الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

على حافة الإفلاس.. كيف ورط أردوغان الاقتصاد التركي وأوصل الليرة إلى الاحتضار؟

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

لم يُعرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأي خبرة في الاقتصاد، ومع ذلك يعكف مع حكومته منذ أكثر من عام على اختبار تجارب اقتصادية مشكوك في فعاليتها.

وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن الاختبار الحقيقي يكمن في الإجابة على السؤال: إلى متى ستستطيع تركيا الهرب من حقيقة أنها تنفق أكثر من مواردها؟ تلك الحقيقة التي يكشفها عجز الموازنة المتنامي.


وشرحت المجلة أن تركيا لم تتوسع في الديون السيادية بإصدار السندات الدولية، وعوضًا عن ذلك لجأت إلى التوسع في الاقتراض من البنوك التركية، بما في ذلك البنوك المملوكة للدولة، وهنا تحديدًا تضخمت مشكلة اقتصادية كبرى.

منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، أبقى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة منخفضة، على أمل تحفيز الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة، وكان لهذا أثر جانبي جعل اقتراض الدولارات رخيصًا للأمريكيين وسواهم، وعندئذ أقبلت البنوك التركية بشراهة على القروض الدولارية الرخيصة.

وهكذا أصبح بحوزة البنوك التركية الكثير من الدولارات، توسعت في إقراضها للشركات التركية العاملة في قطاعات السياحة والطاقة والبنية التحتية والعقارات، والتي فضلت بدورها الاقتراض بالدولار بدلًا من الليرة التركية للاستفادة من أسعار الفائدة الرخيصة على القروض الدولارية.

ولم تُمنح كل الدولارات التي اقترضتها البنوك التركية من الخارج إلى الشركات التركية، لأن معظم الأتراك يقترضون لشراء منازل أو سيارات بالليرة وليس بالدولار، ولذلك احتاجت البنوك التركية إلى الليرة لإقراض الأفراد، وباعت البنوك الدولارات التي تراكمت لديها مقابل الليرة في الأسواق المالية، ودفعت رسومًا مرتبطة بسعر الفائدة على الليرة الذي حدده البنك المركزي التركي.

ومع انتشار فيروس كورونا وما صاحبه من إجراءات إغلاق وحظر، تأثرت بشدة الأسواق الناشئة مثل تركيا، وخسرت الليرة التركية عشرة بالمائة من قيمتها في مارس وأبريل وحدهما، وارتفعت أسعار السلع المستوردة، مسببة انخفاضًا في مستوى معيشة المواطنين الأتراك.

وفي محاولة متأخرة لتدارك الموقف ووقف تدهور قيمة الليرة، قررت الحكومة التركية التوسع في بيع الدولارات في الأسواق المالية مقابل الليرة، ونجحت هذه الحيلة إلى حد ما، وكان سعر الليرة ثابتًا عند حوالي 6.85 مقابل الدولار طوال شهري يونيو ويوليو تقريبًا. 

لكن الدفاع عن قيمة العملة المحلية ببيع الدولارات يقتضي أولًا امتلاك مبلغ ضخم من الدولارات، وهنا بالتحديد كانت المشكلة بالنسبة للحكومة التركية، فقد دخلت الأخيرة العام الحالي باحتياطيات دولارية أقل بكثير مما ينبغي، وسرعان ما واجهت طلبًا لمزيد من الإنفاق، وعندئذ حان مرة أخرى دور البنوك التي اقترضت مليارات الدولارات من الخارج خلال السنوات الماضية، وتعيد الآن إقراضها للحكومة.

وخلصت المجلة إلى أن خيارات الحل أمام أردوغان محدودة ومحفوفة بالمخاطر، فإن ترك قيمة الليرة تنخفض ستتعثر الشركات التركية في سداد قروضها الدولارية للبنوك، وقد يؤدي الانخفاض الحاد في الليرة إلى إفلاس البنوك التركية بدورها.

أما خيار رفع أسعار الفائدة فقد ينجح في تحقيق بعض الاستقرار في قيمة الليرة، لكنه سيدفع بالاقتصاد إلى ركود أعمق بسبب إحجام المستثمرين والمستهلكين على السواء عن الاقتراض تفاديًا لتحمل فوائد باهظة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من ركود مؤلم أصلًا بسبب فيروس كورونا.

وختمت الصحيفة بالقول إن تجربة أردوغان الاقتصادية ولّدت شعورًا زائفًا بالاستقرار، لكن إخفاء المشاكل الاقتصادية للبلاد في أعماق النظام المصرفي لم يكن أكثر من غطاء مؤقت لأزمة كبيرة ستنفجر عاجلًا أم آجلًا.