قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

رئيس دينية الشيوخ: الكلام اللِّينَ قد يكون سببا في رجوع المعاند عن طغيانه

مؤتمر حوار الأديان
مؤتمر حوار الأديان

ألقى الدكتور يوسف عامر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، كلمة في الجلسة العامة الثانية، تحت عنوان "البرلمان والحوار" ضمن فعاليات مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والتي يترأسها النائب محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب.

وقال عامر في كلمته، إن الحوارَ ضرورةٌ مجتمعيةٌ، وحاجةٌ إنسانيةٌ يفرضُه الواقعُ وتهتفُ به شُئونُ الحياةِ المختلفة، كما لا شك أنه وسيلةٌ من وسائل صناعةِ الحضارات، فما وصل إليه عالَمُ اليومِ في مختلف العلومِ والمعارفِ وكذلك التقدم العلمي والتقني لم يكن نتاجَ أمةٍ واحدةٍ أو ثقافةٍ واحدةٍ أو لسانٍ واحدٍ أو عرقٍ واحدٍ، وإنما هو نتاجُ تفاعلٍ وحوارٍ مشترك بين مختلفِ الثقافاتِ والمشاربِ والمكوناتِ الفكريةِ والعلمية، وما نحياهُ اليوم من واقعنا إنما هو نِتاجُ العلمِ والمعرفيةِ التراكميةِ الذي هو ثمرةُ حوارٍ مشتركٍ خلّفهُ آباؤنا وأجدادنا في مختلف العصور وفي مختلف البلدان.


وتابع : لكي يبني الإنسانُ المعاصرُ على حضارته التي ورثَها في مختلف نواحي الحياة عليه أن ينطلقَ من مخزونه الحضاري المُستمدُّ من إيمانه بالله تعالى وحده وبالغيب وبأنبياء الله ورسله عليهم السلام، هذا المخزون الذي صَنَع عبر القرون حضارةً شامخةً منحت أنوارُها جوانبَ الإنسانيةِ كُلَّها عبادةً لله صانع هذا الكون - وفق مراده تعالى - وتزكيةً للنفس وعمارةً للكون. وإيمانًا منّا بأنه لا يُصلِحُ آخرُ هذه الأمة إلا بما صَلَحَ به أوّلها، فإن وسائلَ بناءِ الحضارة والتي منها "الحوارُ الفاعل" مدخلٌ رئيس لاستعادة الوعي الرشيد للأمة؛ لتكون في مقدمةِ الركبِ والذي لن يكون إلا بترسيخ نموذجها المعرفي وتنميته.


وأضاف أنه إذا كانت عبادةُ الخالقِ سبحانه وفق مراده أحدَ ركائزِ صناعةِ الحضارة فإن فهمَ كلامِه سبحانه وتعالى وتوجيهاتِه القرآنية واجبٌ شرعي، يستدعي التوقفَ مليًّا أمام التوجيه الرباني وهو يرشدنا إلى القول اللّين في خطاب المخالفِ بل والمنكرِ بل والمتجاوز للحد، يحكي القرآنُ لنا موقفًا أثيرًا لا يمكن تجاوزه في هذا المقام نتعلم منه أساسا مهما في موضوع هذا المؤتمر، لنستمع إليه سبحانه وهو يحكي في كتابه الكريم عن سيدنا موسى وأخيه هارون في حوارهما مع فرعون الذي ادعى الألوهية (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا) (سورة طه) فهذا فرعون الذي طغى وتجبر وعاند وادعى الألوهية يوجِّه الرحيم اللطيف نبيَّه أن يكون لَيِّنا معه، مُعلِّلًا ذلك بأن اللِّينَ رُبما كان سببا في رجوع المعاند عن غيه وطغيانه (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (سورة طه).

وأكد عامر، أن الكلامُ اللينُ والنقاشُ الهادئُ الرشيدُ من أسس الحوارِ المنضبطِ الهادفِ إلى الفلاح، الحوارُ الذي يتغيّا فيه الإنسانُ مصلحةَ محاورِهِ بل ويشفُقُ عليه، ومثلُ ذلك من التوجيهات في آيِ الكتاب العزيز ما يرصدُ كثيرا من القيم النبيلة التي يصحُّ أن تكون دستورا للحوار المنشود بين الأفراد والمجتمعات، وذلك كقوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (سبأ: 24)، وقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125)، وكقوله: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت: 146) وكل هذا مما يؤسسُ للحوار المتكافئِ الذي لا يستطيلُ فيه طرفٌ على غيره، ولا يحتكرُ فيه الصوابُ وإن آمنَ به، الحوارُ البعيدُ عن العصبية البغيضة والعنصريةِ المقيتة، الحوارُ الذي ينطلقُ على أساسٍ من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 12). وإنّ تفعيلَ هذه القيمِ المستنبطةِ من هذه الآيات الكريمة لهي تطبيقٌ حقيقي لامتثالنا لأوامر ديننا الحنيف.


وقال إنّ من يطالعْ المنجزَ المحمدي النبوي الذي تركه لنا رسول الله يجدُ نماذجَ مشرقةً للحوار الراقي والمثمرِ في كل أحاديثِه وحواراتِه مع مختلف طوائف المجتمع بل ومع مخالفيه في المعتقد، وإنّ دواوينَ السنةِ المطهرة لتزخرُ بالقيم التي تتصل بموضوعنا، وما علينا إلا أن نستبطنَ هذه المواقفَ بفهم رشيد في ضوء متغيرات الواقع، وبما لا يُخرجُها عن سياقاتِها ومَساقاتِها.

وأوضح أن وثيقةُ المدينةٌ المنورةُ ودستورُها العظيم الذي سطره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في هذا العهد البعيد، تعد أعظمُ مُنجزٍ حضاري إنساني أَسس فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لحقوق الإنسان، كحقه في المعتقد وممارسةِ الشعائرِ والمساواةِ في الحقوق والواجبات. كما أكد فيه على أسسٍ مهمةٍ لقيم التسامح والتعايش، كما وضع الكلياتِ العامةِ لنظام المجتمع، الأمر الذي مهّد لتأسيس مجتمع رشيد يدرك أن بناءَ الحضارة لا يقومُ على لون أو عرق أو دين واحد، وإنما يقوم على حراكٍ إيجابي وحوارٍ هادئ، وهو ما تجلى في حقوق المواطنةِ الذي تبناه هذا الدستورُ العظيم، ولقد كان من وراء إعداده حوارٌ ونقاشٌ أنتجَ هذا العملَ الذي يُعدُّ أحدُ مفاخرِ الحضارة الإسلامية.

وأخيرا: فإن الحوار الذ نتبناه وننشده هو القائم على احترام الطرف الآخر وتقديره، الحوار البنَّاء الذي يقوم على تبادل وجهاتِ النظر لا تبادلِ النصوصِ والشواهدِ والمواقف، الحوارُ الذي يستثمرُ المشتركَ من المفاهيم والقيم ويبني عليها، الحوارُ الذي يُرسِّخُ للتنوع المتناغمِ الذي لابد منه في صناعة الحضارات، فصناعةُ الحضارات لم تكن يوما نتاجَ لونٍ واحدٍ من الفهم أو الإبداع، الحوارُ الذي يُشيعُ قيمَ التعاون والتسامح.


وأوصي عامر، جميعَ الجهاتِ المعنية بشؤون الدعوة من الخطباء والوعاظ والباحثين والمُعلمين المهتمين أن يستمروا في تقديم الصورة الصحيحة للدين الحنيف، وأن عليهم واجبَ استفراغِ الجهدِ والطاقةِ في الكشف عن الوجه المضيء لحضارتِنا العظيمةِ من خلال الوقوفِ أمام النصوصِ واستخراجِ مكنونِها وتنزيلِه على الواقع، فليس الشأنُ صدَّ الناسِ عن أمور الحياة، وإنما الشأنُ وجودُ المخارجِ الشرعيةِ الصحيحةِ التي تُعينُهم على السير في الحياة سيرًا صحيحا يؤدي إلى عمارة الأكوان الذي هو أحدُ مقاصدِ التكليف.

وقال إننا في اللجنةِ الدينية بمجلس الشيوخ نسابقُ الزمنَ مُحاولةً في إعذارِ أنفسنا أمامَ اللهِ تعالى بما أقامَنا فيه، فلن ندَّخِر جَهدًا في العمل على تلبيةِ مُقترحاتِ التطويرِ والتحديثِ ما استطعنا، مع تقديم الدراسات والرؤى والأفكار التي تساعد على استمرار مؤسساتنا الوطنية في تحقيق المُنجزاتٍ النوعيةٍ التي نحياها في شتى مناحي حياتنا المعاصرة وسعيا في تحقيق واجبِنا تجاه رؤية الدولة المصرية 2030، وملاحقةً لمتغيرات الواقعِ المتسارعِ الذي لم يَعُدْ فيه مكانٌ للمؤسسات النمطية والكيانات المتكاسلة.