الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكنز المحرم داخل الأراضي الألمانية.. “الليثيوم” الذهب الأبيض الذي تبحث عنه أوروبا داخل القارة اللاتينية.. يدخل في صناعة السيارات والكهرباء وصراع مع الصين للفوز به

الليثيوم
الليثيوم

الذهب الأبيض كما يطلق عليه، أو مادة الليثيوم، هو أحد أهم مواد الخام التي يدور حولها صراع حول العالم، وذلك بعد أن أصبح أساسيا في العديد من الصناعات وعلى رأسها صناعة السيارات الكهربائية، وداخل أعماق وادي الراين الألمانى يمتلئ بهذا الذهب الأبيض الذي يغنى ألمانيا وأوروبا في حاجاتها من المواد الخام الحرجة كما يسميها الاتحاد الأوروبي، إلا أنه مازال إلى الآن كنز محرم تجد الحكومة الألمانية صعوبة في استخراجه .. فما السر في ذلك؟.

 

والملفت للنظر أيضا، أنه في ظل وجود هذا الذهب على أراضيها، إلا أن ألمانيا وأوروبا تخوض معركة شرسة مع الصين للحصول على تلك المادة داخل القارة اللاتينية، وهو ما يفسر تحركات السياسيين الأوروبين نحو دول أمريكا الجنوبية خلال الأسابيع الماضية، وهو ما وصفه المراقبون لشدة الصراع هناك بأنها "معركة الليثيوم على الأراضي اللاتينية.

 

ما أهمية تلك المادة 

 

وحتى يكون لدينا تصور لأهمية الموضوع، يجب أن نعرف في البداية ما هي أهمية تلك المادة التي تتسابق الدول العظمى للسأيطرة عليها، فمادة الليثيوم تعد من المواد واسعة الاستخدام في مجالات عدة أهمها صناعة الإلكترونيات وصناعة البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، وكذلك يستخدم يدخل الليثيوم في صناعات التعدين، والتي تدخل في صناعة أجزاء الطائرات، وهناك أيضا بطاريّة الليثيوم التي تستخدم في صناعة السيارات الكهربية، وهو المجال الأكثر أهمية، هذا بجانب دخوله في بعض التطبيقات النوويّة، وتأتي تقديرات مجالات استخدام الليثيوم كالآتي:

  • الزجاج والخزف (29%)
  • صناعة البطاريات (27%)
  • شحوم التزليق (12%)
  • السباكة المستمرة (5%)
  • معالجة الهواء (4%)
  • صناعة البوليميرات (3%)
  • إنتاج الألومنيوم (2%)
  • إنتاج الأدوية (2%)
  • استخدامات أخرى (16%)

 

 "الذهب الأبيض" بوادي الراين .. كنز ألمانيا الاستراتيجي

 

 

يُعتقد أن وادي الراين الأعلى في جنوب غرب ألمانيا هو موطن لواحد من أكبر احتياطيات الليثيوم في أوروبا، فمن المحتمل أن يكون هذا بمثابة نعمة كبيرة للتحول الأخضر في أوروبا بالكامل، وليس ألمانيا فقط، حيث تتطلع أوروبا إلى تنويع إمداداتها من المواد اللازمة لبناء تقنيات صديقة للبيئة مثل السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، وتتفق الشركات والباحثون على أن وادي الراين الأعلى يمكن أن يصبح مصدرًا مهمًا للليثيوم، لكنهم لا يتفقون على مدى السرعة التي يمكن أن يبدأ بها الاستخراج على نطاق صناعي وكيف سيكون قابلاً للتطبيق اقتصاديًا.

 

فولكان إنرجي ريسورسز، وهي شركة أسسها جيولوجيون أستراليون وألمان، من بين الشركات التي تأمل في استغلال هذا المورد، مع خطط لبدء الاستخراج في عام 2025 وتزويد 40 ألف طن من هيدروكسيد الليثيوم من فئة البطاريات كل عام، وهي تهدف إلى زيادة هذه الطاقة الإنتاجية بمرور الوقت وهي تختبر حاليًا الاستخراج في  مصنع تجريبي.

 

وتتطلع العديد من المجموعات والشركات البحثية إلى استخراج الليثيوم باستخدام الحفر الحراري الأرضي، وهي عملية تتضمن حفر الآبار في خزان حراري يصل إلى عدة آلاف من الأمتار تحت الأرض وضخ محلول ملحي غني بالليثيوم إلى السطح، فيتم استخدام الماء لتوليد الكهرباء ويتم استخراج الليثيوم وتنقيته إلى درجة مناسبة لاستخدام البطارية.

 

 

 

أوروبا أمام أزمة وجودية خاصة بمواد الخام الحرجة 

 

ومسألة كيفية تأمين هذه الموارد الخضراء الرئيسية هي أيضًا مسألة وجودية لأوروبا، فمن المتوقع أن تقدم المفوضية الأوروبية قانون المواد الخام الحرجة في مارس يهدف إلى تقليل اعتماد الكتلة على الصين وروسيا، بما في ذلك من خلال تحديد المشاريع ذات الأهمية الاستراتيجية داخل الاتحاد الأوروبي والتي ستستفيد من التصاريح بشكل أسرع.

 

تلك الأزمة دفعت أوروبا لخوض حربب اقتصادية على أراضي دول أمريكا اللاتينية، بينها وبين الصين، وذلك حول استخراج مادة الليثيوم خصوصا من المثلث الريفي الموجود هناك والذي يعد أحد أكبر مخازن تلك المادة الطبيعية، وفي محاولة لإيجاد مساحة داخل السوق الذي تسيطر عليه الصين، توجه المستشار الألماني خلال الشهر الماضي في زيادة إلى القارة اللاتينية، في محاولة لتعويض انخفاض حصة أوروبا من الاستثمار بتلك المادة، حيث أنها متأخرة عن الصين والولايات المتحدة الأمريكية، واللذان يعدان أكبر مصنعي تلك المادة حول العالم.

 

 

ألمانيا تعترف..التعدين المحلي أفضل لتحقيق خطط  2030

 

 

والغريب في التحركات الألمانية، أنها تمتلك هذا الكنز الأبيض على أراضيها، وتتجه لخوض معركة في قارة أخرى، بل وما يزيد الأمر غموض، هو اعتراف الحكومة الألمانية، بأن مخطط استخراج الليثيوم من وادي الراين يتوافق مع هدف برلين، الذي تم الإعلان عنه في يناير، لتوسيع تعدين المواد الخام محليا لمساعدة البلاد على تحقيق أهدافها الخضراء، بحلول عام 2030، فألمانيا تريد الحصول على 15 مليون مركبة مثبتة بالبطاريات على الطرق وتزويد 80% من احتياجاتها الكهربائية من الطاقة المتجددة.

 

وقالت وزارة المناخ والاقتصاد ، التي يديرها روبرت هابيك من حزب الخضر، في ورقة موقف حول المواد الخام في البلاد : "التعدين المحلي أفضل من واردات المواد الخام إذا أدى إلى معايير بيئية واجتماعية أفضل ويعزز مرونة سلاسل التوريد، واستراتيجية المواد"، ويمثل احتضان الخضر للاستخراج المحلي تحولًا رئيسيًا آخر في سياسة الحزب، والذي قام في العام الماضي بتكييف موقفه بشأن عدد من القضايا الأيديولوجية الرئيسية - بما في ذلك تمديد دورة حياة محطات الطاقة النووية في البلاد - وسط أزمة طاقة و الحرب في أوكرانيا.

 

إذا ما السر؟ ... عوائق أمام التعدين بوادي الراين 

 

 

برلين حريصة بالفعل على الحصول على المزيد من المواد الخام الهامة بوادي الراين، ولكنها تواجه معارضة من السكان المحليين، وهنا نسرد حديث مواطن ألماني لكشف السر وراء الأمر، حيث يتذكر فيرنر مولر بوضوح اليوم الذي تعرضت فيه منطقته لهزة أرضية أدت لتصدع جدران منزله، وذلك منذ عقد من الزمان، وكانت الهزة ناجمة عن الحفر التعديني في منطقته، والآن بعد أكثر من عقد من الزمان، يخشى أن الخطط الجديدة لاستخراج الليثيوم ستعرض السكان مرة أخرى للخطر.

 

وتلك التوترات تشير إلى أن تكثيف التعدين المحلي لن يكون بالأمر السهل، فالسكان مثل مولر تتردد في رؤية مشاريع الاستخراج الكبرى تظهر في الفناء الخلفي لمنزلهم، خوفًا من أن يتسبب الحفر في هزات جديدة في المنطقة ويسبب أضرارًا باهظة الثمن، خصوصا وقد أحيت مشاهد كارثة زلزال تركيا ذكريات الهزات القديمة لديهم، وذلك وفق ما نشرته صحيفة بوليتيكا الأمريكية.

 

وقال مولر، الذي يرأس مبادرة المواطنين المحليين ضد الخطط: "هناك مثل هذا الضجيج حول الليثيوم والطاقة الحرارية الأرضية - ما سيحدث هنا في وادي الراين الأعلى هو الجنون المطلق".

 

بعض العلماء والشركات بالفعل تحذر!

 

وبالفعل يحذر بعض العلماء والشركات من أنه من السابق لأوانه التسرع في مشاريع الاستخراج، ويقول مايكل شميدت، باحث مشارك في وكالة الموارد المعدنية الألمانية: "من الناحية التكنولوجية، من الممكن بالفعل الحفر في هذا العمق لأغراض الطاقة الحرارية الأرضية ولدينا أيضًا الوسائل لاستخراج الليثيوم، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك منطقيًا اقتصاديًا وبيئيًا". 

 

وأضاف شميت أن طريقة الاستخراج لم يتم إنشاؤها على نطاق صناعي في أي مكان آخر بعد، وحاليًا، لا توجد شركة في العالم تستخرج الليثيوم إلى جانب الطاقة الحرارية الجوفية، فلا يزال هناك بحث جيولوجي أساسي يتعين القيام به، فيما يقول بعض الباحثين أيضًا أن توقعات شركات التعدين لمقدار الليثيوم الذي يمكن أن يستخرجه في المنطقة مبالغ فيها.

 

ووفقًا لدراستين حديثتين نشرهما معهد كارلسروه للتكنولوجيا (KIT) ، يمكن أن تغطي الموارد المحلية حوالي 5 إلى 19 % فقط من الطلب السنوي على إنتاج خلايا البطاريات الألمانية المخطط ، وذلك في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، ورداً على هذه النتائج ، جادل باحث من شركة فولكان الساعة للتعدين بالوادي بأن الجيولوجيين نظروا فقط إلى المشاريع الحالية، ولكنهم لم يصفوا المستقبل بأحدث التقنيات، وهذا ما فعلناه. 

 

في المقابل قال فابيان نيتشكي، أحد مؤلفي دراسات KIT، إن استكشاف الليثيوم في المنطقة سيكون رائعًا لتزويد ألمانيا بالمواد الخام المهمة، لكنه أضاف أن "الأسئلة الرئيسية" لا تزال بحاجة إلى إجابة قبل المضي قدمًا وتوسيع نطاقها أعلى.

 

معركة كسب الجمهور هي الأهم 

 

وتتمثل إحدى العوائق الرئيسية هي كيفية كسب السكان المحليين القلقين، خصوصا وأن التنقيب عبر الطاقة الحرارية الأرضية يتمتع بسمعة سيئة في المنطقة، ففي عام 2006، تسبب مشروع عميق للطاقة الحرارية الأرضية في بازل في حدوث زلزال بلغت قوته 3 درجات؛ وفي عام 2019، وقع زلزال في فيندنهايم بالقرب من ستراسبورغ، ويحشد السكان المحليون عددًا من مبادرات المواطنين في جميع أنحاء المنطقة. 

 

ويقول هانز روزر، رئيس إحدى هذه المبادرات في جنوب وادي الراين الأعلى ، إنه يتوقع حدوث الزلازل "بالتأكيد بشكل أكثر تكرارًا" إذا تم استخراج الليثيوم، وتدرك ولايتي راينلاند بالاتينات وبادن فورتمبيرغ ، حيث تتم دراسة معظم عمليات الاستخراج حاليًا ، أنهما بحاجة إلى طمأنة السكان بأن الاستخراج آمن، وقالت وزارة البيئة في ولاية بادن فورتمبيرغ، التي يديرها حزب الخضر: "يتم مراقبة كل مشروع زلزاليًا منذ البداية، ولا يمكن استخراج الليثيوم إلا من المياه الجوفية - وليس من خلال ما يسمى بنظام الصخور الصلبة ، والذي لديه كانت مرتبطة بالزلازل في الماضي. 

 

ويبقى الرهان على المثلث الريفي ونزع سيطرة الصين 

 

وأمام تلك الصعوبات في تنفيذ مشروعات التعدين المحليسة، يبقى الرهان الأساسي لألمانيا وأوروبا للحصول على تلك المادة، هو التوجه نحو المثلث الريفي بأمريكا اللاتينية، حيث يقع حوالي 57% من رواسب الليثيوم في العالم في هذا المثلث الموجود بدول الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي، ويعد الصينين من الكبار في مجال الأعمال التجارية، حيث استثمروا المليارات في جميع أنحاء العالم في وضع تجمع استراتيجي في تلك الصناعة، تأتي بعدها الولايات المتحدةن فهي أيضا في وضع أفضل من الأوروبيين.

وفيما يخص ألمانيا فبالمقارنة مع الصين، ومع البلدان الأخرى أيضا، نجدها ليست حاضرة في مثلث الليثيوم في أمريكا الجنوبية، وهي الأمور التي دفعت الحكومة الألمانية لتكثيف جهودها لزيادة الاستثمارات في هذا المجال، وذلك وفق ما نشرته صحيفة فوكس الألمانية.