤسسات جميعا، والطريف في الأمر لدى تلك الدول المتقدمة أنهم يعتبرون الطفل هو "ابن الدولة" قبل أن يكون ابن والديه؛ ومن هنا فإذا وجدت الدولة- من خلال مؤسساتها- تقصيرا من الوالدين "الأسرة الصغيرة" للطفل، فإنها في خطوة أولى تسعى لضبط عملية التربية من خلال إجراءات تقوم بها مع الوالدين، إذا أتت هذه الإجراءات بالنتيجة المطلوبة التي ترتضيها الدولة لتربية أبنائها، ظل الطفل بين والديه، وإلا تم أخذه منهم وإيداعه في مؤسسة تربية تخضع للحكومة وتشرف عليها الدولة.
أما مرحلة الصبا فإن لها متطلبات في التربية تختلف عن تلك التي احتاجتها مرحلة الطفولة، تلك المتطلبات تظل محل اهتمام الأسرة والمدرسة والمؤسسات المعنية بأمر التربية، ويظل السعي دائما مستمر والعمل دؤوب للحصول على المنتج- الشخص- المطلوب والتي حددت شكله وهويته البرامج التي تضعها الدولة في المدارس مرة والإعلام مرة أخرى والثقافة التي ترتضيها الدولة لأبنائها مرة ثالثة، فنجد العمل من كل تلك المؤسسات على تكوين شخصية الواعية الناقدة التي تستطيع تحمّل المسؤولية من ناحية، ولديها القدرة على اتخاذ القرارات من ناحية ثانية، لينتقل بعدها ذلك الصبي إلى مرحلة الشباب وهو متمع بشخصية بها من الوعي والقدرة، ما يجعلها قادرة على تحديد طريق الحياة التي تريدها، ومن هنا لا تنتابنا الدهشة ولا ياخذنا العجب حينما نجد الشخصية في الدول المتقدمة قادرة على الاعتماد على نفسها، وإنما يأخذ منا الإعجاب في قرار الشاب الذي بلغ الثامنة عشر، وإذا به معتمد على نفسه، وإذا به في مسكن خاص، وإذا به وقد سعى للحصول على عمل، إن لم يكن قد قرر ألا يتخذ التعليم الجامعي سبيلا.
تابعت تصريحات الدكتور مجدى سبع، رئيس جامعة طنطا، والتي تضمنت قرار منع دخول الطلاب للحرم الجامعى بشعر طويل أو بناطيل مقطعة أو سلاسل، والذي أشار إلى أن هناك كمًّا من الانفلات الأخلاقي الذي حدث خلال الفترة الأخيرة تعدى الحدود تمامًا.

هنا أدركت أننا نعيش في مجتمع لم يحدد طبيعة المنتج الذي يريده، إضافة لأن تصريحات الدكتور مجدي عكست خللا خطيرا في معنى مفهوم الهوية لدى رجل يوضع على هرم المجتمع المصري، فالرجل - في تصوري - لم يدرك أن الشكل هو في ناحية من نواحيه نتيجة للتربية التي تمت خلال المراحل السابقة، وأنه بهذا المنع لن يحقق شيئا؛ بل -حاشا لله- سيكون سببا في زيادة هذا النوع من الملبس وهذا الشكل الذي يعلن رفضه له، حيث أن المنع سيدفع هؤلاء الذين يرغبون في عكس شخصيتهم بهذا الشكل للتمسك به؛ ألم يقل شيخنا طه حسين: الممنوع مرغوب!.

خلال مناقشتي لهذا الأمر الذي أصدره رئيس جامعة طنطا مع شريحة - أراها شريحة عالية من المثقفين المصريين - وجدت الغالبية منهم موافقة لقرار الرجل، ولعله من المناسب أن أعلن بعضا من التفهم لموقفهم؛ وإن كان من جانب آخر فإن هذا الموقف من هذه الشريحة أثبت لي أننا مازلنا بعيدون بعدا شاسعا عن مفهوم التربية الحديثة؛ فلقد نظر الغالبية الساحقة ممن تناقشت معهم هذا الموقف ارتدادا إلى الماضي، الذي يرون فيه أن الأخلاق كانت متوفرة، والتربية كانت متحققة، وهو أمر - لعمري - مدهش، فنحن لا نريد تلك الشخصية القديمة بمفاهيمها للأخلاق و"الأدب" الذي جعل من مجتمعنا مجتمعا أبويا ذكوريا.

إن أكثر ما لفت انتباهي في الحوار الذي دار بين الأصدقاء هو ذلك الاهتمام المغالى فيه بالشكل، ذلك الذي نجحنا فيه مع الأنثى في مصر، حيث اصبح الحجاب، وأنا لا أعارضه هنا حتى لا يتصيد المتصيدون، منتشرا، بل أكثر من ذلك أصبح النقاب مألوفا في مصر لدرجة كبيرة، ذلك الذي لم يمنع الآفات، حيث أن نسبة التحرش في مصر هي من بين أعلى النسب في هذه الظاهرة، وذلك في رأيي لأننا لم نهتم بالمضمون قدر اهتمامنا بصبغة المجتمع النسوي في مصر، في ذات الوقت الذي لم نرب الذكور تربية أخلاقية تمنعهم من هذا الفعل المذموم.
سيدي رئيس جامعة طنطا؛ الهوية المصرية التي تغار عليها؛ لن تعود بمنع هؤلاء الشباب من ارتداء البناطيل الممزقة، ولن تتكوّن بمحاربة الشعر الطويل ولا القصات الغريبة العجيبة لهذه الفئة من الشباب، بل ستتكوّن ومن ثم تعود إذا حددنا أولا شكل المنتج الذي نريد، وشكل الشخصية التي ستعكس هذه الهوية متمثلة في ثقافتها قبل ملبسها، وفي سلوكها قبل شكلها، وإن أردنا حقا ذلك فعلينا البدء اليوم، بل من الأمس، لوضع التصورات والرؤى والمناهج، والعمل من اللحظة على تنفيذ تلك التصورات والرؤى.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط