غدا..القمة الخليجية الـ35 تبدأ أعمالها في خضم ظروف داخلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد

تأتي قمة دول مجلس التعاون الخليجى في دورتها الـ35 والتي تبدأ بالعاصمة القطرية "الدوحة" غدا الثلاثاء وتستمر يومين في خضم ظروف داخلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد والتشابك.
إذ تواجه المنطقة الكثير من التحديات، أبرزها استمرار أزمة الملف النووي الإيراني بدون حسم بين الغرب وإيران حتى يونيو المقبل وتداعيات ذلك على هاجس الأمن الخليجي، والوضع المقلق في المنطقة بعد ظهور التيارات المتطرفة في عدد من الدول، وانخفاض أسعار النفط وما يترتب على ذلك من آثار سلبية تعوق استمرار العمليات التنموية في الدول الخليجية، ناهيك عن الأوضاع المتردية في اليمن وتأثيراتها المتنوعة على منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب الأوضاع في المحيط العربي بعد الربيع العربي، حيث ما تزال آثاره قائمة ومتشعبة.
انطلاقاً من ذلك الواقع وتلك التطورات، باتت الاحتياجات الأمنية الخليجية أكثر أهمية من ذي قبل، ليس لمجابهة التحديات الأمنية المفروضة عليها وحسب، وإنما لتزايد الإدراك الخليجي بخطورة تلك التحديات على منظومة النسيج المجتمعي الخليجي ومدى تماسك وحداته المؤسسية.
ويؤكد مراقبون للشأن الخليجي أن موضوعي الأمن والعلاقات الخليجية مع العالم العربي لاسيما مع مصر، سيكونان في مقدمة جدول أعمال القمة.
من هنا تأتي أهمية الحضور السياسي المصري بفاعلية في أجواء القمة الخليجية، حيث استبق وزير الخارجية سامح شكري أعمال القمة بلقاء مع بعض وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون من أجل تنسيق وجهات النظر فيما يتعلق بالقضايا المطروحة على جدول أعمال القمة، وفي هذا الإطار التقى الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية مملكة البحرين ، حيث أكد شكري أكد على محورية علاقات التعاون والأخوة التى تربط مصر بالبحرين وأهمية العمل على مزيد من تعميقها وتطويرها فى مختلف المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والأمنية بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين ويمكنهما من مواجهة التحديات المشتركة.
وناقش الوزيران الأوضاع فى منطقة الخليج وأكدا ارتباط أمن مصر بأمن الخليج، كما تم تناول عدد من الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك وسبل تعزيز التعاون المشترك لمواجهة ظاهرة الإرهاب.
وعلى الرغم من أنه لم تتم الإشارة رسميا إلى أن مباحثات سامح شكرى وزير الخارجية المصرى تطرقت إلى الأزمة بين مصر وقطر إلا أن تواجده فى عواصم خليجية هامة عشية اجتماعات القمة الخليجية يؤشر إلى أن المصالحة مع قطر والشروط المصرية لإتمامها كانت على جدول الأعمال.
وفي ترجمة واقعية لعمق العلاقات المصرية العمانية وشمولها شتى المجالات والأصعدة، التقى شكري فى سلطنة عمان يوسف بن علوى الوزير المسئول عن الشئون الخارجية العمانى وأجرى معه مباحثات حول العلاقات الثنائية وسبل تعميقها فى مختلف المجالات، والتشاور حول عدد من القضايا الإقليمية الهامة فى منطقة الخليج والمنطقة العربية.
ونظراً للظروف الأمنية المحيطة بدول مجلس التعاون وخطورة تأثيراتها، يرى محللون أن الضغط الأمنى هو العنوان الحقيقى لهذه القمة سواء كونها تنعقد فى ظل مشاركة دول الخليج فى الحرب أو قلقها إزاء أمنها الداخلى وضرورة تنسيق التعاون الأمنى ، وأكد هؤلاء أن طريقة التعامل مع الخلافات قد تصبح أقل حدة لكن الخلافات ما زالت موجودة حول موضوع التعامل مع مصر والنظرة إلى الدور الإيرانى، فبشأن التعامل مع مصر والإخوان المسلمين، تبقى الإمارات متمسكة بمقاربة طويلة المدى ضد ما يسمى بـ"الإسلام السياسى" الذى تعتبره المنبع الحقيقى للتطرف، فيما تبدو قطر متمسكة بخيار احتواء التيار الإسلامى.
وتؤكد مصادر خليجية أن قمة الدوحة ستقر "قيادة عسكرية مشتركة" بين دول مجلس التعاون يكون من مهامها تنسيق الحرب على المتطرفين مع الولايات المتحدة التى تقود هذه الحرب والدول الأخرى المشاركة. وتعد سلطنة عمان العضو الأقرب بين دول المجلس الست إلى إيران، كما أنها الدولة الوحيدة التى أعلنت رسميا رفضها انتقال مجلس التعاون إلى مرحلة الاتحاد كما ترغب السعودية، ولعبت السلطنة دورا بارزا فى تسهيل المحادثات النووية بين غريمة الخليجيين إيران وحليفتهم التقليدية الولايات المتحدة.
ولم يكن هذا هو القرار الأول من نوعه، بل سبقه قرار دول المجلس إنشاء قوة بحرية خليجية مشتركة تحت مسمى "مجموعة الأمن البحري 81" في 15/10/2014، ليعكس إصرار دول مجلس التعاون الخليجي على تأسيس منظومة دفاعية وأمنية خليجية متكاملة تحقق الاكتفاء في المجال الأمني والعسكري، والاعتماد على القدرات الذاتية لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة وتزايد مخاطرها.
أما التحديات الاقتصادية فلا تقل أهمية عن سابقتها الأمنية ومحاربة الإرهاب، خاصة في ظل الانخفاض المستمر لأسعار النفط وتأثيرات ذلك على عملية التنمية الاقتصادية ومستقبلها في دول الخليج، ومن هنا يخوض التكتل الخليجى حربا شرسة للحفاظ على حصتها من السوق النفطى، وهى الحصة التى تعطى دول المجلس الأربع الأعضاء فى أوبك بزعامة السعودية تأثيرا عالميا، ودفعت السعودية والإمارات والكويت وقطر باتجاه إبقاء مستويات الإنتاج على حالها فى أوبك، بالرغم من تراجع الأسعار للضغط على منتجى النفط الصخرى وإخراجهم من المعادلة، خصوصا فى الولايات المتحدة، والحفاظ على حصتها ونفوذها فى سوق الطاقة العالمى.
وبالرغم من قدرة الدول الخليجية على الصمود لمواجهة الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط بسبب الاحتياطات المالية لدى هذه الدول والتي تقدر بـ2450 مليار دولار راكمتها خلال السنوات الأخيرة بفضل ارتفاع أسعار الخام، لكن تراجع الأسعار قد يؤثر على الميزانيات الضخمة التي تعتمدها هذه الدول لمتابعة برامج التنمية والدعم السخية التي عززتها بعد انطلاق الربيع العربي ، وستتبخر الفوائض في الميزانية لدى بعض الدول التي قد تدخل في عجز للمرة الأولى منذ فترة طويلة.
ويبقى القول أن قمة الدوحة ستكون - في ظل ما يسفر عنها من قرارات مصيرية - قمة محورية في مسيرة العمل الخليجي المشترك متى التزمت قطر بقواعد العمل العربي والخليجي ومتى تخلت عن سياستها المناوئة للدعم العربي الموحد والمشترك لمجابهة التحديات المفروضة على المنطقة.