قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

التنويم المغناطيسي وذئاب «داعش»


التنويم المغناطيسي أو التنويم الإيحائي كما يسميه البعض، هو قضية علمية معترف بها، وبات يستخدم أحيانا عوضا عن التخدير لدى إجراء عمليات جراحية طفيفة، وقد تم إجراء أول عملية لاستئصال ورم من الحنجرة بالتنويم الإيحائي (المغناطيسي) عوضا عن التخدير، من طرف الطبيبة المغربية "أسماء خالد"، وذلك بالمستشفى الجامعي بباريس (أبريل 2014). وقصدت الطبيبة اللجوء إلى هذا الأسلوب، حفظ الحبال الصوتية للمريضة التي تعمل كمغنية، وقد تمت العملية بنجاح.

وقد لعب التنويم المغناطيسي لآلاف السنين، دورا كبيرا في مجال الشفاء والمداواة. وحسب "منظمة الصحة العالمية"، فإن 90% من عامة الناس، قابلين للتنويم الإيحائي، فمثلا عندما تكون مستلقيا أمام التلفاز، كما تقول الدراسة، وفجأة تجد نفسك تغط في النوم دون إرادتك، فهذه الفترة التي تكون قبل النوم والتي يكون فيها جسدك في كامل استرخائه، هي التي تسمى التنويم، ففي هذه الحالة، أنت نومت نفسك بنفسك، كما يقول بعض الدارسين لهذا المضمار من العلم.

وهذه الفترة، كما تذكر الويكيبيديا"، هي التي يستغلها المعالجون النفسيون لترسيخ شيء ما بعقلك اللاواعي، وذلك عن طريق الإيحاء لك الذي هو ركن التنويم المغناطيسي.

وفي العصر الحديث، ذهب البعض إلى حد القول إن التنويم المغناطيسي يستخدم في القضايا السياسية أيضا، إذ يقول Ralph Benko في دراسة له عنوانها: "هل دونالد ترامب، هو من سياسيي تنويم الجماهير مغناطيسيا"، يقول "إن المرشح الأمريكي دونالد ترامب يبدو وكأنه يستخدم التنويم المغناطيسي للتأثير في جمهور مشاهديه".

ويدعي "سكوت آدامز" (Scott Adams) أن "ترامب" هو سيد السحرة، ويستخدم التنويم المغناطيسي للتأثير في مشاهديه، ورأى أحدهم أن هذه وجهة نظر تستحق التوقف عندها، فدونالد ترامب "على أرض الواقع، كما يدعي البعض، يستخدم تقنية أو تكتيكا لا يمكن تمييزه عن التنويم المغناطيسي"، وقد تكون هذه الأقوال، من باب توجيه النقد للمرشح دونالد ترامب، أو من باب الدعاية الإيجابية له، بتصويره على أنه ذو قدرات خارقة.

ولكن دراسة نشرها مركز الدراسات الدولية بعنوان "دراسة حول التطرف العنيف (أو نحو العنف)"، ذكرت أن "داعش"، يستخدم أساليب التنويم المغناطيسي لتجنيد مواطنين من أوروبا في صفوفه. وتقول الدراسة إن "صورة تساوي ألف كلمة".

وتضيف الدراسة أن هذه "حقيقة استوعبها داعش وتنظيم القاعدة، واستخدماها في محاولاتهما لتجنيد شباب لينضموا إلى صفوفهما"، ولذا لجآ إلى إصدار العديد من الصور والبوسترات التي تدعو كلها لتبني دعوة التنظيم.

وتفسر الدراسة المذكورة قولها ذاك، إن "الصور تتكلم بشكل مباشر مع عقولنا"، فهي تتجاوز الأعصاب، كما تقول الدراسة المذكورة، وتمر متجاهلة أي تفكير عقلاني، "فهذه الصور وما يرافقها من قول أو حديث أو خطابات عبر الإنترنت وقنواتها الإعلامية، "فيها إيحاء يكاد يبلغ مرحلة التنويم المغناطيسي"، الذي هو علم مبني على الإيحاء.

ويذكر مركز الدراسات الدولية في دراسته حول التطرف العنيف، أن داعش ومثله تنظيم القاعدة اللذين بنيا دعوتهما للجهاد على أسس من بعض الآيات القرآنية وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كانت تطلق عبر قنواتها الصوتية على الإنترنت، دعوات متكررة لتبني أفكارها.

وكان أكثر المتحدثين قدرة على التأثير بصوته المتميز وقراءته المؤثرة، هو "أنور العولقي"، من قياديي القاعدة، والذي مكث حتى يوم اغتياله، يطلق دعواته الصوتية الموجهة للمسلمين في الغرب، داعيا إياهم إلى الجهاد، فصوته الناعم ذو القدرة الإيحائية والموجه باللغة الإنجليزية لمن يتكلمون اللغة الإنجليزية، كان له تأثير كبير في إقناع البعض بتشكيل مجموعات إرهابية، ويعتقد أنه كان من بينها ما يعرف بمجموعة "تورنتو -18" المكونة من 16 كنديا وأمريكيين اثنين، والتي خططت لتفجير شاحنة ملأى بالمتفجرات في أحد ضواحي تورنتو، كما خططت لاقتحام البرلمان الكندي وقطع رأس رئيس وزراء كندا أمام أعضاء البرلمان، كما تقول الدراسة التي أعدها المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف.

ويضيف المركز المذكور، أن عدة مجموعات إرهابية أخرى كانت متأثرة بخطابات العولقي الإيحائية، ومنهم النيجيري "عمر فاروق عبد المطلب" الذي حاول في عام 2009، اختطاف طائرة كان ينوي التوجه بها نحو مدينة ديترويت الأمريكية في ليلة عيد الميلاد، لتنفيذ عملية إرهابية كبرى، فالإرهابي عمر فاروق، كان شديد التأثر بخطابات أنور العولقي كما تقول الدراسة.

ومثله أيضا الأخوان "تانزاييف" اللذان نفذا التفجير في بوسطن في عام 2013 ، واعتبر عملهما من أول أعمال ومنجزات الذئاب المنفردة، فهذان الأخوان، كما كشف التحقيق مع الأخ الذي بقي حيا منهما وخضع لمحاكمة على عمله، أنهما كانا شديدا التأثر بخطابات أنور العولقي وبصوته الداعي للجهاد بنبرة إيحائية مؤثرة.

ومثلهما كان "أنور حسن"، وهو طبيب نفسي يعمل في صفوف الجيش الأمريكي، إذ إنه هو أيضا كان متأثرا جدا بخطابات العولقي، بل وبات على اتصال مباشر معه عبر الإيميل، إلى أن نفذ المذبحة الكبرى التي وقعت في معسكر "فورت هود" بتكساس، وذهب ضحيتها عدد من الجنود الأمريكيين.

وهنا يرجح الاحتمال أيضا بأن تكون الذئاب المنفردة العاملة سواء في أوروبا أو أمريكا أو استراليا أو كندا، هي أيضا تتحرك متأثرة بخطابات مشابهة لخطابات أنور العولقي، الذي حل محله بعد مقتله، أكثر من متحدث بارع قادر على التأثير الإيحائي، بل وعلى غسل أدمغة مستمعيه، ليقدموا بعدها على الانطلاق نحو تنفيذ عملية ما.

ورغم أن أولئك غالبا ما يعملون بشكل منفرد بعيدا عن الاتصال بداعش، لا يستبعد البعض أن بعضهم ربما يتم اللجوء إلى استخدام الهاتف الخلوي للاتصال بهم إذا ما تم التعرف إلى توجههم الإسلامي المتشدد وإلى اعتناق أفكار داعش.

وهناك عدة أفلام سينمائية هوليوودية المصنفة ضمن أفلام الإثارة والغموض، قد ظهرت في الماضي وترجح لاحتمال استخدام الهاتف كوسيلة للتنويم المغناطيسي وتوجيه من يخابرونه هاتفيا لتنفيذ عمل ما، لكن الدكتور مونتغومري ينفي احتمالات استخدام الهاتف الخلوي أو غيره من الهواتف، كوسيلة للتنويم المغناطيسي الإيحائي.

ففي مقال كتبه "توم هاريس" اقتبس فيه قولا للدكتور مونتغومري مفاده أن الادعاء بأن الإنسان يمكنه أن ينوم نفسه مغناطيسيا باستخدام هاتفه الخلوي I-PHONE هو ادعاء غير صحيح وبمثابة الدعاية الجوفاء وخداع للنفس.

ومع ذلك لا يستطيع أحد تحديد الكيفية والأسباب التي تدفع الذئب المنفرد للتحرك في يوم معين لتنفيذ عملية ما خطر على باله تنفيذها، فإذا كان لداعش دور في غسل دماغه وإقناعه بمبادئها ودعوتها، عبر ما تبثه من خلال الإنترنت من خطابات دعوية مؤثرة، أو تنشره من بوسترات تترك آثارها وبصماتها في أدمغة أولئك، فإن اختيار الهدف لعملية الذئب المنفرد، واختيار موعد التنفيذ بل والسلاح المستخدم، يظل كما يبدو من اختيار الذئب المنفرد نفسه، ما لم يكن هناك تدخل ما غير مباشر من قبل الدولة، ليس بالضرورة عبر استخدام الهاتف، بل عبر تحريك إحدى خلاياها النائمة للتدخل والتأثير في قرار الذئب المنفرد.

فالذئاب المنفردة التي اعتنقت أفكار داعش المتشددة، لا بد وأنها تتردد على الجوامع القريبة من مكان إقامتها، وهذا التردد المتواصل والمثابر، لا بد أن يلاحظه بعض المنتمين لداعش والمنتمين لصفوفها، وتواجدوا في مكان ما، كخلايا إرهابية نائمة تنتظر أوامر الدولة للتحرك في مهمة ما يكلفون بها، فبعض هؤلاء قد يلجأون نتيجة ملاحظتهم لمثابرة أحدهم على التردد على جامع ما، إلى محاولة التأثير فيه، وتوجيهه نحو القيام بعمل ما.

وقد يكون التأثير الذي ترك بصماته على الذئب المنفرد، أو الشخص المتردد على ذاك الجامع، مجرد تأثير عادي، أو معتقد ديني متشدد لنشأته في أسرة في غاية التدين، وقد يكون نتيجة الاستماع لنهج الإيحاء أو التنويم المغناطيسي، أو مجرد التأثير الناتج عن الدعوات المتكررة الصادرة عن داعش من خلال الإذاعات المرئية أو المسموعة التي ترعاها تلك الدولة، وفي حالة كهذه يكون عمل عضو الخلية النائمة والذئب المنفرد، قد تضامنا معا لتنفيذ عملية إرهابية ما، فعضو الخلية النائمة يوحي بفكرة العمل وخطواته، والذئب المنفرد يقوم بالتنفيذ دون أن يكون عالما بأنه تم توجيهه لتنفيذ ذاك العمل البغيض.

لكن ذلك يظل مجرد احتمال، فقد لا تتواجد خلايا نائمة في منطقة تواجد ذئب منفرد ما، ومع ذلك يقوم الذئب المنفرد بتنفيذ عمليته البغيضة، وفي حالة كهذه، وهي الحالة الغالبة، يظل الذئب المنفرد منفردا بتخطيطه، وفي اختيار نوعية العمل الإرهابي الذي سينفذه، بل وفي اختيار السلاح المستخدم في التنفيذ، دون تدخل أحد في قراره أو في كيفية وموقع التنفيذ.

وتلك هي الصفة الغالبة على هذا النوع من العمليات، ما يعني أن دور داعش يقتصر على التأثير عليه بأفكارها وطروحاتها، عبر ما يسمعه منها من خطابات دينية وتبشيرية، إضافة إلى بوستراتها العديدة التي تؤثر فيه وتغسل دماغه عبر الإيحاء غير المباشر، والذي قد يبلغ درجة ولو صغرى من درجات وأنواع التنويم المغناطيسي عن بعد، والذي قد يكون من أكثر مؤثراته، ليس مجرد الدعوة للتشدد الديني، بل ما يرافقها من وعود بالجنة، بل وبالحوريات العذارى الاثنين والسبعين التي يوعد بها الذئب المنفرد، أو الإرهابيين المنتحرين عادة، إذا ما نفذ عملية ما مناصرة ومؤازرة لدعوة داعش التي ما فتقت تبتكر أساليب الإيحاء والتجنيد وغسل الأدمغة البريئة، أو كانت إلى حين بريئة، لكنها انجرفت أخيرا وراء النداء الذي يأتيها من مجهول، من إنسان لم يلتق به قط، وقد لا يلتقيه أبدا إلا في الجنة الموعودة له ولأمثاله من المضللين.