داعش فى بروكسل

لم تمر سنوات بل أشهر قليلة على حادث التفجيرات الفرنسية ليستيقظ العالم الأوروبي على تفجيرات جديدة من نفس النمط ضربت العاصمة البلجيكية بروكسل؛ ليصيب الزعر والفزع ليس الدولة فقط وإنما العالم الأوروبي الذي أصبح غير منفصل عن دائرة الإرهاب العالمي، الذي استفحل بجذوره في الشرق الأوسط وامتد إلى دول القارة الأوروبية لتجنى دول الغرب والولايات المتحدة مرارة ممارستها التعسفية في الشرق لينقلب السحر على الساحر، وتتحول دائرة الصراع لتتخذ أبعاداً مختلفة، وتظهر مدى قوة التنظيمات الإرهابية على اختراق أكبر الأجهزة الأمنية الغربية المحكمة. وهو ما ظهر بعد تفجيرات باريس من توعد داعش بهجمات في بروكسل وغيرها من العواصم الأوروبية.
ومن ثم يضعنا هذا الحدث أمام عدة اعتبارات هامة:
1.قدرة عناصر تنظيم داعش على اختراق الحدود وتحدي الأجهزة الامنية والقيام بالعملية الإرهابية بكل حرفية ودقة عالية، وإن دل يدل على مدى تمكن التنظيم من اختيار عناصره الانتحارية وتعليمهم بكل دقة ومهارة عالية في بيئة ملائمة للعمليات الارهابية كالعراق وسوريا وليبيا.
2.فشل الأجهزة الامنية الغربية في التأمين وكشف العمليات الإرهابية قبل وقوعها وهذا يدل على التواطؤ الكبير من قبل اجهزة الأمن سواء في فرنسا من قبل، أو في بروكسل الأمر الذي يشكك في مدى الارتباط والعلاقة بين تلك العناصر وبعض الأجهزة الأمنية إن لم تكن المخابرات الأوروبية ومعها المخابرات الأمريكية CIA شريكة في تلك العمليات وهذا ليس جديد على المخابرات الأمريكية التى طالما أثبتت تورطها في العديد من الحروب الأهلية والعمليات الإرهابية على مدى عقود سابقة.
3.قوة الخلايا النائمة وعناصر الذئاب المنفردة التي تتميز بحرفية عالية في أداء العمليات الإرهابية، والتى تتمتع بثبات عالٍ وضبط نفسي يدل على مدى دقة تدريب تلك الجماعات وانغماسها في المجتمع لحين استخدامها، والتي تعتبر من أخطر الجماعات بل وأشد خطرا من التنظيمات المرئية والمعروفة الظاهرة للعيان، لأنها تقوم بالعمليات الارهابية بشكل حرفي وبكل قوة وتكتيك وتقنية عالية وتعاود الاختفاء مرة ثانية، أو تنهي حياتها من خلال تفجير نفسها، مما يؤدي إلى نجاح باهر لهذه العمليات وبالتالي تظل نشطة بشكل كبير ويتزايد عددها لعدم القدرة الأمنية لتعقبها، خاصة عندما تكون قليلة العدد، أو انتهت بانتهاء العملية.
وهذا الذي ظهر في كثير من العمليات الارهابية الماضية والقائم معظمها على مجموعات الخلايا النائمة وعناصر الذئاب المنفردة لاختراق أي دولة مستقرة بكل سهولة، وتكتيك عالي، وهذا الذي حدث في تفجيرات الكويت وفرنسا والسعودية ومصر وتونس، وتركيا، ثم الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وآخرها بروكسل؛ حيث أشار العديد من المحللين ان مدينة مولينبيك في بلجيكا هي منبع الجماعات المتطرفة والمهمشة كما أثبتت التقارير أن 451 بلجيكياً قد سافروا للقتال في سوريا خلال الأعوام الماضية، وعاد منهم 117 شخصاً إلى بلجيكا، من ثم أصبح وجودهم يشكل تهديدا كبيرا، ويضع علامة استفهام في نفس الوقت على عدم استخدام السلطات البلجيكية أي إجراء ضدهم وتركهم داخل الدولة بالرغم انه باستطاعتها أن تمنع دخولهم أو تتحرى عنهم وتوقفهم قيد الاعتقال اذا أثبت تورطهم في القتال في سوريا والعراق.
أيضاً إن انتشار العمليات الإرهابية في الدول الغربية تضعنا أمام عدة احتمالات هامة وهي:
1.تعاظم التحالف الدولي خاصة الأوروبي الأمريكي في الشرق الأوسط خاصة في بؤر التوتر على حساب الوجود الروسي، للقضاء على فزاعة داعش، الأمر الذي ينذر بمزيد من الضربات الجوية على سوريا والعراق وليبيا مع ممارسة الضغوط الكبيرة على زعماء الشرق في محاربة الإرهاب، خاصة بما ضمان أمن إسرائيل في المنطقة المشتعلة.
2.تصدير صورة ذهنية للعالم عن الإسلاموفوبيا أو الإسلام المتطرف الذي أصبح شبحاً يهاجم العالم الأوروبي من وجهة النظر الغربية، من ثم يصبح تحجيم انتشاره أمر شرعي من خلال إغلاق المساجد أو الانشطة الدينية وممارسة الضغوط على المنظمات الإسلامية في الغرب.
3.وضع المسلمين في الدول الغربية والذي سيزداد مأساة وانتهاكاً بعد تلك العمليات الإرهابية مما يزيد الوضع سوءا ويعاظم من الكراهية الدينية والتنكيل بأوضاع المسلمين في تلك الدول تحت بند مكافحة الإرهاب وكشف الخلايا النائمة.
4.معاناة اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية خاصة في عمليات المداهمة والقمع وغيرها مع تعاظم ضبط الحدود من قبل الاجهزة الأمنية الأمر الذي ينذر بمزيد من الانتهاكات الإنسانية في حقهم.
ربما أصبحت دول أوروبا كبش فداء للتصارع الروسي الامريكي في الشرق برعاية سماسرة الحرب وأصحاب المصالح وعلى رأسها إسرائيل، وهو ما توضحه الممارسات الغربية في المماطلة في القضاء على داعش في الشرق الأوسط، ولا أدل على ذلك من أن داعش هو التنظيم الوحيد الآن الذي يتبنى العمليات الإرهابية حول العالم في مقابل تراجع وخفوت تنظيم القاعدة العالمي والتنظيمات الأخرى التابعة له كتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وحركة الشباب في الصومال وطالبان في أفغانستان والجهاد في الشيشان وغيرها، وهذا يدل على أن اللعبة أصبحت تسير في اتجاه واحد وهو الشرق الأوسط للوصول الى نظام عالمي جديد في تلك المنطقة قائم على التفتت يخضع خضوعا كليا للقوى الكبرى بما يحقق استنزافا هائلاً لكافة قواه، ويعمل على تعزيز أمن اسرائيل في الشرق بما يحقق التوطد الأمريكي، في ظل تنافس روسي إيراني.
هنا يصبح السؤال مثاراً دائماً وهو ما دور القوى العربية التي أصبحت دمية تتلاعب بها القوى الكبرى؟ وما دور التحالفات العربية والإسلامية في القضاء على تلك التنظيمات التي تستخدم كذريعة لممارسات القوى الكبرى؟