تعرف على حكمة الله تعالى من الاعتدال فى "الإنفاق"

قال تعالى:- "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا" سورة الإسراء: آية 29: مكية.
فقد ورد فى سبب نزول هذه الآية الكريمة، أنه جاء غلام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال إن أمى تسألك كذا وكذا فقال رسول الله ما عندنا اليوم من شىء فقال الغلام فتقول لك اكسنى قميصك فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس فى البيت حاسراً فأنزل الله الآية.
يأمرنا الله تعالى فى هذه الآية بالاقتصاد فى العيش ذاماً للبخل ناهياً عن السرف فلا يكون الإنسان بخيلاً لا يعطى أحداً شيئاً ولا مسرفاً فى الإنفاق فيعطى فوق طاقته وتُخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوماً محسوراً.
معنى الآية: أن الله تعالى يأمر الإنسان فيقول له لا تجعل يدك التى بها العطاء "مَغْلُولَةً" أى مربوطة إلى عنقك وحين تقيد اليد لاتستطيع الإنفاق فهى هنا كناية عن البخل والإمساك، وفى المقابل ينهى الله عن كل البسط إذن فيباح بعض البسط وهوالإنفاق فى حدود الحاجة والضرورة وبسط اليد كناية عن البذل والعطاء، فإن حد الإعتدال المرغوب فيه من الشارع الحكيم هو الوسط وكلا طرفيه مذموم.
ثم تأتى النتيجة الطبيعية للإسراف والتبذير "فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا" فإن كلمة "فَتَقْعُدَ" تدل على انتقاص حركة الحياة لأن حركة الحياة تنشأ من القيام عليها والقعود يدل على عدم القدرة على القيام ومواجهة الحياة وهو وضع يناسب من أسرف حتى لم يعد لديه شىء. "مَلُومًا مَحْسُورًا" أى أتى بفعل يُلام عليه ويؤنب من أجله ونادماً على ماصار فيه من العدم والفاقة فإن قبضت كل القبض فأنت ملوم وإن بسطت كل البسط فتقعد محسوراً عن طموحات الحياة التى لا تقوى عليها،فكلا الطرفين مذموم ويترتب عليه سوء فى حياة الفرد والمجتمع.
فإن حكمة الله تعالى من هذا الاعتدال فى الإنفاق: أن الإنفاق المتوازن يُثرى حركة الحياة ويسهم فى إنمائها ورقيها خلاف القبض والإمساك فإنه يعرقل حركة الحياة فلابد من الإنفاق لكى تساهم فى سير عجلة الحياة ولابد أن يكون الإنفاق معتدلاً لتبقى على شىء من دخلك لتستطيع أن ترتقى به فى دنيا الناس فالمبذر تجده مكانه لايتقدم خطوة واحدة.
فبهذا التوجية الإلهى الحكيم نضمن سلامة حركة الحياة ونضمن الارتقاء الاجتماعى والفردى.