"القدس وسكانها": المدينة المقدسة لم تتمتع بالسلام إلا في عهد المسلمين.. والصليبيون قدموا أسوأ صور التعصب الديني

ماهر أبو منشار في كتابه "القدس وسكانها من المسيحيين تاريخ من التسامح والتوتر" :
*صراع مستمر على القدس منذ أقدم العصور
*المدينة المقدسة لم تتمتع بالسلام إلا في عهد المسلمين
*القدس لم تكتسب مكانة دينية لدى اليهود إلا في فترة متأخرة
*الصليبيون قدموا أسوأ صور التعصب الديني والمذهبي
*الخليفة الراشد عمر بن الخطاب حرر المدينة من الاحتلال البيزنطي
*صلاح الدين قدم للعالم أعظم صور التسامح مع المسيحيين
*الاستعمار الحديث الحلقة الأخيرة من الحروب الصليبية
*إسرائيل تعد امتدادا للمشروع الصليبي بأقنعة أخرى
تنطلق أهمية كتاب "القدس وسكانها من المسيحيين تاريخ من التسامح والتوتر" من عدة حقائق إستراتيجية ودينية وسياسية، إذ إن القدس المحتلة تظل محورا للصراع في المنطقة العربية، وذلك منذ بدء الغارات الصليبية على المشرق الإسلامي في القرون الوسطى وحتى الآن، إذ إن حركة الاستعمار الحديثة في القرن التاسع عشر، التي انتهت باحتلال معظم الدول الإسلامية، تعد واحدة من الحلقات المتتابعة في مخطط التآمر الغربي على المنطقة.
وفي هذا السياق فإنَّ إقامة الدولة اليهودية في فلسطين المحتلة في الخامس عشر من مايو 1948، يُمثل نقط تحول فاصلة في تاريخ الصراع، فإذا كانت المخططات الصليبية ترمي إلى احتلال القدس وما حولها، أو تخليصها من أيدي المسملين، فإن المشروع الصهيوني ارتبط من وجهة نظر القائمين عليه بالتمهيد لقدوم مسيح آخر الزمان إلى الأرض.
وعندها يتحول اليهود إلى أتباع مخلصين له، وتبدو المفارقة التي تفضح سخف المروجين لهذا الزيف، من أن المسيح عليه السلام، لم يحظ في حياته القصيرة ، إلا بالاحتقار والعداوة من اليهود الذين ألصقوا به كافة التهم الباطلة، بدءا من إثارة الشكوك حول الظروف التي أحاطت بمولده، والطعن في براءة والدته العذراء، وعندما شرع المسيح في التلشير بدعوته، تصدت له المؤسسة الدينية الرسمية لدى اليهود، وسفهت من آرائه، وشككت في صدق وأصالة رسالته، وادعت أنه مجرد ساحر من السحرة الذين تكاثروا في تاريخ اليهود، الذين زعم أن كل منهم أنه هو مسيح البشارة والخلاص.
*المكانة الفريدة
يشدد المؤلف على أنه بالرغم من استيلاء إسرائيل على القدس بالكامل منذ عام 1967، إلا أنَّ محاولات المسلمين والعرب لم تتوقف عن تحريرها طوال هذه السنوات، ويشير المؤلف إلى أن التصدي للمشروع الصليبي في القرون الوسطى استغرق ما لا يقل عن مائتي عام، حتى تم تحرير آخر الجيوب الصليبية في منطقة ساحل الشام، أي أن حركة تحرير المشرق العربي العربي من الأطماع الصليبية امتدت منذ ما قبل سقوط الدولة الفاطمية، كما استغرق تاريخ الدولة الأيوبية بأكملها، حتى أتم الأشرف شعبان حفيد السلطان قلاوون هذه المهمة النبيلة، مع ملاحظة أن قلاوون تولى الحكم بعد وفاة الملك الظاهر بيبرس أحد أبطال المسلمين في التصدي للتتار والصليبيين.
*الأديان السماوية
يشير المؤلف إلى أن المكانة السامية التي تتمتع بها القدس، تنبع من اهتمام الأديان السماوية الثلاثة بها، ولكنه يلاحظ أن اليهودية لم تكترث بالقدس بنفس الصورة التي اهتم بها الإسلام، فعلى سبيل المثال لم تكن القدس في يوم من الأيام الوجهة التي يستقبلها اليهود في صلاتهم، مع ملاحظة أن الصلوات اليهودية ليست قائمة على الوحي، وإنما هي من البدع التي اخترعها الأحبار في مراحل متأخري للغاية بعد انتهاء جيل النبوات في بني إسرائيل، كذلك فإن المسيحية لم تعرف التوجه في الصلاة إلى القدس، وإنما نقل المسيحيون الاهتمام بالقدس عن المسيحيين.
بل كانت رسالة المسيح، أو ما سلم منها من التحريف والتزييف، تؤكد أن قلب المؤمن هو أطهر البقاع، بل إن المسيح فيما تناقلته الأناجيل، التي دونت بعد رفع المسيح بعشرات السنيين، تنقل ان المسيح تنبأ بخراب أورشليم وأنه لن يبقى من بعد رفعه إل السماء، حجر فوق آخرمن جدارة المدينة، وأنها قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين، ولكن الإسلام هو الدين الوحيد الذي جعل من القدس قبلة للصلاة، طوال فترة امتدت إلى بضعة عشر شهرا، منذ أن فرضت الصلاة، وحتى بعد هجرة الرسول – صلى الله عليه وسلم إلى المدينة-، قبل أن يتم تحويل القبلة إلى البيت الحرام في مكة المكرمة، ومع ذلك ظلت القدس تحتل نفس المكانة من التبجيل والاحترام لدى المسملين، إذ إن المسجد الأقصى يعد ثالث أهم المساجد في الإسلام، ومن المساجد التي يضاعف فيها ثواب الصلاة.
*دين التسامح
طوال الفترة الت ي سيطر فها المسلمون على القدس، منذ تحريرها من نفوذ الروم البيزنطيين على يد الخليفة عمر بن الخطاب، ظلت القدس موضعا لممارسة التسامح، بل إن وثيقة العهدة العمرية التي منحها الخليفة عمر للمسيحيين، تتضمن أرقى معاني النبل والتسامح، ولم تعامل سكان المدينة أو زائريها بأي مظهر من مظاهر الانتقام، رغم أن الإسلام لا يقر كثيرا من الانحرافات العقائدية التي تمارس من المغالين في تبجيل المسيح، ولكن مسئولية الدولة الإسلامية تجاه جميع رعاياها أو المترددين عليها من السياح، جعلت المسملين يتغاضون- مع الإنكار- عن الممارسات التي لا تتفق مع دينهم دون القبول بها.
ويضيف المؤلف أن تسامح المسلمين مع الزوار من المسيحيين، أدى إلى اقتناع مئات الألوف من سكان المناطق المفتوحة بعظمة الإسلام، على غرار ما حدث في مصر وغيرها من الدول التي تحول المسلمون فيها إلى أغلبيية في غضون عدد قليل من السنوات.