يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه "الإسلام الأرخبيلي في إندونيسيا: المجتمعات والجماعات ومكافحة الإرهاب" تاريخ الإسلام الإندونيسي وآليات تكيّفه السلمي مع التقاليد والعادات والممارسات الثقافية المحلية على مدار العصور، وانعكاس هذا التكيف الثقافي – الديني في المجتمعات المسلمة المحلية والوافدة وأنماط تدينها الشعبي وتعليمها الديني، مؤرخًا لنشأة المؤسسات الإسلامية التقليدية وتأسيس الجمعيات، وعلى وجه التحديد جمعيتي "المحمّدية (1912) و"نهضة العلماء" (1926) الأكثر تأثيرًا ونفوذًا في البلاد، مناقشًا طبيعة العلاقة بين الدين والسلطة في حقبة الديمقراطية والنهوض بالإصلاحات السياسية، آخذًا بالاعتبار المخاطر الناجمة عن الظاهرة الإرهابية الإسلاموية وظهورها المبكر ومخاطرها على الدولة والمجتمع والدين، مقابل جهود الحكومة الإندونيسية في مكافحة الإرهاب وتأهيل المتطرفين.
ويطرح الكتاب دراسات جديدة تهدف أولًا إلى قراءة الصلة بين ماضي الإسلام الإندونيسي وحاضره، ويناقش ثانيًا المتغيرات التي مرّ بها هذا الإسلام في حقب عدة، لا سيما في بدايات القرن الحادي والعشرين، بينها: المتغير الإسلاموي الوافد من الشرق الأوسط، مقابل الجهود الحكومية في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية التي بدأت بإجراءات حذرة وأصبحت أكثر ثباتًا وصلابة في مكافحة الإرهاب.
درس الباحث هجريان أنجا بريهانتورو، الأستاذ في "جامعة سونان كاليجاجا الإسلامية الحكومية، الإسلام الإندونيسي وتاريخه منذ القرن السابع وصولًا إلى التاريخ الحديث والمعاصر، فرصد أبرز الجمعيات المسلمة في إندونيسيا، وتحديدًا جمعيتي "المحمّدية" و"نهضة العلماء"، وهما من أكبر الجمعيات الاجتماعية في البلاد، فحدد العوامل التي كانت وراء تأسيسهما، وتطرق إلى خطابهما الديني ومشروعهما؛ فجميعة "المحمّدية" تدعو إلى التجديد، منذ 1912؛ من الاجتهاد وصولًا إلى ما تسميه "الإسلام التقدّمي وهو مشروع طرحته في مؤتمرها السابع والأربعين عام 2015 في ماكاسار، أما جمعية «نهضة العلماء»، فقد طرحت مشروع/ أو مفهوم "إسلام نوسانتارا " أو «إسلام الأرخبيل خلال مؤتمرها الوطني الثالث والثلاثين المنعقد عام 2015 في جومبانغ، بهدف إطلاق رؤيتها المتمثلة في إسلام شامل وسلمي في إندونيسيا والعالم. نجحت الجمعية في تقديم تكييف فقهي محوره الولاء للدولة، وتقدير الإنجازات باعتبارها عملًا تعبديًّا في صميم السلوك الديني، وركزت على «ثلاثية الأخوة» المكونة من الدين، والوطن، والبشرية، بأسلوب علمي، يعزز السلام بين المواطنين الإندونيسيين والأفق الحضاري الإنساني.
ترى الجمعية أنها تستطيع طرح خطابٍ مضادٍّ لأيديولوجيات الإسلاموية المتطرفة، وأن مشروعها تجسيد مميّز للإسلام في السياق الإندونيسي، الذي يتسم بالتنوّع الثقافي والاعتدال والتسامح والتعايش، والمنسجم مع التقاليد المحلية؛ مع مراعاة المبدأ المحافظ على القديم الصالح، والأخذ بالجديد الأصلح، واستيعاب المفاهيم الاجتماعية، التي تنّمي ثلاثية الأخوة، وتقدير التكيف الثقافي واحترام الاعتدال والتسامح، والفخر بالحكمة المحلية والانسجام المجتمعي.