الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمود جلال يكتب: ريادة الدول في مؤشر الابتكار العالمي (7)

صدى البلد

التقسيم الجغرافي في مؤشر الابتكار العالمي يشمل منطقة شمال أفريقيا وغرب آسيا والتي تضم 19 دولة، منها 13 دولة عربية، ولم تتغير الدول الرائدة للابتكار في المنطقة في السنوات الأخيرة الماضية وتتصدرها إسرائيل تليها قبرص ثم الإمارات،  هذه الدول الثلاث هي الوحيدة في المنطقة التي تقع ضمن المراتب الخمسين الأولى في مؤشر الابتكار العالمي، وتعتبر إسرائيل الدولة الأعلى تطورا والأكثر أداءً ابتكاريًا في المنطقة، ولاستعراض هذا الجانب نستكمل لكم سلسلة المقالات، حيث عرضنا في الأجزاء السابقة تعريف الابتكار ومؤشر الابتكار العالمي، وكيف يعمل على قياس وتقييم أداء الدول، وعرض لمدخلات ومخرجات الابتكار، وتباين أداء الدول في المؤشر، ومقومات ريادة الدول المتربعة على عرش الابتكار في العالم، وسعي الدول متوسطة الدخل للانضمام لرائدي الابتكار العالمي.

الجزء السابع: ريادة إسرائيل للابتكار في منطقة شمال أفريقيا وغرب آسيا 

سمعة إسرائيل كرائدٍ عالميٍّ في الابتكار وريادة الأعمال وذات نظام بيئي مبتكر، يضعها باستمرار في صدارة التصنيفات والتقارير الدولية، حيث تحتل المرتبة الأولى على مستوى منطقة شمال أفريقيا وغرب آسيا، والمرتبة 13 عالميًا، بينما بلغ أفضل تصنيف لها المرتبة العاشرة عالميًا في عام 2019، بعدما كان تصنيفها 23 في عام 2010، وتقع إسرائيل في فئة الدول ذات الدخل المرتفع، ويصل الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد إلي 34,154 دولار بما يقرب من ثلاثة أضعاف الناتج للفرد الواحد في مصر.

وتحتل المرتبة الثالثة بعد هونج كونج والولايات المتحدة في الحصول على أفضل النتائج في مؤشرات الابتكار على مستوى العالم من خلال حصولها على المرتبة الأولى عالميًا في عدد الباحثين بالنسبة لعدد السكان، والإنفاق الاجمالي والتمويل الخارجي وإنفاق الشركات على البحوث والتطوير بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، والتعاون البحثي بين الجامعة والصناعة، والمواهب البحثية في مجال الأعمال، وصادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالنسبة لإجمالي التجارة، وإنشاء تطبيقات الهواتف المحمولة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي.

بوجه عام يعتبر أداء إسرائيل في مخرجات الابتكار (المرتبة 13) أفضل من أدائها في مدخلات الابتكار (المرتبة 17)، حيث تنتج المزيد من المخرجات الابتكارية مقارنة بمستوى استثماراتها في الابتكار، وتقدم أفضل أداء لها في ركيزة تطور الأعمال (المرتبة 3)، وأضعف أداء في ركيزة البنية التحتية (المرتبة 40)، وإذا نظرنا لنقاط القوة والضعف عبر الركائز المختلفة للابتكار لديها نجد أنها كالتالي:

* نقاط القوة:

-  رأس المال البشري والبحوث (المرتبة 15): تحتل المرتبة الثالثة في ركيزة البحوث والتطوير، متضمنةً المرتبة الأولى في مؤشر عدد الباحثين بالنسبة لعدد السكان (8,341.7 باحث لكل مليون نسمة بإجمالي عدد 70,905 باحث)، مما يجعلها تتفوق على مصر في عدد الباحثين الذي يبلغ 686.7 لكل مليون نسمة بما يمثل 68,945 باحث، مع أن عدد السكان في مصر يصل إلى ما يقرب من 12 ضعف عدد السكان في إسرائيل، وأيضا تحتل المرتبة الأولى في مؤشر الإنفاق على البحوث والتطوير بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي (بنسبة 4.9% وبقيمة 17.3 مليار دولار، 35.8% منها ممولة من الشركات)، في المقابل نجد أن النسبة في مصر تصل إلي 0.7%، كما تحتل المرتبة 17 في مؤشر الإنفاق على التعليم بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي (5.8% بقيمة 20.5 مليار دولار).

- تطور السوق (المرتبة 14): تحتل المرتبة 12 في ركيزة الاستثمار، متضمنةً المرتبة 18 في مؤشر سهولة حماية المستثمرين الأقلية، والمرتبة الخامسة في مؤشر صفقات رأس المال الاستثماري بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي (0.5%).

- تطور الأعمال (المرتبة الثالثة): تحتل المرتبة 12 في ركيزة العاملين في مجال المعرفة، متضمنةً المرتبة الأولى في مؤشر قيمة إنفاق الشركات على البحوث والتطوير بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي (4.4%)، وتحتل المرتبة الثامنة في مؤشر نسبة توظيف العمالة كثيفة المعرفة (48.4%)، كما تحتل المرتبة الأولى في ركيزة روابط الابتكار، متضمنةً المرتبة الأولى في مؤشر البحوث والتطوير الممولة من الخارج بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي (2.5%)، والمرتبة الأولى في مؤشر التعاون البحثي بين الجامعة والصناعة، والمرتبة الخامسة في صفقات التحالفات الاستراتيجية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي (0.5%)، والمرتبة الثامنة في مؤشر طلبات براءات الاختراع المقدمة في مكتبين على الأقل بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وأيضا تحتل المرتبة 18 في ركيزة استيعاب المعرفة، متضمنةً المرتبة الأولى في مؤشر نسبة المواهب البحثية في مجال الأعمال (83.7%).

- مخرجات المعرفة والتكنولوجيا (المرتبة الرابعة): تحتل المرتبة 12 في ركيزة خلق المعرفة، متضمنةً المرتبة السادسة في مؤشر عدد طلبات براءات الاختراع الدولية للمقيمين بالدولة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، والمرتبة 22 في عدد طلبات براءات الاختراع (7,738 طلب)، والمرتبة 19 في منح براءات الاختراع (4,197 براءة)، والمرتبة 35 في إجمالي عدد براءات الاختراع السارية (34,892 براءة)، والمرتبة 16 في مؤشر النشر العلمي والفني بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، والمرتبة 16 في مؤشر عدد الاقتباسات من المقالات العلمية والتقنية المنشورة في المجلات الدولية، كما تحتل المرتبة الثانية في ركيزة نشر المعرفة، متضمنةً المرتبة الأولى في مؤشر صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (13.2%)، والمرتبة 14 في مؤشري عائدات الملكية الفكرية (1.8%)، والصادرات عالية التقنية (11.9%) بالنسبة لإجمالي التجارة.

- المخرجات الإبداعية: تحتل المرتبة 12 في مؤشر مدى تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تطوير العمل المؤسسي، والمرتبة الرابعة في مؤشر صادرات الخدمات الثقافية والإبداعية بالنسبة لإجمالي التجارة (2.6%)، كما تحتل المرتبة 12 في ركيزة الإبداع عبر الإنترنت، متضمنة المرتبة الأولى في إنشاء تطبيقات الهواتف المحمولة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، والمرتبة الثالثة في مؤشر متوسط التعديلات السنوية على ويكيبيديا بالنسبة لعدد السكان (وننوه إلى أن هذه النقطة تحتاج دراسة متعمقة من المتخصصين لأنها تدل علي اهتمام إسرائيل بإعادة صياغة المعتقدات والأفكار في العالم بما يتناسب ورؤيتها).

* نقاط الضعف:

- المؤسسات: تحتل المرتبة 113 في مؤشر تكلفة إنهاء خدمة العمالة.

- رأس المال البشري والبحوث: تحتل المرتبة 57 في مؤشر الإنفاق الحكومي على التعليم لكل طالب بالمرحلة الثانوية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

- البنية التحتية: تحتل المرتبة 81 في مؤشر الإنفاق على البنية التحتية والمنشآت بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي (21.7%).

- تطور الأعمال: تحتل المرتبة 76 في مؤشر الشركات التي تقدم تدريبًا رسميًا (18.6%). 

- مخرجات المعرفة والتكنولوجيا: تحتل المرتبة 53 في مؤشر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لكل عامل (1.6%). 

- المخرجات الإبداعية: تحتل المرتبة 105 في مؤشر عدد طلبات تسجيل العلامات التجارية للمقيمين بالدولة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. 

وتعتبر إسرائيل من بين أولى التجارب الناجحة والأكثر شهرة في صناديق رأس المال الاستثماري التي تديرها الحكومة، حيث أطلقت الحكومة الإسرائيلية في عام 1993 مجموعة يوزما 20، التي استثمرت في الشركات الناشئة الإسرائيلية، وأنشأت العديد من الصناديق العامة والخاصة، وتضمنت هذه المبادرة ضمانات حقوق الملكية للمستثمرين الأجانب، وبرامج تربط الشركات الإسرائيلية بالممولين الأجانب، وإدراج الشركات الإسرائيلية في البورصات الأجنبية، وفصل السياسات الخاصة بريادة الأعمال بعيدًا عن التغيرات السياسية لتقليل المخاطر وتحسين نتائج هذه البرامج، وبحلول عام 2000، تجاوزت استثمارات القطاع الخاص في صناعة رأس المال الاستثماري استثمارات القطاع العام، مما جعلها تحتل المرتبة الثانية عالميًا خلال السنوات الماضية بعد سنغافورة، من حيث توافر رأس المال الاستثماري بما يقرب من 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي شجع على انشاء عدد هائل من الشركات بمعدل شركة ناشئة واحدة لكل 1400 شخص وجعلها تحتل المرتبة الثانية بعد وادي السيليكون بكاليفورنيا في مستوى الابتكار.

ولكن توجيه هذا التمويل إلى التأسيس والمراحل المبكرة للشركات الناشئة، وليس لدعم نمو ونضج الشركات القائمة ذات البصمة المحلية القوية، أدى لندرة تمويل الشركات في مرحلة النمو وفشل العديد من الشركات الناشئة الواعدة في الازدهار، وحتى في حالة التمويل من صناديق رأس المال الخاص المتوافر بكثرة في إسرائيل، يسعى المستثمرون إلى تحقيق عائد سريع على استثماراتهم مما يقيد استقلالية واحتمالية نمو هذه الشركات الناشئة لتصبح من اللاعبين الأقوياء في السوق، فنجد أن نزعة المستثمرين للضغط من أجل الاستحواذ يساهم في جعل رائد الأعمال اللامع أقل تحفيزًا لبناء شركة بمليارات الدولارات في إسرائيل ويدفعه للبحث السريع على عمليات الاستحواذ، مما يجعل رواد الأعمال يختارون البيع للشركات العالمية بدلاً من توسيع نطاق شركاتهم.

حيث تسعى الشركات العالمية من عمليات الاستحواذ على الشركات الناشئة الإسرائيلية إلى الاستفادة من وفرة الابتكار التكنولوجي من منتجات وخدمات يولدها كل من رواد الأعمال الإسرائيليون، والأوساط الأكاديمية باعتبارها واحدة من أولى الدول في العالم التي قامت بإنشاء مؤسسات جامعية لنقل التكنولوجيا منذ أكثر من 60 عامًا، وظهرت ثمارها مع اثنين من أكبر عمليات الاستحواذ، لشركة إنتل على شركة موبايل أي، وشركة ميد ترونيك على شركة مازور، واللتان نشأتا في التقنيات الجامعية، بالإضافة إلى عمليات الاستحواذ على الشركات الناشئة الإسرائيلية الأخرى مثل شركة واز من خلال شركة جوجل، وعدد لا يحصى من الشركات الأخرى عالية التكنولوجيا، مما أضاف قيمة هائلة لاقتصاد إسرائيل ومكانتها العالمية بقيمة وصلت لأكثر من 70 مليار دولار أمريكي على مدى العقد الماضي، وهو ما يعادل حوالي 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للدولة.

وهذه الأموال التي تتدفق تعمل كمحرك نمو لإطلاق شركات جديدة في مراحلها الأولى، ولجذب الشركات العالمية لفتح أو توسيع مراكز للبحوث والتطوير خاصة بها في إسرائيل، حيث أقامت أكثر من 500 شركة عالمية مثل فيسبوك، وجوجل، وأمازون مراكز للبحوث والتطوير للاستفادة بالمواهب المحلية من العاملين في مجال التكنولوجيا الفائقة، والذين يمثلون فقط 9.2٪ من القوة العاملة الإسرائيلية، فعندما يتخرج طالب إسرائيلي بدرجة علمية في الهندسة أو علوم الكمبيوتر، يكون أمامه خياران، إما الانضمام إلى شركة إسرائيلية في مرحلة النمو، أو شركة عالمية براتب أعلى بكثير. 

فنجد أن مراكز البحوث والتطوير التابعة لهذه الشركات العالمية تركز على توليد تقنيات جديدة من خلال سيطرتها على المواهب الإسرائيلية والتكنولوجيات المحلية مقابل تقديم فوائد هامشية للابتكار الإسرائيلي ونمو الصناعة ومدفوعات الضرائب المستمدة من العمليات المحلية لهذه الشركات، وهي ليست سوى جزء بسيط من الفوائد التي كانت ستجنيها الشركات الإسرائيلية القوية إذا ظهرت.

ومن أهم مبادرات ريادة الأعمال التي تمولها الحكومة برنامج حاضنات سلطة الابتكار الإسرائيلي – 18 ويدير هذه الحاضنات مستثمرون من القطاع الخاص، والذي يمنح ملايين الدولارات للشركات الناشئة الواعدة، مما يسمح لها بالحصول على تمويل في مرحلة مبكرة، ويعزز إنشاء الشركات الناشئة وتحفيز الابتكار وجهود البحوث والتطوير، وعززت المبادرة عددًا قليلاً من العمليات المتواضعة للاستحواذ على الشركات الناشئة، والقليل من الشركات الأخرى تمكنت من التوسع بنجاح وتأمين تمويل إضافي بعد الفترة القصيرة المسموح بها داخل الحاضنة، أما الغالبية العظمي من هذه الشركات يموت في الحاضنة ويتم إغلاقها على الرغم من إظهارها وعدًا تكنولوجيًا كبيرًا.

بالرغم من غنى إسرائيل بالإبتكار ورأس المال الاستثماري وثقافة ريادة الأعمال، إلا إنها تفتقر إلى النضج الصناعي، للاستفادة من نظامها البيئي للابتكار في اقتصاد متدرج ومستدام، حيث برعت في إطلاق شركات ناشئة، ولكن القليل منها الذي صعد إلى قمة مجالاتهم كشركات عالمية كبيرة ورائدة في الصناعة، مثل شركة تيفا للادوية التي وصلت إيرادتها في عام 2019 إلي 16.9 مليار دولار، وشركة تشيك بوينت للأمن المعلوماتي التي وصلت إيرادتها في عام 2019 إلي 2 مليار دولار.

فنجد أن كيان القطاع الخاص بها مكون بالكامل من شركات صغيرة متقدمة تقنيًا تسعى وراء أن يتم الاستحواذ عليها، مما يلحق الضرر بالاقتصاد الإسرائيلي على المدى الطويل، لأنه يصدر أكثر المعارف والتكنولوجيات قيمة في البلاد، ويعيق تطور الشركات المحلية الكبيرة، ويقلل من مدفوعات الضرائب طويلة الأجل، ويقلل من عدد الوظائف المتاحة للإسرائيليين محليًا، كما لم يعد الشباب الإسرائيلي يسعى للحصول على وظائف كأطباء أو محامين أو أكاديميين، ولكن يريدون أن يصبحوا رواد أعمال.

الدول الرائدة تنجح في تنمية نظام ريادة الأعمال بينما تسمح في نفس الوقت بظهور الأعمال التجارية الموسعة، على عكس النظام البيئي الصناعي غير المتوازن في إسرائيل، ومؤخرا ازداد وعي القطاعين العام والخاص بهذا المأزق، وبدآ في اتخاذ خطوات نحو تحسين ظروف نمو الأعمال التجارية لتوفير الأمن المالي والدعم لتمكين رواد الأعمال الناشئين من تحمل المخاطر الكبيرة والالتزام بها، مما شهد انخفاضًا في عمليات التخارج وزيادة في الاستثمارات، الأمر الذي قد يجعل رواد الأعمال الإسرائيليين أقل حماسًا لبيع شركاتهم وأكثر حماسًا للنمو، وأولى هذه الخطوات تم بإنشاء صندوق إيه مون في عام 2016 وهو صندوق النمو المحلي الوحيد في مجال التكنولوجيا الصحية، وهو مجال تعتبر فيه إسرائيل رائدة على مستوى العالم، ويبلغ قيمته 750 مليون دولار، بقيمة تمويل تتراوح بين 10 – 30 مليون دولار للشركة الواحدة، ويقوم حاليا بتمويل نمو 30 شركة والمساعدة في الإدارة والتوسع التجاري وتوفير الكوادر العلمية والمالية، والقدرة على الوصول للسوق وتلبية الحاجات الطبية غير الملباة. 

وللحديث بقية،