الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الروائية انتصار عبد المنعم: أتمنى وضع أعمال محفوظ داخل مكتبات المدارس.. ويجب أن يكون هناك رمز واحد نجتمع عليه

صدى البلد

أصبح من المعتاد أن يقفز الكثير من الكتّاب على  الساحة الأدبية والثقافية خلال فترة وجيزة من الوقت، إذ لم تعد جودة العمل الأدبي هي الطريقة الوحيدة التي يتم من خلالها الحكم على الأعمال الأدبية، فقد أصبح هناك العديد من العوامل المؤثرة والتي تساهم في انتشار العمل الأدبي؛ سواء من خلال الدعاية الجيدة التي تتم أغلبها من خلال جروبات القراءة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، فيما يشبه فكرة "تجييش" القراء لخدمة كاتب معين؛ لذلك تحدثنا مع الكاتبة والروائية انتصار عبد المنعم حول هذه الفكرة، وذلك بمناسبة الاحتفاء بذكرى ميلاد الكاتب العظيم نجيب محفوظ، إذ رصدت من خلال حديثها معنا أسباب عزوف الكثير من الشباب عن كتابات محفوظ وغيره من كبار الكتاب والالتفات لأعمال أدبية أخرى تصل مبيعاتها في نهاية الموسم لنحو مئات اللآلاف من النسخ، بينما يعاني الكثير من الكتاب خلال الوقت الحالي من نشر أعمالهم الأدبية.
 
وفي حديثها لـ"صدى البلد" تقول الروائية انتصار عبدالمنعم: "لفت انتباهي في العامين الأخيرين على وجه الخصوص، تحول القراءة عموما، أو لكاتب بعينه إلى ما يشبه الصرعة (الموضة)، يتحكم فيها ويوجهها أصحاب مجموعات القراءة المنتشرة على الفيس بوك، فما إن يكتب أدمن الصفحة عن كتاب ما ، حتى يتبارى أعضاء الصفحة من الشباب في شراء الكتاب - وأغلب الأحوال يكون رواية حديثة - كي ينالوا لقب قارئ الشهر، أو القارئ المثقف! ومن الملاحظ أن الترشيحات تتركز على الاصدارات الجديدة لجيل الشباب من الكتَّاب الذين يلقون رواجا في الوسط الشبابي نفسه لأسباب مختلفة. إلا أن هناك نوعا آخر ممن يحترفون الترويج لكاتب معين دون غيره، بغض النظر عن محتوى الكتاب الصادر نفسه، من الممكن أن نطلق عليهم "ألتراس" لأنهم يؤدون نفس مهمة ألتراس الفرق الرياضية بالضبط، في التحيز التام للكاتب، والترويج له في كل المجموعات باستخدام عبارات إكليشيهات تروق للشاب الذي يبحث عن لقب قارئ مثقف لا ينبغي أن يفوت قراءة الكاتب فلان الذي يتحدث عنه الآخرون.

ولذلك لا تظهر أعمال نجيب محفوظ  في الترشيحات إلا في المواسم! أي عندما تحتفل الدولة بميلاده أو وفاته أو ذكرى حصوله على جائزة نوبل، وتصبح مناسبة جيدة للتنويه عنها في نفس مجموعات القراءة.. وتكون فرصة لسؤال الشباب عما سبق لهم قراءته من أعمال صاحب نوبل، وتكون الاجابة المتكررة أنهم شاهدوا أعماله التي ظهرت على شاشات السينما أو التليفزيون..أي أن محفوظ وصل لهم عن طريق المشاهدة لا عن طريق القراءة.. لكن في نفس الوقت، نجد رغبة عند الكثيرين في قراءة هذه الأعمال لمقارنة المكتوب بما شاهدوه فعلا.

وعلى الرغم من أن هذه المجموعات تحمل أهدافا سامية وتضم أعضاء من الشباب الباحث عن الثقافة، إلا أن هناك مراجعات لأعمال محفوظ قائمة على السماع، تنطلق من تفسير عقائدي أو تأويل أخلاقي للعمل الأدبي، وفي رأيي أن هذا مؤشر غير صحي يجب أن ننتبه له. ولو كنت في موقع مسئولية ما، لوضعت أعمال محفوظ في مكتبات كل المدارس، وخصصت حصة أو محاضرة بصورة شهرية مثلا، لمناقشة أعماله في كل مدرسة وكلية، هكذا نجعله حاضرا في واقع الشباب، هذا إن توفرت لدينا الرغبة في بقاء أعمال نجيب محفوظ رغم تغير طبائع الأجيال في القراءة ونوعيتها، فعلى الأقل يجب أن نحافظ على اسم أو رمز واحد نجتمع عليه بدلا من ترك الشباب لترشيحات الهواة فقط..
 

ركن ضيق 

تطرقت انتصار عبدالمنعم لجزئية أخرى تخص بداية تعرفها على كتابات محفوظ "بدأت القراءة لمحفوظ وأنا صغيرة جدا، ربما في المرحلة الابتدائية، لا أذكر بالضبط،  فبيت العائلة كما ضم الحديقة كجزء أساسي ، ضم أيضا المكتبة، وهكذا كانت القراءة الروتين اليومي..جذبني بناء شخوص أعمال محفوظ، والفضاء المكاني الذي تتحرك عليه، فكلاهما يشكلان وحدة كاملة متناغمة، ومع كل كلمة واكتمال جملة تتجسد الشخوص أمامي من لحم ودم وأراها تجلس وتتحدث وتتجادل على هذا المقهى أو في ذاك الطريق.. والحقيقة أن القراءة لأعمال محفوظ، وعن طقوسه وعوالم الكتابة لديه، أخرجتني مبكرا من الركن الضيق الذي تسجن الكاتبات أنفسهن فيه وهن يكتبن عن الذات وعلاقتها مع الرجل وكأنها قضية وحيدة لا فكاك منها .. وجدت نفسي أصطف في طابور من الكاتبات اللواتي تعالين على الخاص لينطلقن في الكتابة عن الذات الإنسانية الجمعية وعلاقتها بالتاريخ والكون من حولهن، وجدت نفسي أسير على درب رضوى عاشور، ونجوى شعبان، وسلوى بكر.. وبدأت كتابة (ثلاثية البحيرة) التي صدر الجزء منها تحت عنوان "كبرياء الموج" عن دار الهلال، و"جوكات / حكايا الدار الحمراء" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والجزء الثالث "نخلة شافع" وكل رواية تختلف عن أختها في التقنية والاسلوب، وجميعها جاءت في فضاء مكاني يميزها مثلما حدث مع أعمال محفوظ والقاهرة القديمة التي نحفظ شوارعها بفضل ثلاثيته، أما الفضاء المكاني الذي كتبت عنه فهو فضاء الأبيض المتوسط وبحيرة إدكو وكيف تشكلت على ضفافهما مدينة اختلط فيها موج البحر بماء البحيرة ليصنعا معا أساطير وحكايات مدهشة لإنسان البحيرة منذ عصر المصريين القدماء وإلى اليوم.

نجيب محفوظ كتب عن أمكنة يعرفها، وسَيَّر عليها شخوص أعماله، ووضع على  ألسنتهم ما أراد أن يقول، ورسم بهم العالم الذي يراه ولا نراه، وهكذا فعلت، تخيرت المكان الذي أعرف، أحييت جوكات البحر والبحيرة، وكتبت سيرة جوكات القديمة واستدعيت تاريخها الانساني الغارق في الماء والرمال، ليرتبط اسمي بجوكات، كما ارتبط اسم محفوظ بالقاهرة القديمة خان الخليلي وزقاق المدق .