قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

تركيا تشرب دماء سوريا


الصراع الحالي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، يكشف بوضوح أن الورقة السورية، وبالذات قضية اللاجئين السوريين المتدفقين على أوروبا عبر تركيا نتيجة لتلك الحرب، هي ورقة رابحة بامتياز للجانب التركي. فهي ورقة ضاغطة على شعوب ودول أوروبا، تحاول تركيا استثمارها لتحقيق مكاسب كبرى لتركيا الأردوغانية، المبتعدة تدريجيا عل النهج الأتاتوركي الداعي لعلمانية الدولة، وذلك في مرحلة نبذت فيه الدول الأوروبية، بل ومعظم دول العالم، نهج الحكومات المؤسسة على الفكر الديني، دون الفكر القومي أوالعلماني، كجوهر وأساس لأنظمتها. وكان آخر الرافضين لهذا النهج هو جمهورية مصر العربية، عندما قامت بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي عن كرسي الرئاسة قبل أكثر من عامين، لكونه قد حاول فرض النهج الديني، والمتشدد منه، على نهج الحياة في مصر العربية، المتطلع شعبها الى حكومة وطنية توحد الشعب بكافة أطيافه وطوائفه تحت علم مصر التقدمية العربية، كما يكشف اسمها بوضوح عن توجهاتها.

فتركيا التي تطلعت طويلا للدخول في الاتحاد الأوروبي في وقت ظل فيه الاتحاد يماطل في قبولها وجدت في قضية اللاجئين السوريين المتدفقين على أوروربا، وسيلة للدخول في الاتحاد الأوروبي كعضو على أساس الأمر الواقع، يتجنب ضرورة تقبلها فيه كعضو رسمي، وذلك عن طريق فرض مبدأ التاشيرة الت التأشيرةشارة الحرة للأتراك، تسمح لهم بدخول الدول الأروروبية دون تأشيرة "شنجن" التي يحتاج طالبها للحصول عليها، فترة من الانتظار والتحقيق الأمني الطويل والدقيق في شأن صاحب الطلب.

فالتأشيرة الحرة كثمن مقابل للحد من تدفق اللاجيئن السوريين القادمين عبر تركيا الى الدول الأوروبية، كان مرشحا لأن يؤدي الى تدفق عشرات بل مئات الآلاف من الأتراك طالبي العمل، على الدول الأوروبية، والذين قدر البعض أن عددهم قد يصل في العام الأول، لمليون تركي من طالبي العمل والزيارة والاقامة في دول أوروبا، مما يعني استبدال عبء وأخطار قدوم اللاجئين السوريين وغيرهم من جنسيات أخرى، ليتم استبداله بقدوم مئات الآلاف من الأتراك الذين سيحتاج الكثيرون منهم تدريجيا، لدعم مالي من الدول الأوروبية التي يقيمون عليها، اذا ما تعطلوا عن العمل، وهو الدعم الذي أرادت دول أوروبا تجنب عبئه بالنسبة لللاجئين (اضافة الى مخاوف أوروبية من تسلل خلايا ارهابية نائمة تحت ستار اللجوء الانساني)، وارادت تركيا أن تحصده هي، عبر مواطنيها، نيابة عن اولئك اللاجئين البؤساء.

ولكن أردوغان أثار عدة مخاوف لدى الاتحاد الأوروبي، مما دفع الاتحاد للتردد في تنفيذ ذاك الشق من الاتفاق، مطالبا الرئيس أردوغان باجراء تعديلات على قانون تركي يتعلق بمكافحة الارهاب، مما يعني خسارة أردوغان للأسس التي يستند اليها في سجن ومحاكمة معارضيه، اضافة للسلطة الواسعة التي تخوله استخدام وسائل قد تكون وحشية أحيانا، في مكافحة الثورة الكردية في جنوب وشرق تركيا. وهكذا سرعان ما أعلن رئيس الوزراء التركي الجديد، عزوف تركيا عن تعديل قانون الارهاب حتى ولو أدى ذلك لخسارة مبدأ التأشيرة الحرة للأتراك.

فتركيا اذن هي التي تحصد وحدها نتاج الحرب القائمة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات.ردوغان أثار مخاوف كبيرة لدى أوروبا نتيجة اذ تتلقى اموالا طائلة من دول الخليج، مقابل فتح حدودها وتسهيل مرور المقاتلين والأسلحة عبر تلك الحدود المفتوحة لهم منذ زمن بعيد. وهي التي ظلت تشتري النفط السوري العراقي المستخرج من آبار نفط في مواقع تسيطر عليها الدولة الاسلامية، وهي تشتريه بثمن زهيد مما يفيد اقتصادها ويساعد الدولة الاسلامية على شراء مزيد من السلاح يمد في عمرها. واضافة الى كونها قد حصدت مكاسب اقتصادية جمة نتيجة تمكنها من الترويج لسلعها، بعد توقف العديد من السلع السورية المنافسة عن الانتاج بسبب الأحوال المتردية في البلاد نتيجة الحرب الضروس السائدة فيها... فانها تحصد أيضا المعونات المالية من الأمم المتحدة لمساعدة تركيا عل ايواء اللاجئين السوريين على أراضيها. وبما أن ذلك لم يكن حصادا كافيا، فقد شجعت بعض أولئك اللاجئين على الرحيل الى الأراضي الأوروبية باعتبارها موقعا أفضل لهم، بل وسهلت عبورهم بحر ايجة الى اليونان، والبحر الأبيض المتوسط الى ايطاليا، مما خلق أزمة اللاجئين المعروفة في أوروبا، وهي أزمة فرضت علي الاتحاد الأوروبي التفاوض مع تركيا، وعرضها دفع ما بات مجموعه ستة مليارات يورو، مقابل السماح لدول أوروبا باعادة اللاجئين الذين لا يحملون أوراقا رسمية... الى البر التركي... وذلك اضافة الى مساعيها للحصول على اقرار مبدأ التأشيرة الحرة للأتراك الراغبين في الذهاب الى أوروبا.

وهكذا يتبين تدريجيا، أن الحاصد الأكبر لمنتوج الحرب في سوريا، هو تركيا لا غيرها. ومن هنا يصبح من الطبيعي أن نتفهم معارضتها واعاقتها لكل الجهود الروسية الأميركية المبذولة لانجاح مؤتمر جنيف، وما يسعى لتحقيقه من انهاء هذا القتال غير المبرر اطلاقا، فهو منجم ذهب لا ترغب تركيا اطلاقا في خسارته. أما الخاسر الأكبر فهو سوريا والشعب السوري الذي دفع ثمنا باهظا نتيجة تلك الحرب. والخاسر الأكبر الآخر هو دول الخليج، التي أنفقت أموالا طائلة لتغذية تلك الحرب بالسلاح، ولاشباع الجشع التركي التي تقبض منه ثمن جهودها لتمرير السلاح والمقاتلين واستقبال ما تيسر من اللاجئين السوريين. وعندما فتحت جبهة اليمن كورقة تفاوضية تسعى لتخفيف اهتمام دول الخليج بالمسألة السورية، حولتها دول الخليج، ربما بناء على نصائح تركية، الى حرب أخرى ، مما أنهك الاقتصاد الخليجي، وتسبب باضطرار السعودية الى مواجهة عجز سنوي في ميزانتيها بلغ مائة مليار دولار، وأجبرها على ايقاف تنفيذ مشاريع حيوية للبنية التحتية، كما فرض عليها رفع أسعار الوقود والكهرباء وغيرها من القرارات التقشفية التي قاد اليها قرار خاطىء آخر بتخفيض سعر برميل النفط الى أقل من نصف سعره السابق.