الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تسليح جيش بيد شعب.. صربيا تجمع 14 ألف قطعة سلاح من الأهالي خلال أسبوع| القصة كاملة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 

"تسليح جيش في يد الشعب" .. هكذا كان لسان حال الأنباء الواردة من صربيا بعد إعلان السلطات هناك عن تسلمها كميات ضخمة من الأسلحة، شملت أرقام كبيرة، ونوعية من الأسلحة لا تتواجد إلا داخل الجيوش، وحرص الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، على الظهور بوسائل الإعلام، وهو يعرض الأسلحة التي تم جمعها كجزء من عفو ​​بالقرب من مدينة سميديريفو بصربيا.

وعرضت السلطات في صربيا أكواماً من البنادق وعلب الكرتون من القنابل اليدوية من آلاف الأسلحة، بما في ذلك قاذفات الصواريخ المضادة للدبابات ، التي قالوا إن الأشخاص الذين سلموها منذ إطلاق النار الجماعي المتتالي أذهل الدولة البلقانية.

 

عفو لمدة شهر 

 

ووفقا لما نشرته صحيفة npr الأمريكية، فقد أعلنت الحكومة الصربية عن فترة عفو مدتها شهر واحد للمواطنين لتسليم أسلحة غير مسجلة في إطار حملة قمع ضد البنادق في أعقاب إطلاق النار في يومين هذا الشهر والذي أسفر عن مقتل 17 شخصًا، من بينهم العديد من الأطفال.

وقد رافق الرئيس ألكسندر فوسيتش، والذي واجهت حكومته ضغوطًا شعبية في أعقاب إطلاق النار المنفصل في مدرسة بلغراد وفي قريتين، كبار مسؤولي الشرطة لمشاهدة مجموعة متنوعة من الأسلحة المكدسة بالقرب من بلدة سميديريفو ، على بعد حوالي 50 كيلومترًا (30 ميلاً) جنوب العاصمة.

 

14 ألف قطعة خلال 7 أيام فقط 

 

وذكر المسؤولون بصربيا، أن السكان سلموا حوالي 13500 قطعة منذ فتح العفو في 8 مايو، وأظهرت صور من مكان الحادث صفوفا من البنادق والأسلحة الأوتوماتيكية والمسدسات مكدسة بدقة على الأرض في مستودع إلى جانب صناديق خشبية مليئة بالقنابل اليدوية، ومن المعروف أن صربيا لديها عشرات الآلاف من الأسلحة التي تم جلبها من ساحات القتال في حروب التسعينيات في البلقان،  وصدرت قرارات عفو مماثلة عن أسلحة في الماضي ولم تحقق سوى نجاح محدود.

 

وقال فوسيتش، إن ما يقرب من نصف الأسلحة التي تم جمعها منذ الأسبوع الماضي كانت محتجزة بشكل غير قانوني، بينما كان النصف الآخر أسلحة مسجلة قرر المواطنون مع ذلك التخلي عنها، وأوضح الرئيس، أن الأسلحة المتخلى عنها ستذهب إلى مصانع الأسلحة والذخيرة الصربية لاستخدامها المحتمل من قبل القوات المسلحة في البلاد.

 

 

السجن 15 عاما  لمن لا يسلم السلاح 

 

 

ويبدوا أن إعلان الحكومة الصربية عن عقوبة حيازة السلاح الغير مرخص عقب انتهاء فترة العفو كان له الأثر في نجاح الحملة، حيث  قالت السلطات إن الأشخاص الذين يتم القبض عليهم بأسلحة غير قانونية بمجرد انتهاء فترة العفو قد يواجهون أحكامًا بالسجن تصل إلى 15 عامًا ، إذا تمت إدانتهم، وقد قال فوسيتش عن فترة ما بعد العفو: "بعد 8 يونيو ، سترد الدولة بإجراءات قمعية وستكون العقوبات صارمة للغاية"، وتسائل: "لماذا يحتاج أي شخص إلى سلاح آلي؟ أم كل هذه الأسلحة؟".

 

ويُقدَّر أن صربيا من بين البلدان الأولى في أوروبا من حيث عدد الأسلحة المسجلة للفرد الواحد ، والعديد منها محتجز بشكل غير قانوني، وكان هناك عشرات الآلاف يتظاهرون ضد القيادة الشعبوية في صربيا بعد إطلاق نار جماعي، وقد شنت السلطات حملة موسعة عقب إطلاق النار من قبل صبي يبلغ من العمر 13 عامًا ببندقية والده في 3 مايو, وفتح النار على زملائه الطلاب في مدرسة ابتدائية في وسط بلغراد، وبعد يوم واحد ، استخدم رجل يبلغ من العمر 20 عامًا سلاحًا آليًا لإطلاق النار بشكل عشوائي في منطقة ريفية جنوب بلغراد.

 

إجراءات أخرى لحجم السلاح

 

وعلى حسب ما جاء بتقرير الصحافة الأمريكية، فقد كان من بين الإجراءات الأخرى المضادة للبنادق التي أعلن عنها فوتشيك، تشديد الرقابة على مالكي الأسلحة وميادين الرماية، وقد قال مسؤولو الشرطة إن أصحاب الأسلحة يجب أن يكون لديهم خزنة مشفرة لتخزين أسلحتهم المسجلة وأن أي أسلحة لم يتم الاحتفاظ بها بشكل صحيح ستتم مصادرتها.

 

حملة تفتيش واسعة 

 

وقالت ضابطة مكافحة الجريمة بوجانا أوتوفيتش بيانوفيتش لشبكة التلفزيون الحكومية الصربية "آر تي إس" إن المسؤولين يعتزمون إصدار أوامر بتفتيش العناوين المسجلة للتحقق مما إذا كانت هناك شروط للحفظ، واذا لم يحدث ذلك فسيتم نزع الاسلحة وستكون العقوبة صارمة، وقد قالت الشرطة إنه خلال بعض جهود الجمع الماضية، ألقى الناس أسلحتهم بعيدًا في حاويات قمامة أو تركوها دون رقابة بدلاً من إحضارها إلى مراكز الشرطة.

ويعتقد الخبراء أن عشرات الآلاف من الأسلحة غير القانونية ظلت غير مرخصة وبعيدة عن متناول السلطات، وأصر مسؤول الشرطة أوتوفيتش بيانوفيتش على أنه بعد عمليات إطلاق النار الأخيرة، أصبح المواطنون على دراية بمخاطر الاحتفاظ بالبنادق في منازلهم.

 

مظاهرات حاشدة عقب سقوط الضحايا

 

وقد أسفر إطلاق النار الجماعي عن مقتل 17 شخصًا وإصابة 21 آخرين ، مما أذهل الأمة وأثار دعوات للتغيير في البلاد التي مرت بعقود من الاضطرابات والأزمات، وتظاهر عشرات الآلاف في مسيرتين احتجاجيتين في بلغراد منذ إطلاق النار، مطالبين باستقالات وزراء الحكومة وفرض حظر على محطات التلفزيون التي تروج لمحتوى عنيف وتستضيف مجرمي الحرب وشخصيات إجرامية.

فيما رفض فوتشيتش يوم الأحد دعوات المعارضة لاستقالة وزير الداخلية براتيسلاف جاسيتش، الذي كان حاضرا أيضا في عرض الأسلحة يوم الأحد، لكن الرئيس أشار إلى أن الحكومة قد تستقيل وأنه سيعلن عن انتخابات مبكرة في تجمع حاشد خطط له في 26 مايو في بلغراد، وقال فوتشيتش: "ليست لدينا نية لاستبدال وزير الداخلية، الذي يقوم بعمل رائع"، وتسائل: "ما الخطأ الذي ارتكبته الشرطة؟".

 

توظيف سياسي 

 

ولا يمكن أن تكون الساحة السياسية بعيدة عن تلك الأحداث، وبالفعل اتهم سياسيو المعارضة السلطات بتأجيج العنف وخطاب الكراهية ضد المنتقدين، ونشر الدعاية على وسائل الإعلام الرئيسية وفرض الحكم الاستبدادي في جميع المؤسسات في عهد فوتشيك ، والتي يقولون إنها تزيد من الانقسامات في المجتمع، فيما أغلق محتجون في بلغراد ، الجمعة ، جسرا رئيسيا وطريقا سريعا في العاصمة للضغط على مطالبهم، وخرجت احتجاجات أيضا في مدن وبلدات صربية أخرى وسط موجة من الحزن والغضب على إطلاق النار والسلطات الشعبوية.

ووصف فوسيتش قطع الجسر بأنه مضايقات، بينما سعى هو ومسؤولون آخرون ووسائل إعلام تحت سيطرته إلى التقليل من شأن أعداد المتظاهرين.

 

أول حادث منذ 10 سنوات

 

وعلى الرغم من أن صربيا غارقة في الأسلحة المتبقية من صراعات التسعينيات، إلا أن آخر إطلاق نار جماعي قبل هذا الأسبوع الدامي، كان في عام 2013، وذلك عندما قتل أحد المحاربين القدامى 13 شخصًا في قرية بوسط صربيا، فيما ظهرت شخصيات عامة وسياسيون وخبراء تباعا على شاشة التلفزيون في محاولة يائسة لشرح المآسي، خصوصا في ظل التناقض الداخلي للدولة، بحيث أصبحت دولة منقسمة بشدة حيث يتم تمجيد مجرمي الحرب المدانين في كثير من الأحيان، وذلك على حسب ما قاله العديد من الخبراء في وسائل الإعلام الصربية، ونقلها تقرير الصحيفة الأمريكية.

 

ومنذ انتهاء الحرب الصربية، كان هناك انتشار كبير لأعمال العنف ضد الأقليات، وكان الغالب أن تمر تلك الحوادث دون عقاب، ويقول الممثل الصربي سردجان تيماروف في تلفزيون N1: "هذه لحظة تقرر فيها أمة ما إذا كانت ستمضي في طريق الشفاء، أو يكون البديل هو إعلان الاستسلام للتطرف والعنف".

 

 

صربيا وتاريخ دموي 

 

 

وصربيا هي دولة تقع في مفترق الطرق بين وسط وجنوب شرق أوروبا، وتغطي الجزء الجنوبي من سهل بانونيا والبلقان المركزي، فهي دولة غير ساحلية أو حبيسة وتحدها المجر من الشمال، رومانيا وبلغاريا من الشرق، مقدونيا من الجنوب، وكرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود من الغرب، كما أن لها حدودًا مع ألبانيا عبر منطقة كوسوفو المتنازع عليها، وتعتبر صربيا إحدى أهم الدول في جنوب شرق أوروبا حيث كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية وكانت مركز دولة يوغوسلافيا السابقة.

 

واندلعت حروب يوغوسلافيا (1991-2001) بسبب التوترات العرقية، ووقعت أشد الصراعات في كرواتيا والبوسنة، حيث قام الصرب بواحدة من أبشع المذابح على مر التاريخ ضد مسلمي البوسنة من قتل وتعذيب واغتصاب، وعارضت المجتمعات العرقية الصربية الاستقلال عن يوغوسلافيا، وظلت جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية خارج الصراعات، لكنها قدمت الدعم اللوجستي والعسكري والمالي للقوات الصربية في الحروب، ورداً على ذلك، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على صربيا أدت إلى العزلة السياسية وانهيار الاقتصاد.