الإنجازات غير المحسوسة للرئيس

استيقظت صباح الجمعة في ميعادي تقريبا، رغم أنني أعاني حلاوة ترك الفراش في أيام العمل العادية، عيناي فتحت وحدها ووجدت نفسي أترك الفراش وأنا ساخط على ساعتي البيولوجية التي ضبطت وحدها وكأنها "بيج بن" في رأسي، ارتديت ملابسي وأنا المعتاد أن أجهز الإفطار في ذلك اليوم، فول وطعمية وبطاطس وعيش سخن وجرجير ومخلل وبيض مقلي، إفطار المصريين المفضل، كدت أخرج من المنزل لإحضار الإفطار فوجدت زوجتي تناديني أن أنتظر، قامت هى الأخرى من الفراش وأحضرت ورقة وقلما وبدأت تكتب، تجيب قزازة زيت وعلبة سمنة وخمسة كيلو رز للخزين وزيهم مكرونة وتروح لعم جمال بتاع الفراخ تجيب فرختين وكيلو بانيه، بعد كدة تجيبلي بطاطس وطماطم وفلفل وتخلي واحدة ست أو بنت حلوة زي ما بتعمل كل مرة تنقي ليك الخضار، أعطتني ورقة كبيرة بالطلبات وورقة بمئتي جنيه، وقالت وهى تذهب للفراش مرة أخرى "الطلبات دي كلها هتعدي ميه وخمسين جنيه وما تنساش الفطار".
وبدأت أشتري الطلبات وأدون الأسعار أمام كل طلب، أنا كزوج منشغل بعملي الذي لا ينتهي ولا أعرف سوى أسعار السجائر فقط وبعض الحاجيات التكميلية، أما شراء هذه الأشياء فلم أتورط فيها إلا قليلا، خصوصا في أول أيام الزواج، في الفترة التي تمسك فيها بيد زوجتك وتذهب إلى السوبر ماركت لتشتري الأشياء وتفرح وأنت ترصها في الثلاجة وتشعر بحلاوة المسئولية في بدايتها.
اشتريت الطلبات وعدت بالأكياس الثقيلة، وجسدي الذي تهرأ من السجائر والقهوة ولخبطة مواعيد تناول الطعام ينوء بالأحمال، تناولنا الإفطار بعدما جهزته، وأثناء تناولنا للشاي أخرجت الورقة وبدأت أعدد أسعار الأشياء، ووجدت زوجتي تقول "الأسعار نزلت"، لم أصدق، قالت "زجاجة الزيت أصبحت بتسعة جنيهات بدلا من أحد عشر، علبة السمن كذلك انخفض سعرها جنيهين، حتى الدجاج وباقي الطلبات"، كان مجموع ما اشتريته لم يتجاوز المائة وخمسين جنيها، بل تجاوز المائة جنيه بشيء بسيط.
أدركت أن هناك عملا رائعا يجري بدون الإعلان عنه بل غير محسوس إلا لنا نحن الموظفين المنتمين للطبقة المتوسطة، والفقراء الذين سيؤثر فيهم انخفاض الأسعار، القرارات الاقتصادية اتخدت بطريقة عبقرية جعلت التجار يخفضون الأسعار بدون أن يؤثر ذلك على اقتصاد البلاد، فهل نعمي أبصارنا عن كل ذلك التقدم في غضون أربعة أشهر فقط هى كل عمر نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ليس هذا فقط، بل إنني بعد صلاة الجمعة كنت معتادا أن أقف مع جيراني، اليوم الوحيد الذي نتقابل فيه، وأثناء وقوفنا مرت عربة عليها أرغفة خبز طازجة ساخنة، يدفعها رجل أنيق يحمل معه ماكينة من تلك التي يستعملها تجار التموين، وقف بجوارنا قائلا "عيش التموين بس للي معاه الكارت"، قال جاري "مش عاوز العيش عندي كتير، قلت "أنا لم استصدر بطاقة التموين بعد، فقال جاري "خد من معايا"، وأخرج الكارت الخاص به ليعطيني الرجل خمسة أرغفة ويرفض جاري أخذ الربع جنيه، فالرغيف بخمسة قروش ومتوفر، بعد دقائق وجدت رجالا وسيدات يقفون مع الرجل الموظف بالتموين ومعهم كروت تموينهم ويأخذون حصتهم في الخبز وينصرفون ببساطة وسعادة، مرت سيدة عجوز تحمل خبزها على صدرها كانت تقول "ربنا يخليك يا بني يا عبد الفتاح".
في أربعة أشهر يا سادة لمست ببساطة هذه الأشياء، فما بالكم بعد عام، عامين، أو دورة رئاسية كاملة، ننتظر الكثير، وحده لن يستطيع، ولكن جميعنا، ولكن السؤال المهم الآن "هل ذكر الإعلام هذا؟ لا، ولكنه يهتم ـ خاص وعام ومستقل ـ بمظاهرة هنا وتفجير هناك وحريق هنا وانقطاع تيار هناك، يلمس ويوضح السلبيات ويضخمها، ولكنه ـ بشكل مقصود أو غير مقصود ـ يتعامى عن كل الإيجابيات.
إنني لا أطبل ولا أنافق بل أقول حقيقة، هذه الفترة التي نعيشها سويا، إما أن نضع أيدينا جميعا في أيدي بعضنا، أو..