آراء العلماء في ستر العورة أثناء سجود الشكر

يعد سجود الشكر من أعظم ما يشكر به العبد ربه جل وعلا؛ لما فيه من الخضوع لله بوضع أشرف الأعضاء - وهو الوجه - على الأرض، ولما فيه من شكر الله بالقلب، واللسان والجوارح.
وأكد العلماء أن سجود الشكر من السنن النبوية الثابتة التي هجرها كثير من الناس، ويعد الخلاف في مشروعية سجود الشكر خلافاً ضعيفاً؛ لمخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كثير من أصحابه رضي الله عنهم في ذلك .
ويشرع سجود الشكر كلما حصلت للمسلمين نعمة عامة، أو اندفعت عنهم نقمة، أو حصلت للمسلم نعمة خاصة، سواء تسبب في حصولها، أو لم يتسبب، وكلما اندفعت عنه نقمة.
قال الإمام الشوكاني في كتابه "السيل الجرار" (1/175): فإن قلتَ: نعَمُ الله على عباده لا تزال واردة عليه في كل لحظة؟ قلت: المراد النعَم المتجددة التي يمكن وصولها ويمكن عدم وصوله ، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت
وذهب الشافعية وأكثر الحنابلة، وبعض الحنفية، وبعض المالكية، إلى أنه يشترط لسجود الشكر ما يشترط للنافلة.
ورأى بعض فقهاء أنه لا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة، من الطهارة، وستر العورة – ومنه الحجاب للمرأة -، واستقبال القبلة، وغيرها، وهذا قول كثير من السلف، واختاره بعض المالكية، وكثير من المحققين، كابن جرير الطبري، وابن حزم، وابن القيم، والشوكاني، والصنعاني.
واستدل أصحاب هذا القول الثاني: أن اشتراط الطهارة، أو غيرها من شروط الصلاة لسجود الشكر: يحتاج إلى دليل، وهو غير موجود، إذ لم يأت بإيجاب هذه الأمور لهذا السجود كتاب، ولا سنَّة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح، ولا يجوز أن نوجب على أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم أحكاماً لا دليل عليها.
واستندوا إلى أن ظاهر حديث أبي بكرة – "أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ" رواه الترمذي ( 1578 ) وحسَّنه ، وأبو داود ( 2774 ) وابن ماجه ( 1394 ) - وغيره من الأحاديث التي روي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجود الشكر، تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتطهر لهذا السجود، فخروره صلى الله عليه وسلم مباشرةً يدل على أنه كان يسجد للشكر بمجرد وجود سببه ، سواء كان محدثا، أم متطهراً، وهذا أيضا هو ظاهر فعل أصحابه رضي الله عنهم.
وأضاف أصحاب القول الثاني في استدلالهم، أنه لو كانت الطهارة - أو غيرها من شروط الصلاة - واجبة في سجود الشكر: لبيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمَّته ؛ لحاجتهم إلى ذلك، ومن الممتنع أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السجود ويسنُّه لأمته وتكون الطهارة - أو غيرها - شرطاً فيه، ولا يسنُّها، ولا يأمر بها صلى الله عليه وسلم أصحابَه، ولا يروى عنه في ذلك حرف واحد.
وتابعوا: أن سبب سجود الشكر يأتي فجأة ، وقد يكون من يريد السجود على غير طهارة ، وفي تأخير السجود بعد وجود سببه حتى يتوضأ أو يغتسل : زوالٌ لسرِّ المعنى الذي شُرع السجود من أجله .
واستكملوا: أن هذه الشروط من الطهارة وغيرها إنما تشترط للصلاة ، ومما يدل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلاءِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَذَكَرُوا لَهُ الْوُضُوءَ فَقَالَ : «أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَتَوَضَّأَ» – رواه مسلم ( 374) - وسجود الشكر ليس صلاة ؛ لأنه لم يرد في الشرع تسميته صلاة، ولأنه ليس بركعة ولا ركعتين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن له تكبيراً ولا سلاماً ولا اصطفافاً ولا تقدم إمام، كما سنَّ ذلك في صلاة الجنازة وسجدتي السهو بعد السلام وسائر الصلوات ، فلا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة.
واستطروا: وقياس السجود المجرد على سائر الأذكار التي تفعل في الصلاة وتشرع خارجها، كقراءة القرآن - التي هي أفضل أجزاء الصلاة وأقوالها، وكالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، فكما أن هذه الأمور لا تشترط لها الطهارة إذا فعلت خارج الصلاة - مع أنها كلها من أجزاء الصلاة -: فكذلك السجود المجرد.