عندما نعرف، ونطبق ما تحصلنا عليه من معارف، وصارت لدينا قناعة بما نؤديه، وما نعلم تفاصيله؛ فإن الوجدان لدينا يتشكل شيئًا فشيئا؛ لتصبح سلوكياتنا منضبطة، وقدرتنا على تقييم تصرفاتنا تساعدنا في تصويب ما قد نخطئ هدفه، أو نسدد رميته، وهذا ما يخلق المناخ الآمن؛ كي نواصل سبل اكتساب المزيد من الخبرات الجديدة، ومن ثم نتمكن من التنبؤ بمستقبل وفق ما لدينا من معطيات، ومقومات تسهم في ذلك.
متغيرات البيئة لا تسبب لنا صدمات، أو تجعلنا نحيد عن طريقنا القويم؛ لكن كثيرًا ما نتعلم منها، بل، وتحفزنا لأن نواجه تحديات، ومشكلات وأزمات، ولدينا الرغبة، والإرادة، والعزيمة في أن نصل لغايتنا، ونرسم سيناريوهات مفعمة بالأمل، والطموح يعلوها عطاء مستداما، وفيض فكر، لا ينضب، ويكسوه اتجاه إيجابي، وميول نحو بوابة التقدم، والازدهار؛ ومن ثم تتزايد الاستعدادات المستجيبة لكافة ما يدور في فلك الأماني.
كي نشكل واجدانا راقيا؛ فإنه لا بد من أن نعلى من قدر الاهتمام بمشاعر من نستهدفه؛ فنولى رعاية لآرائه، ونعقد لها من جلسات الحوار ما يسهم في تصويبها، وتقويمها، ونحترم القناعات، التي بين الجنبات؛ فيرى منا تقديرًا لكل ما يمارسه من أفعال، يتمخض عنها نتاجات ننشدها، وسلوكيات مرغوبة لدينا، وهذا بالطبع لا ينفك عن مراعاة حثيثة لكل ما من شأنه أن يساعد في تنمية مهارات التفكير بأنماطه العديدة.
مساحة البحث، والاستقصاء التي نمنحها لمن نريد أن يصبح لديه وجدان راق مهمة للغاية؛ فبواسطتها ينتقى ما يتعرض له من معارف؛ فيمحصها، ويخضعها دون جدال للنقد، بل، ويتأمل مكنونها بتحليل محتواها، وهنا نراه يتقبل ما يتماشى مع منطق العقل، كما يتثبت بالشاهد، والدليل؛ كي لا يقع في متاهة التضليل، التي تحملها أوعية غير موثوقة، أو موثقة، وأصبحت تملأ آفاق الفضاء الرقمي؛ لذا يتقبل صاحب الوجدان الراقي كل ما يتخلله الشك، والتشكيك.
مؤشرات رقي الوجدان نرصده في حُب الإنسان منا لمزيد من شغف الاستطلاع العلمي، والرغبة في التدرج بمستويات الفهم؛ ليصل إلى عمقه، ومطالعة جديد المعرفة، التي تشكل بنى معرفية، تصقل الخبرات، وترفع من مستويات التوقع، والطموح، كما تجعل الفرد متعقلًا نحو كافة المواقف، التي تتسم بالجدة، ناهيك عن منازلة التحديات، والمشكلات غير المألوفة؛ فيمارس صاحب الوجدان الراقي عمليات العلم الأساسية منها، والتكاملية؛ ليحقق مستويات من النضج الخبراتي.
أصحاب الوجدان الراقي ليسوا جامدين، أو منغلقين، أو لديهم حيز ضيق من الاستيعاب، والرؤى؛ لكنهم يتميزون بسعة الصدر، ورحابة الفكر، والتفكر، كما يمتلكون المقدرة على الفرز؛ فلا يتقبلون الغث، ويعززون من الثمين، بالإضافة، والثراء، ناهيك عن التزام خلقي نابع من قيم نبيلة، يؤمن بها، ويطبقها على أرض الواقع؛ فالشخصية جد سوية، والمعتقد يتسم بالوسطية؛ لذا فقد صار التواصل مع تلك الفئة مريحًا، وآمنًا؛ حيث إن الأذهان سليمة، ولا يشوبها فكر معوج، أو منحرف.
في حيزنا التربوي يمكننا أن نقدم الرعاية، التي يستحقها الفرد، وتسهم في بناء شخصيته؛ ليمتلك الوجدان الراقي؛ حيث المواقف المصممة بعناية في صورة أنشطة تعليمية رصينة، المكنون، والمكون وتتطلب في إنجاز مهامها روح العمل الجماعي، وشراكة الفكر؛ ومن ثم يمارس فلذات الأكباد مع بعضهم البعض الاستقصاء، والاستنتاج، والاستنباط؛ لتصنعَ، وتتخذَ القرارات، التي ترسخ المسئولية، والمخاطرة لديهم، بما يفتح المجال إلى مزيد من المشاركات على نطاقٍ واسعٍ، وهنا نتحدث عن توافق، وتكيف فردي، وجماعي في آن واحد، بما يحفز على الإنتاجية في خضم فلسفة التعاون؛ فيتخلى الإنسان منا عن أنانيته، ويصبح قويَّا بغيره، وبنفسه.
ذوات الوجدان الراقي إذا ما تمت مساعدتهم من خلال تقديم متلون الغذاء، والمشرب، متمثلًا في صور الخبرات، التي تخلق العلماء، والمثقفين، والفلاسفة، والمبتكرين، والمهرة في شتى المجالات، بل، القادة المؤهلين؛ قباطنة سفينة الوطن في بحور النهضة، ومحيطات الإعمار.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
د. عصام محمد عبد القادر يكتب.. الوجدان الراقي
