"النمر الأسود" شهيد وضحية تقصير أمني

لو كان الأمر بيدي، لحاكمت وزير الداخلية ومدير أمن الجيزة ورجال قسم شرطة الجيزة، بتهمة التقصير فى حماية حياة مواطن والإهمال فى التصدى لبلاغ أسرته، والامتناع عن تطبيق القانون الذى يحصلون مقابله على أموال الشعب فى صورة أجور.
صباح الخميس الماضي تلقيت اتصالًا من الأستاذ عمر أنور زوج ابنة شقيقة "الشهيد" محمد حسن، شهيد السكك الحديدية وقضبان محطة مترو أنفاق محمد نجيب، يصرخ خلاله من امتناع قسم شرطة الجيزة وبعده مديرية الأمن، عن تحرير محضر أو التحرك الفوري للبحث عن "النمر الأسود"، الذى خرج قبل 3 ساعات من المكالمة ولم يعد، ويعلن خوفه على حياته لأنه مصاب بالزهايمر منذ عام ونصف العام.
"النمر الأسود" الذى جسد شخصيته الرائع الراحل أحمد زكى فى فيلم تباهت خلاله السينما بمصريته وقدرته فى الغربة على تقديم نموذج راقٍ فى التعامل مع الآخر، كان يعيش مع شقيقته بمنطقة ساقية مكي بالجيزة، عقب اختطاف الموت زوجته الأجنبية وتركه شقته بمصر الجديدة لضيق ذات اليد مع مرضه، ونظرًا لصعوبة رعايته لجأ إلى دار للمسنين لم يتحمل تكلفة الإقامة فيها بمرور الوقت، ليحيا بين أقاربه، دون أن يعلم أحدهم أن مرضه ربما يتسبب فى مصيره هذا.
حاصرت الأستاذ "عمر" بجملة أسئلة وباشرت اتصالات بعدد من الزملاء لنشر تفاصيل واقعة غيابه ورد فعل رجال الشرطة تجاهها، وما هى إلا ساعات حتى تلقيت اتصالًا آخر فى الثانية عشرة من مساء نفس اليوم، يحمل نبأ وفاته، بعد أن جرى تشويهه بأخبار تتهمه بالانتحار وإلقاء نفسه على قضبان مترو الأنفاق، رغم أن مرض سنه أفقده اتزانه ليسقط أسفل رصيف المحطة ويحتسب كشهيد طريق عند ربه.
تخيلوا أن حجة رجال الشرطة فى عدم "تحرير" بلاغات فقدان أو تغيب أشخاص، تتمثل فى عدم مرور 24 ساعة على تغيبهم، فما بالكم بما يستغرقونه من وقت كى يتحركوا لعمل "تحريات" حول الواقعة، وبأي قول يردون على أهله حينما يطلبون إجراءات شرطية إيجابية لعودته؟ وكم من الأطفال المختطفين دفع ذووهم الثمن غاليًا جراء تأخر الشرطة عن التعامل مع بلاغاتهم.. عدا ابن ضابط جهاز الأمن الوطنى ومن فى حكم منصب أبيه بالتأكيد؟
سألت أحد الأصدقاء من ضباط الشرطة عن سر اشتراطهم مرور 24 ساعة على تغيب المواطن كى تتعامل أجهزة الأمن مع بلاغ أهله، فرد "لا أعلم.. ربما تكون مادة بالقانون.. أو وردت بكتاب دوري للوزير"، أغلقت معه الهاتف لأتصل بالدكتور محمود كبيش العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة القاهرة أستاذ القانون الجنائي، فرد بأنه لا توجد مادة بأى قانون تمنع الشرطة من تحرير محاضر التغيب والتعامل الفوري مع هذه الحالات.
تخيلوا أن ألسنة رجال الشرطة اعتادت النطق بما لم يرد به نص، ليمتنعوا عن حماية أمن المواطن والمجتمع ويدفع البسطاء ثمن تقصيرهم وإهمالهم؟
كررت أسئلتي على الدكتور محمود كبيش، حول إمكانية مقاضاة وزير الداخلية ومدير الأمن ورجال القسم الممتنعين عن تحرير بلاغات التغيب والتعامل الفوري معها، فكان تعليقه "إن استطعت إثبات مسألة امتناعهم عن أداء واجبهم، وهى مسألة ليست سهلة أمام القضاء".
ربما استطاع أقارب "النمر الأسود" الوصول مبكرًا إلى نافذة إعلامية وصحفية لإعلان نبأ تغيبه ورد فعل رجال الشرطة بالجيزة تجاهه، وسلموا للخالق بانقضاء عمره فى موعده، لكن كمًا من الضحايا يسيرون أمامنا يوميًا، نقابلهم فى إشارات المرور وأعلى وأسفل الكباري، فقد ذووهم حقهم فى الإبلاغ عن تغيبهم وامتنع شرطيون عن مباشرة بلاغاتهم فورًا وبجدية، لندفع نحن ثمن جرائمهم كبارًا.