الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الذكرى الـ90 لإعدام أسد الصحراء .. عمر المختار شوكة ليبية في حلق الاستعمار الإيطالي

صدى البلد

«نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم».. بتلك الكلمات ختم شيخ المجاهدين الليبي عمر المختار حياته، بعد 20 عاما من النضال ضد الإحتلال الإيطالي لبلاده.

تحل اليوم الذكرى الـ90 على إعدام البطل الليبي، الذي حارب الاستعمار الإيطالي بعد أن أتمّ 53 ربيعاً، واستمر في جهاده حتى بلغ عمره 73 عاماً، إلى أن أسره الإيطاليون، وأُجريت له محاكمة صوريّة انتهت بإصدار حكم بإعدامه شنقاً في صباح 16 سبتمبر1931.

شيخ المجاهدين

نشأة «شيخ المجاهدين»

يُرجع مؤرخون ميلاد عمر المختار، إلى الفترة بين عامي 1858 و1862، في منطقة برقة بالجبل الأخضر شمال شرق ليبيا، وكفله أبوه وعني بتربيته تربيةً إسلاميَّة حميدة مستمدة من تعاليم الحركة السنوسيّة القائمة على القرآن والسنَّة النبويَّة.

واشتهر المختار بالجدية والحزم والاستقامة والصبر، ولفتت أخلاقه أنظار أساتذته وزملائه وهو لم يزل يافعاً، ومع مرور الزمن وبعد أن بلغ عمر المختار أشدَّه، أصبح على إلمام واسع بالأحداث القبليّة وتاريخ وقائعها، وكتبت الأعوام الثمانية التي قضاها المختار في معهد الجغبوب، ببطء مصيره، لتحوّل طريقه من الدعوة وفض النزاعات ودرء الخلافات، إلى حمل البنادق ووضع تكتيكات لصد المحتلين الإيطاليين.

بداية النضال ضد الاستعمار

توطدت علاقة عمر المختار بالحركة السنوسية، فكانت بداية التحوّل تلوح حين قرر أحد زعماء السنوسية وهو «محمد المهدي السنوسي»، اصطحاب عمر المختار من الجغبوب إلى منطقة الكفرة في الجنوب الشرقي للصحراء الليبية، وكان قد تجاوز حينها الثلاثين عاماً بقليل، وبعد تلك الرحلة عيّنه السنوسي شيخاً لزاوية «عين كلك» في منطقة "قرو" غرب السودان، ثم شيخاً لبلدة زاوية القصور في منطقة الجبل الأخضر عام 1897، ووجد المختار نفسه حينها أمام خيار لابدّ منه، وهو أن يتحوّل من الدعوة؛ إلى القيادة العسكرية، بعد أن أصبح مسؤولاً عن إدارة مناطق كبرى في ليبيا من جهة، وحين أصبحت الحركة السنوسية هدفاً لفرنسا التي استعمرت التشاد في عام 1900 من جهة أخرى.

وفي أكتوبر من العام ذاته، بدأ الاستعمار الإيطالي لليبيا، ليكرّس المختار كل ما أوتي من قوة وطاقة وعلم وخبرة في قتالهم ودفعهم خارج البلاد، واستمر الشيخ المختار في جهاد الإيطاليين عشرين عاماً كاملة.

المختار يتحدى الجبروت الإيطالي

بعد وصول الفاشيين إلى الحكم عام 1922، بدأت إيطاليا في إستعراض قوّتها، وكان هدفها الأول هو القضاء على الثوار، وكان المجاهد عمر المختار قد تمكّن من جمع القبائل الليبية في الجبل الأخضر، ولمّ شمل الثوار من جديد.

نظرة المختار قبل إعدامه

وبعد أعوام من القتال المحتدم ومقاومة القبائل الليبية بقيادة عمر المختار ضد الاستعمار الإيطالي الغاشم، أوقع الثوار هزيمة نكراء بالإيطاليين في معركة الرحيبة عام 1927، وكان انتصار المقاتلين الليبيين قد أثار غضب الحكومة الإيطالية، فالجيش الإيطالي كان يواجه مقاتلين يفتقرون للخبرة العسكرية والعتاد، وربما كان القتال عشوائيا، وقررت الحكومة الإيطالية مضاعفة عدد قواتها ومهاجمة عمر المختار، لكن بعد معارك ضارية تراجعت القوات الإيطالية وكانت منهكة بالكامل، واهتز وضع المشير «بادوليو»، قائد القوات الإيطالية في ليبيا، واستغل الفريق أوَّل «دي بونو» وزير المستعمرات تزعزع مركز بادوليو فانهال عليه بالتعليمات والتوجيهات، وطلب منه إعفاء نائبه الفريق أوَّل «سيشلياني» وتعيين الفريق أوَّل «جراتسياني» بديلاً له، ووصل الأخير إلى بنغازي يوم 7 مارس عام 1930، تحيط به هالة من البطولة والاعتداد بالنفس والغطرسة، بعد أن قابل موسوليني في روما، وأثنى عليه الأخير ووضع ثقته فيه، وشرع في عمله باتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعيَّة والتعسفيَّة.

وأرسل القائد الجديد بعض المشايخ المجاهدين إلى سجون إيطاليا، وقرر توقيع عقوبة الإعدام على كل من يتعاون أو يتصل بالثوَّار، وسجن معظم المشايخ وأعيان بنغازي ودرنة في قلعة «بنينة»، أمَّا أبرز ما فعله فكان إنشاء «المحكمة الطائرة»، وهي محكمة بكامل أجهزتها تقطع البلاد على متن طائرة وتحكم على الأهالي بالموت ومصادرة الأملاك لأقل شبهة، وتمنحها للمرتزقة الفاشيّين.

إعدام أسد الصحراء

استمر المختار في محاربة الإيطاليين إلى أن وقع تحت الأسر، وأُجريت له محاكمة صوريّة، انتهت بإصدار حكم بإعدامه شنقاً، فنُفذت فيه العقوبة على الرغم من أنه كان كبير السن ومريضاً، فقد بلغ حينها 73 عاماً.

وفي صباح 16 سبتمبر عام 1931، أجبرت القوات الإيطالية نحو عشرين ألف شخص من القبائل الليبية على مشاهدة تنفيذ حكم الإعدام بحق «أسد الصحراء»، وكان الهدف من إعدام عمر المُختار إضعاف الروح المعنويَّة للمقاومين الليبيين والقضاء على الحركات المناهضة للحُكم الإيطالي، لكن النتيجة جاءت عكسيَّة، فقد ارتفعت حدَّة الثورات، وانتهى الأمر بأن طُردت القوات الإيطالية من البلاد عام 1943.