الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«جواز على ورقة طلاق».. الكتابة المسرحية بين ألفريد فرج والإيطالي بيرانديللو

ألفريد فرج والكاتب
ألفريد فرج والكاتب الإيطالي بيرانديللو

كان الاتجاه إلى التراث القديم إتجاها مثمرا في الحياة المسرحية المصرية، كما كان مثمرا عند الغربيين، ووفقا لكتاب "الفريد فرج صانع الاقنعة المسرحية : سبعون عاما من العطاء" كان ألفريد فرج أول من قام بهذا العمل من جيل الكتاب الشبان في المسرح إذ استفاد «عميد الكتابة المسرحية في الوطن العربي» من الروح المتوافرة في ألف ليلة ليلة وكتاب الجاحظ، ولكنه أيضا اتبع أسلوبا في كتابة بعض مسرحياته يشبه أسلوب الكاتب الإيطالي الكبير لويجي بيرانديللو.

"جواز على ورقة طلاق" كانت من المسرحيات المميزة في مسيرة الكاتب المسرحي المصري ألفريد فرج، الذي يحل اليوم مرور 16 عاما على رحيله ( 4 يونيو 1929- 4 ديسمبر 2005)، ووفقا لكتاب “مقالات في نقد النص المسرحي” للدكتور علي خليفة أستاذ بكلية الآداب - جامعة العريش وأستاذ مشارك بالكلية الجامعية بتربة - جامعة الطائف، فقد كتب مقال نقدي عن المسرحية.

لويجي بيرانديللو
لويجي بيرانديللو


أسلوب بيرانديللو

هذه المسرحية كانت أقرب ما تكون لأسلوب بيرانديللو في مسرحياته التي نرى بها تمثيلًا داخل تمثيل، مثل: مسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف"، ومسرحية "الليلة نرتجل التمثيل"، ومسرحية "كل شيخ وله طريقة"، ففي هذه المسرحيات الثلاث - وكذلك الأمر في مسرحية "جواز على ورقة طلاق" - تحدث المخرج مع المؤلف ومجموعة من الممثلين - أو يتحدث المخرج مع الممثلين - عن مسرحية يقدِّمونها، ويتم القطع خلال عرض المسرحية من المخرج بتوجيهه الممثلين، ويحدث أحيانًا أن يتفقوا معه، ويختلفوا معه في أحيان أخرى.

 

ويثار في هذه المسرحيات قضية الفن والواقع أيهما أهم وأبقى؟ وأيهما المزيف؟ وأيهما الحقيقي؟ ونرى ألفريد فرج يوافق بيرانديللو في أن الفن أكثر صدقًا من الواقع، كما أنه هو الأبقى والأرقى من الواقع.

ويبدو تأثر ألفريد فرج في مسرحية "جواز على ورقة طلاق" بمسرحية "الليلة نرتجل التمثيل" لبيرانيدللو- على وجه الخصوص - ففي كلتا المسرحيتين نرى امرأة تتزوج من شخص من طبقة تعلو على طبقتها، ولا يعيشان سعيدين، بل إن الزوج يستشعر أنه قد تجاوز الخطوط الحمراء في زواجه غير المتكافئ؛ ولهذا ينتقم من زوجته بإهانتها وتوبيخها.

2019_10_22_16_55_7_934
2019_10_22_16_55_7_934


قضية الفن والواقع 

وفي مسرحية "الليلة نرتجل التمثيل" لبيرانديللو على - وجه الخصوص - يناقش بيرانديللو بوضوح موقفه من قضية الفن والحياة؛ أيهما المزيف؟ وأيهما الحقيقي؟ وينتصر للفن على الحياة في تلك القضية، وكذلك يفعل ألفريد فرج في مسرحية "جواز على ورقة طلاق".

والقضية الأخرى التي يعرضها ألفريد فرج في هذه المسرحية، وتستغرق المساحة الكبرى منها، بل هي القضية الأساسية فيها، ويأتي عرض قضية الصراع بين الفن والحياة عرضًا فيها - هي قضية الصراع الطبقي. 

ويرى ألفريد فرج أن الصراع الطبقي له جذور عميقة في المجتمع المصري، ولا يمكن لأي شيء أن يحل هذا الصراع ويقضي عليه، ولا حتى ثورة يوليو بما دعت إليه من اشتراكية، وتوزيع الثروات بين كل الناس.

255913028_2676174869355364_2598959840414492864_n
255913028_2676174869355364_2598959840414492864_n

 

أحداث المسرحية

فمراد ابن الأسرة الثرية ذات المكانة كان يقاوم الاحتلال الإنجليزي والقصر الملكي قبل ثورة يوليو، وكانت أمه تؤيده في ذلك، وفي الوقت نفسه كان يحب زينب ابنة الأسطى سيد ذات الأصل الفقير والبسيط.

ويتابع خليفة في مقاله النقدي: “وكان مراد يظن أنه مع قيام ثورة يمكن أن تذوب الفوارق بين طبقات المجتمع، ويمكن لأمه أن توافق على زواجه من زينب، ولكن بعد قيام الثورة، واستقلالية مراد عن أمه - إذا بنا نراه هو نفسه قد ورث نظرة طبقته الثرية الارستقراطية لطبقة زينب، فهو يحبها كما أنها تحبه، ولكنه غير مقتنع بالزواج منها؛ لوجود هذه الفوارق الطبقية بينهما”.


وعندما ينجب منها دون زواج يعرض عليها أن يتزوج منها ليسترها، ويطلب إليها في الوقت نفسه أن تتخلص من ذلك الجنين، ثم يطلقها بعد ذلك. وبعد أن تتخلص زينب من الجنين نرى مراد لا يرغب في طلاق زينب، ويستحثها على مواصلة العيش معه.


ولا تستطيع زينب أن تغفر لمراد أنه أجبرها على التخلص من ابنهما، ولا تستطيع أيضًا أن تنسى حبها له في الوقت نفسه، ويعرض عليها مراد أن يطلقها؛ لأن زواجهما قد حدث لضرورة، ولم يكن زواجًا صحيًّا، ثم يقول لها: إنهما سيتزوجان بعد ذلك زواجًا صحيحًا، يستطيع من خلاله أن يواجه كل أعاصير الحياة بما في ذلك جدار الطبقية.ويأتي المأذون فيطلقهما.

فرج+3
فرج+3

 

الهوة الطبقية 

وقبيل أن يزوجهما من جديد تنتحر زينب؛ لأنها لا تستطيع أن تتخلص من إحساسها بالهوة الطبقية التي تفصل بينها وبين مراد، إلى جانب إحساسها بأنه كان السبب في موت ابنهما بالتخلص منه بإجهاضها.

ويوضح خليفة: "وإذا كنا قد تحدثنا عن آثار بيرايديللو على ألفريد فرج في هذه المسرحية، فإننا نتحدث الآن عن آثار مسرحية "كل أبناء الله لهم أجنحة" ليوجين أونيل أيضًا فيها"، ففي مسرحية "كل أبناء الله لهم أجنحة" لا يستطيع عاشقان صارا زوجين بعد ذلك أن يسعدا في حياتهما؛ لإحساس كل واحد منهما أنه ينتمي لعنصر يختلف عن العنصر الذي ينتمي له الآخر.

فالزوجة تمثل البيض، والزوج يمثل الزنوج السود، ولا يستطيع أي واحد منهما أن يفلت من انتمائه الجنسي، وعدائه للجنس الآخر، لا سيما الزوجة البيضاء، التي نراها تسعى لتدمير زوجها - على الرغم من حبها له - لأنها بهذا تنتصر لجنسها على جنسه، وتؤكد أن الزنوج أقل قدرًا من البيض، وتكفر - في الوقت نفسه -عن زواجها من ذلك الشخص الأسود.

جواز على ورقة طلاق

ويستكمل في مقاله: "في حين كان ذلك الزوج يستشعر ضآلة نفسه أمام زوجته، ويتغاضى عن تحقيرها لشأنه، وإهانتها له، وفي مسرحية "جواز على ورقة طلاق" نرى الصراع فيها طبقيًّا، فكل من الزوج والزوجة لم ينسَ الطبقة التي ينتمي لها، ولم يستطع الحب أن يقرب هذه المسافة الشاسعة بين الطبقتين؛ ولهذا رأيناهما في زواجهما أقرب للعدوين، كما هو الشأن في مسرحية "كل أبناء الله لهم أجنحة" ليوجين أونيل".


وملاحظة أخيرة أقولها عن مسرحية "جواز على ورقة طلاق" أنني أرى أن تحول شخصية مراد للتمسك بزينب بعد أن أجبرها على إسقاط ابنهما الجنين -غير مقنع، فكان أولى به أن يتمسك بها من أجل ابنهما، وليس بعد أن تسبَّب في إسقاطه وموته.