قصيدة "وطني" للشاعر حافظ إبراهيم

ولد حافظ إبراهيم على متن سفينة كانت راسية على نهر النيل أمام ديروط وهي قرية بمحافظة أسيوط من أب مصري وأم تركية وتوفي والداه وهو صغير أتت به أمه قبل وفاتها إلى القاهرة حيث نشأ بها يتيما تحت كفالة خاله الذي كان ضيق الرزق حيث كان يعمل مهندسا في مصلحة التنظيم.
ويعتبر شعره سجل الأحداث، إنما يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.
وتخليدا لهذا الشاعر ننشر له قصيدة "وطني":
كـم ذا يُـكـابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي فـي حُـبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّـــاقِ
إِنّـي لَأَحـمِـلُ في هَواكِ صَبابَةً يـا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطــواقِ
لَـهـفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً يَـحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقـــي
كَـلِـفٌ بِـمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ بِـالـبَـذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفــــاقِ
إِنّـي لَـتُـطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً طَـرَبَ الـغَـريبِ بِأَوبَةٍ وتَلاقــي
وَتَـهُـزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى بَـيـنَ الـشَمائِلِ هِزَّةَ المُشـــتاقِ
مـا الـبـابِلِيَّةُ في صَفاءِ مِزاجِها وَالـشَـربُ بَـينَ تَنافُسٍ وَسِبـــاقِ
وَالشَمسُ تَبدو في الكُئوسِ وَتَختَفي وَالـبَدرُ يُشرِقُ مِن جَبينِ الساقـــي
بِـأَلَـذَّ مِـن خُـلُقٍ كَريمٍ طاهِرٍ قَـد مـازَجَـتهُ سَـــــلامَةُ الأَذواقِ
فَـإِذا رُزِقـتَ خَـليقَةً مَحمودَةً فَـقَـدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّـــ ـمُ الأَرزاقِ
فَـالـنـاسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا عِـلـمٌ وَذاكَ مَــــــكارِمُ الأَخلاقِ
وَالـمـالُ إِن لَـم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً بِـالـعِــــــلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ
وَالـعِـلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ تُـعـلـيـهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخـــــفاقِ
لا تَـحـسَـبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ مـا لَـم يُـتَـوَّج رَبُّــــهُ بِخَلاقِ
كَـم عـالِـمٍ مَدَّ العُلومَ حَبائِلاً لِـوَقـــــيـعَـةٍ وَقَـطيعَةٍ وَفِراقِ
وَفَـقـيـهِ قَومٍ ظَلَّ يَرصُدُ فِقهَهُ لِـمَـكـــــيدَةٍ أَو مُستَحَلِّ طَلاقِ
يَـمشي وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ عِمامَةٌ كَـالــــبُـرجِ لَكِن فَوقَ تَلِّ نِفاقِ
يَـدعـونَهُ عِندَ الشِقاقِ وَما دَرَوا أَنَّ الَّـذي يَـدعونَ خِــدنُ شِقاقِ
وَطَـبـيـبِ قَومٍ قَد أَحَلَّ لِطِبِّهِ مـا لا تُـحِـلُّ شَـــريعَةُ الخَلّاقِ
قَـتَـلَ الأَجِـنَّةَ في البُطونِ وَتارَةً جَـمَـعَ الـدَوانِقَ مِــن دَمٍ مُهراقِ