الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أزهري في خطبة الجمعة: إسناد الأمر إلى غير أهله خيانة للأمانة

الشيخ صفوت عمارة
الشيخ صفوت عمارة

قال الشيخ صفوت محمد عمارة، من وعاظ الأزهر الشريف، إنّ مفهوم الأمانة ليس قاصرًا على رد الودائع المادية والأمانات إلى أصحابها كما هي، وهذه الصورة للأمانة سائدة لدى كثير من الناس، ولكن مفهوم الأمانة في الإسلام أوسع وأضخم وأثقل مما يتصوره عامة الناس، ويتضمن معان عديدة ومراتب جليلة، أساسها إدراك المسلم ويقينه بأنه سيُسأل أمام ربه، ويُحاسب على كل أمر يكلف به ويوكل إليه، بناءً على الحديث: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته» [البخاري ومسلم].

وتابع «عمارة»، خلال خطبة الجمعة اليوم، أنَّ الأمانة هي القيام بالواجبات، وأداء الحقوق، وإتقان الأعمال، وحفظ الودائع، وهي شاملة لجميع مجالات الحياة، لا فرق فيها بين حاكم أو محكوم؛ فهي شرف للجميع، ورأس مال الإنسان، وسر نجاحه، ومفتاح كل تقدم، وسبب لكل سعادة، ولقد حرص الإسلام على أداء الأمانة في كل عمل؛ سواءً في العبادات أو المعاملات، وفي الوظائف والأعمال وتولى المناصب، ولقد سمَّى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الوظائف أمانات، ونصح الضعفاء بعدم طلبها والتعرُّض لها، فعن أبي ذر الغفاري رضي اللَّه عنه قال: قُلتُ: يا رسول اللَّهِ، أَلَا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيفٌ، وإنها امانةُ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامةٌ، إلَّا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها» [صحيح مسلم].

وأضاف عمارة، إنَّ تحمل الأمانة ليست بالأمر الهين كما يعتقده الكثيرون، ولخطورة التفريط فيها أبت السماوات والأرض والجبال على حملها، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]، وحذرنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من إسناد الأمر إلى غير أهله، لما يترتب عليه من خلخلة المؤسسة أو الإدارة، وعدم استقرارها وثباتها؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: بينما النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ قال: «فإذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة» قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة» [صحيح البخاري]، وفي هذا الحديث كان النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يعلم أصحابه فجاء أعرابي يسكن الصحراء، فسأله متى الوقت الذي تقوم فيه القيامة؟ وأجابه بأنَّه: إذا ضُيعت الأمانة، وفسرها النبي إذا تولى الأمر غير أهله.

وأشار «عمارة» إلى قصة راعى الغنم؛ فعن نافع قال: خرجت مع عبداللَّه بن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له، فوضعوا سفرة فمر بهم راعٍ، فقال له عبداللَّه: هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة؛ فقال: إني صائم، فقال له عبداللَّه: في مثل هذا اليوم الشديد حرّه وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم، وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم؟! فقال الراعي: أبادر أيامي الخالية، فعجب ابن عمر وقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه ونعطيك ثمنها؟ قال: إنها ليست لي، إنها لمولاي قال: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب؟! فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله؟! قال: فلم يزل ابن عمر يقول: قال الراعي: فأين الله؟ فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم.

واختتم حديثه، لقد أصبحت الأمانة اليوم عملة نادرة بسبب الغفلة عن الآخرة، وحب الدنيا والبعد عن الدين وتعاليمه، وعدم إدراك خطورة ضياع الأمانة في حياة الناس، ولقد أصبحنا اليوم نبحث عن التاجر الأمين، والعامل الأمين، والطبيب صاحب الأمانة، والبائع الذي يتعامل بالأمانة، والموظف والمعلم والمقاول، والضابط والصيدلي والمهندس، وغير ذلك فلا نجد إلا القليل.