قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

آراء العلماء في المقصود بحديث «غير المسلم يأكل أكثر من المؤمن»


ورد حديث صحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن «المؤمن يأكل فى معى واحد والكافر يأكل فى سبعة أمعاء»، ويتساءل البعض هل غير المسلم يأكل أكثر من المسلم كما دل معنى الحديث الذي روي عن أبي هُرَيْرَةَ:
«أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَافَهُ ضَيْفٌ كافِرٌ فأَمَرَ لَهُ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ ثُمّ أُخْرَى فحلبت فَشَربَهُ. ثُمّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حتى شَرِبَ حِلاَبَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمّ أصْبَحَ مِنَ الغَدِ فأَسْلَمَ فأمر لَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلاَبَهَا، ثُمّ أمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمّهَا، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُؤْمِنُ يَشْرَبُ في مِعاً واحِدٍ، والكَافِرُ يَشْرَبُ في سَبْعَةِ أمْعَاء».
ذكر العلامة المباركفوري في كتبه تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي، مناسبة هذا الحديث، بأنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعة رجال فأخذ كل رجل من الصحابة رجلاً وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً، فقال له ما اسمك؟ قال: أبوغزوان، قال: فحلب له سبع شياه فشرب لبنها كله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك يا أبا غزوان أن تسلم؟ قال: نعم، فأسلم، فسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها، فقال: ما لك يا أبا غزوان؟ قال: والذي بعثك نبيًا لقد رويت، قال: إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا معي واحد.
وأوضح المباركفوري في في شرحه للحديث، أن قوله (ضافه) أي نزل به (فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة) أي بأحلابها (فحلبت) بصيغة المجهول (فشرب) أي الضيف الكافر حلابها (ثم أخرى) أي ثم حلبت شاة أخرى (حتى شرب حلاب سبع شياه) الحلاب بكسر الحاء المهملة وخفة اللام اللبن الذي تحلبه والإناء الذي تحلب فيه اللبن، والمراد هنا الأول.
وأضاف: (ثم أصبح) أي الضيف الكافر (فلم يستتمها) أي فلم يقدر أن يشرب لبن الشاة الثانية على التمام (والمؤمن يشرب في معًا واحد).
وعرض المباركفوري اختلاف العلماء في معنى الحديث، فذكر أن الإمام الحافظ قال في الفتح: اختلف في معنى الحديث، فقيل ليس المراد به ظاهره وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء، فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوص الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها، فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل وعن أسباب ذلك بالأمعاء، ووجه العلاقة ظاهر.
وتابع: قيل: المعنى أن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام والحلال أقل من الحرام في الوجود، نقله ابن التين. ونقل الطحاوي عن أبي جعفر بن عمران نحو الذي قبله. وقيل المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة
الكافر، فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر. ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ،
واستطرد: قيل: بل معنى الحديث على ظاهره، ثم اختلفوا في ذلك على أقوال أحدها: أنه ورد في شخص بعينه واللام عهدية لا جنسية، جزم بذلك ابن عبد البر فقال: لا سبيل إلى حمله على العموم لأن المشاهدة تدفعه، فكم من كافر يكون أقل أكلاً من مؤمن وعكسه، وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله، قال: وحديث أبي هريرة يدل على أنه ورد في رجل بعينه، ولذلك عقب به مالك الحديث والمطلق. وكذا البخاري، فكأنه قال هذا إذا كان كافرًا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما أسلم عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر. وقد تعقب هذا الحمل بأن ابن عمر راوي الحديث فهم منه العموم فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيرًا من الدخول عليه واحتج بالحديث، ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما تقدم من ترجيح تعدد الواقعة، ويورد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها في حق الذي وقع له نحو ذلك.
واستطرد: والقول الثاني: أن الحديث خرج مخرج الغالب وليست حقيقة العدد مرادة، قالوا تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كما في قوله تعالى: «وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ» والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه
بأن مقصودًا الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة، ولخشيته أيضًا من حساب ما زاد على ذلك، وغير المسلم بخلاف ذلك، كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام، فصار أكل المؤمن لما ذكرته إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه، ولا يلزم من هذا اطراده في كل مؤمن وكافر، فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرًا إما بحسب العادة وإما لعارض يعرض له من مرض باطن أو لغير ذلك، ويكون في الكفار من يأكل قليلاً إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء، وإما للرياضة على رأي الرهبان، وإما لعارض كضعف المعدة.
واستكمل: والقول الثالث: أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده، فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته، كما ورد في حديث لأبي
أمامة رفعه: من كثر تفكره قل طعمه، ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه. ويشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الصحيح: إن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع، فدل على أن المراد بالمؤمن من يقصد في مطعمه،
وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة، ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية. وقد رد هذا الخطابي وقال: قد ذكر عن غير واحد من أفاضل السلف الأكل الكثير فلم يكن ذلك نقصًا في أيمانهم.
وألمح إلى أن القول الرابع: أن المراد أن المؤمن يسمي الله تعالى عند طعامه وشرابه، فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل، والكافر لا يسمي فيشركه الشيطان. وفي صحيح مسلم في حديث مرفوع: إن الشيطان يستحل الطعام إن لم يذكر اسم الله تعالى عليه.
ورأى أصحاب القول الخامس: قال النووي: المختار أن المراد أن بعض المؤمنين يأكل في معًا واحد وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء، ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة مثل معي المؤمن.
ويدل على تفاوت الأمعاء ما ذكره عياض عن أهل التشريح: أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها: البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة رقاق، ثم الأعور والقولون والمستقيم وكلها غلاظ، فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشره لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة، والمؤمن يشبعه ملء معًا واحد.
ونوه بأن القول السادس: قال النووي: يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر، صفات: هي الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن، وبالواحد في المؤمن سد خلته.
ولفت إلى أن القول السابع: قال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع.
والله تعالى أعلم