الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تفنى الجنة والنار.. وما الدليل على خلود النعيم والعذاب؟.. الإفتاء تجيب

هل تفنى الجنة والنار
هل تفنى الجنة والنار .. وما الدليل على خلود النعيم والعذاب؟

هل تفنى الجنة والنار؟.. سؤال يعلق في ذهن البعض خاصة ممن بجدون أقوالاً وشبهات تثار حول خلود الجنة والنار وبقاء النعيم والعذاب بهما، فـ هل تفنى الجنة والنار؟

هل تفنى الجنة والنار .. وما الدليل على خلود النعيم والعذاب؟ 

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول: هل صحيح أن هناك من العلماء من قال بفناء النار، وذهب إلى عدم خلودها وخلود أهلها فيها؟ وما رأي جماهير العلماء في هذا؟

وبينت دار الإفتاء أن الفناء ضد البقاء، وفني الشيءُ أي: عدم، قال أبو علي القالي: الفناء نفاد الشيء. اهـ. ينظر: "تاج العروس" (39/ 255، ط. حكومة الكويت)، وأن المقصود به عدم بقاء النار، والقائلون بهذا القول الشيخ ابن تيمية في كتابه "الرد على من قال بفناء الجنة والنار"، وابن القيم في كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"، خلافًا لجمهور العلماء سلفًا وخلفًا من أن الجنة والنار باقيتان أبدًا ينعم من في الجنة إلى أبد الآبدين، ويعذب من يعذب في النار إلى أبد الآبدين.

واستدل الجماهير من علماء الأمة بالمنطوق والمفهوم من الكتاب والسنة على عدم فناء النار، فمن ذلك قول الله تعالى: ﴿إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 169] قال الإمام الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 851، ط. دار الوفاء): [وقوله: ﴿أبدًا﴾ لدفع احتمال أن الخلود هنا يراد به المكث الطويل] اهـ، وقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب: 65].

وفي قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن: 23]، لافتة إلى أنه في هذه الآيات التصريح بالبقاء في العذاب وذكر الخلود، وتأكيد هذا الخلود بالتأبيد، مشيرة إلى أنه في الآيات الآتية أخبر تبارك وتعالى بعدم خروجهم من النار، مؤكدًا ذلك بأن العذاب مقيم ودائم معهم، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة: 167].

وقد بينت دار الإفتاء أن هناك من الآيات القرآنية الكريمة التي تثبت صراحة خلود النار أو خلود أهلها فيها، والتي تبلغ (37) آية من القرآن الكريم، وهذا بخلاف الآيات التي في معنى الخلود أو تفيده؛ كقوله تعالى: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ [البقرة: 86] وغيرها من الآيات الكريمة كثير في هذا المعنى جدًا، كما أن الآيات الدالة على خلود أهل الجنة بلغت نحو أربعين آية.

وأشارت إلى إنما نؤكد على هذه الكثرة من الآيات المثبتة لبقاء النار وخلود أهلها فيها؛ لأن هذا الحد البالغ من الكثرة -كما يقول شيخ الإسلام التقي السبكي-: يمنع من احتمال التأويل، ويوجب القطع بذلك، كما أن الآيات الدالة على البعث الجسماني لكثرتها يمتنع تأويلها، ومن أولها حكمنا بكفره بمقتضى العلم جملة، وإن كنت لا أطلق لساني بتكفير أحد معين. اهـ. "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" (ص: 46 بتصرف، طبعة خاصة بالمحقق الدكتور طه دسوقي حبيشي).

ومن السنة ما يدل على خلود الكفار في النار: حديث أنس رضي الله عنه -المتفق عليه- الذي روي في شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ»، وكان قتادة يقول عند هذا: أي: وجب عليه الخلود. فالحديث فيه دلالة على أن من أهل النار من يخلد في النار، وهم الذين قد أخبر القرآن بأنهم خالدون في النار؛ كما في قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الجن: 23].

ومنه ما رواه البخاري ومسلم أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ».

يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني (11/ 421، ط. دار المعرفة): [قال القرطبي: وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة؛ كما قال تعالى: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: 36]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾ [السجدة: 20]، قال: فمن زعم أنهم يخرجون منها، وأنها تبقى خالية، أو أنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة] اهـ.

كذلك ما أخرجه أحمد وابن ماجه -واللفظ له- وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا: خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ، لَا مَوْتَ فِيهَا أَبَدًا». ففي الحديث دلالة على بطلان دعوى فناء النار؛ لأنه جعل النار كالجنة من حيث خلود أهل الجنة فيما هم فيه من النعيم، فكذلك أهل النار خالدون فيما هم فيه من العذاب إلى الأبد، فكما أن الجنة لا تفنى أبدًا فكذلك النار لا تفنى أبدًا.

يقول شيخ الإسلام تقي الدين السبكي -كما سبق أن نقلناه-: ولذلك أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك وتلقوه خلفًا عن سلف نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مركوز في فطرة المسلمين، معلوم من الدين بالضرورة، بل وسائر الملل غير المسلمين يعتقدون ذلك، ومن رد ذلك فهو كافر، ومن تأوله فهو كافر كمن تأول الآيات الواردة في البعث الجسماني، وهو كافر أيضًا بمقتضى العلم، وإن كنت لا أطلق لساني بذلك. راجع: "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" (ص: 57-58).

وشددت الإفتاء أنه لا يصح نسبة القول بفناء النار وذهابها إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما نسب هذا القول الذي نقل عنهما إلى عمر رضوان الله عليهم، بل هو الدليل على بقاء النار بعد خروج من يخرج منها من أهل التوحيد، وأن القول بفناء النار الذي قال به الإمامان ابن تيمية وابن القيم، مخالفٌ لما عليه معتقد أهل السنة والجماعة، ولا يجوز اعتقاد مثل هذا المذهب.