قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

«أوباما» بين تحرير الرقة وإهداء حلب للإرهابيين


إذا كانت عملية تحرير الموصل تتم بتوافق أمريكي عراقي، أي نتيجة اتفاق واضح مع الدولة صاحبة الأرض التي يسعى الطرفان لتحرير إحدى مدنها، مع رفض عراقي متواصل لأي دور تركي في عملية التحرير هذه، فإن عملية تحرير الرقة يسودها غموض حول من يشارك فيها. وهل تقتصر المشاركة فيها على القوات الأمريكية التي لا تمتلك قوات أرضية، أم أنها ستشرك القوات السورية فيها، علما أن الغارات الجوية الأمريكية وحدها بدون مشاركة قوات أرضية، لن تنجح بتحرير حي واحد من أحياء المدينة.

ويقدر المخططون العسكريون أهمية وجدوى تزامن معركة الرقة مع معركة الموصل لسببين:
أولهما كي لا يتطلع الدواعش إلى الفرار من الموصل والاحتماء بالرقة، فالمعركة المتزامنة في المدينتين، تجعل عملية الاحتماء بالرقة غير مجدية، طالما أنها هي أيضا ستواجه معركة مشابهة، علما أن ما يثير بعض الشكوك التي تعزز ذلك، أن الموصل قد حوصرت من ثلاث جهات، وتقول بعض الأنباء إن الجهة الرابعة وهي الجهة الغربية التي يمكن التوجه منها نحو الأراضي السورية، قد تركت مفتوحة. ولا يعلم أحد إن كان ذلك أمرا عفويا، أو نتيجة عدم توافر الإمكانيات، أم ترى كان متعمدا كي تتمكن قوات الدولة الإسلامية من الفرار عبرها والتجمع في مدينة الرقة، إمعانا في الكيد للدولة السورية.

وثانيهما احتمال وجود اعتماد من دواعش الموصل على إمكانية استحضار مقاتلين من الرقة إذا ما ضاق بهم الحال، وواجهوا ضعفا وحاجة لتعزيز قواتهم، فتحريك معركة الرقة أيضا وفي وقت متزامن مع معركة الموصل، يجعل كل مدينة بحاجة للاعتماد على ما لديها من قوات، دون توقع قدوم إمدادات من مدينة أخرى.

والواقع أنه طالما حث المحللون السياسيون والعسكريون على وجوب تزامن المعركتين، كي لا تصبح أي منهما، في حال الانفراد بمعركة منفصلة في أيهما، من تحول المدينة الآمنة منهما، لنقطة إمداد وإغاثة وعون للمدينة المهاجمة. فلا اعتراض إذن على تزامن المعركتين. كل ما في الأمر، أن الكثيرين يتساءلون عن قانونية انفراد القوات الأمريكية بالتخطيط لهذه المعركة ضد مدينة الرقة، واتخاذ قرار منفرد بشأنها.

فسوريا هي صاحبة الأرض، وانسجاما مع ما تقتضيه القوانين الدولية، يفترض مشاورتها والحصول على موافقتها المسبقة، تماما كما حصل مع العراق، قبل الإقدام على الشروع بمعركة تحرير الموصل. فالمعركة في الموصل هي معركة العراق وبقرار عراقي، ودور التحالف الأمريكي الأساسي هو مساندة العراق فحسب. ونتيجة ذلك، لم تستطع حتى الولايات المتحدة، ورغم وساطة شخصية ومباشرة من آشتون كارتر بين العراق وتركيا، أن تفرض على العراق تقبل التدخل التركي في تلك المعركة، مع تأكيد حيدر العبادي المتكرر بأنه لا دور لتركيا، فالموصل معركة العراق والعراقيين.

ويبدو أن القوات الأمريكية لا تكتفي بالتخطيط منفردة لتحرير الرقة، فهي توافق ربما منفردة أيضا، على مشاركة قوات الحماية الكردية وجيش سوريا الديمقراطي فيها (رغم الاعتراض التركي)، والتي أشاد أشتون كارتر (اليوم بالذات) ببأسها وبقدراتها القتالية والتي أثبتتها بجدارة (كما قال) في معاركها الأخيرة ضد الدولة الإسلامية في الشمال السوري. ويقول المثل العربي: "مين يشهد بجمال العروسة إلا أمها وأختها وخالتها؟"، فالولايات المتحدة هي أم وأب وجد ومربي قوات الحماية الكردية وجيش سوريا الدمقراطي، والذي شكلته ودربته ليصبح البديل الأمريكي لجيش سوريا الحر الذي بات الابن البار لتركيا.

والواقع أنه لا أحد يستطيع أن ينكر جدية وشجاعة الأكراد في مقاتلة الدولة الإسلامية سواء في سوريا أو في العراق، ولكن لا بد من ملاحظة أن الأمر لم يتوقف على الشجاعة وحدها، فقد رافقها تدريب أمريكي للأكراد، ودعم متميز بالكم والنوع للسلاح المقدم لأكراد العراق وأكراد سوريا. والأهم من ذلك، الدعم المعلوماتي الاستخباراتي الأمريكي لهم، والذي يساعدهم على تحقيق إنجازات باهرة نفرح ونسر بها كثيرا، لكونهم يقاتلون قوة غاشمة هي الدولة الإسلامية التي يكرهها الجميع.

وقد تنبه الكثيرون في السابق لمدى الاهتمام الخاص والمتميز الذي تبذله الولايات المتحدة لحماية أكراد سوريا والعراق، عندما لاحظوا عنفوان هجماتها على قوات الدولة الإسلامية التي كادت تحاصر أربيل (في العراق) في يوليو 2014، وعندما حاصرت فعلا بعد شهور قليلة عين العرب (كوباني) (في سوريا)، ثم في الدعم المتميز لتحرير جبل سنجار والقرى المحيطة به من مقاتلي الدولة الإسلامية، وأخيرا دعمها لهم في المعركة التي خاضتها قوات الحماية الكردية ولم تزل تخوضها في الشمال السوري، مطاردة مقاتلي الدولة الإسلامية أينما وجدوا في المنطقة ذات الأغلبية الكردية.

ولا أريد الخروج عن الموضوع، ولكني أود التذكير بأن هذا التعامل والدعم الخاص للأكراد، ليس مرده الرغبة المحضة في مقاتلة الدولة الاسلامية، بل هو مجرد خطوات مبدئية نحو تنفيذ مشروع الشرق أوسط الجديد لكن بثوب جديد، ومحوره تشكيل دولة كردية مستقلة (أعتتقد أن لهم الحق الطبيعي بها)، على أجزاء تقتطع من العراق وسوريا وإيران وتركيا، باعتبار أن الولايات المتحدة في معرض حرصها على تجنب الخروج عن القانون الدولي، لا تقوم الآن بتفتيت دول المنطقة، الأمر المنتقد والمعارض دوليا، إذ أنها في حالة الأكراد، (ولغرض خاص غير معلن ربما له علاقة بضمان أمن إسرائيل)، تساعد الآن شعبا يتطلع إلى الحصول على حقوقه القومية في الحرية والاستقلال في كيان خاص به.

فبعد تأكيد أشتون كارتر أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات أرضية للمشاركة في معركة الرقة، كشف عن أنها سوف تستعين بجيش سوريا الديمقراطي في عملية عزل الرقة، دون أي إشارة لدور ما للقوات السورية في ذلك، مضيفا أن القوات الكردية أثبتت بأنها الأقوى والأكثر تنظيما وقدرة قتالية من أي قوات أخرى في المنطقة. وتبريرا لهذا الإعلان الأمريكي المثير للجدل، ينطلق الجنرال ستيف تاونسند، المشرف على إدارة عمليات القتال في الشمال السوري، مشيدا بكفاءة وبطولة قوات الحماية الكردية وقوات جيش سوريا الدمقراطي، قائلا إنها أثبتت بسالة وكفاءة عالية في معارك تحرير مساحات واسعة من شمال سوريا من مقاتلي الدولة الإسلامية، خصوصا في معركتي دابق ومنبج"، مضيفا: "ولكننا بحاجة لتدريب مزيد منهم".

ولا تشير التصريحات الأمريكية لأي تنسيق في هذا الشأن مع الحكومة السورية، خلافا لتنسيقها المطول والواسع والممتد في الزمن من ناحية التخطيط المسبق مع الحكومة العراقية، وذلك ما لم يكن هناك اتفاق سري بين الولايات المتحدة من ناحية، وروسيا وسوريا من ناحية أخرى، وهو اتفاق لم يكشف عنه بين الطرفين. يعزز احتمال وجوده، مشاركة طائرات هليكوبتر سورية في تقديم الدعم لقوات سوريا الدمقراطية يوم الثلاثاء 25 أكتوبر التي كانت تخوض معركة ضد جيش سوريا الحر المدعوم والمتبنى من قبل تركيا، علما أن الرئيس بوتين قد قال بصراحة إن محاولاته للتنسيق ما مع أوباما من أجل إنهاء حمامات الدم في سوريا، قد باءت بالفشل.

وهنا لا بد أن نلاحظ أن أكراد سوريا في جيش سوريا الدمقراطي، هم أيضا سوريون ولم يقاتلوا إلا في بعض المناوشات العابرة (في الحسكة) ضد الدولة السورية، وبالتالي سوف يكون بوسع الولايات المتحدة الادعاء بأنها لم تهمل تماما الدور السوري في عملية الرقة التي تتذبذب التصريحات الأمريكية بين كونها عملية لتحرير مدينة الرقة، وعملية لعزل المدينة، ربما منعا لانتقال مقاتلي الموصل إليها، أو قيام مقاتلي الدولة الإسلامية في الرقة، من إرسال تعزيزات لمقاتليها في الموصل.

ويرجح المحلل السياسي التركي عمر كوشكو، أن الحديث الأمريكي ما زال يقتصر على عزل الرقة وليس تحريرها، فإذا اقتصر الأمر على مجرد عزل المدينة، يكون الأمر عندئذ ممكنا وقابلا للتنفيذ مكتفين بمشاركة جيش سوريا الدمقراطية، أما اذا امتد الأمر ليبلغ مرحلة تحرير المدينة، فتلك عندئذ عملية أكبر وتحتاج لقوات كبيرة على الأرض لا يمكن أن يكتفى معها بمشاركة قوات جيش سوريا الدمقراطي المحدود عددا.

وتهدد تركيا التي باتت الآن تنسق إلى حد ما مع روسيا، بأنها بمجرد انتهائها من تحرير مدينتي الباب ومنبج، سوف تتوجه هي أيضا نحو الرقة، رغم اعتبار سوريا المتحالفة مع روسيا، لكن المنسقة (روسيا) بدورها مع تركيا، بأن التدخل التركي في الشمال السوري، هو عدوان سافر على السيادة السورية.

وقد لاحظنا من قبل، كم القوات التي حشدها العراق لتحرير الموصل، إذ ضمت قوات الجيش العراقي كاملة، والقوات الخاصة، وقوات الحشد الشعبي، وقوات الحشد العشائري، إضافة إلى القوات التي شكلها أثيل النجيفي (المحافظ السابق للموصل) والمؤلفة من أبناء مدينة الموصل، وإلى جانب أولئك كلهم، هناك قوات البيشمركة الكردية الموازية لجيش سوريا الديمقراطي، فهل يمكن بعد ذلك تحرير الرقة، باكتفاء الولايات المتحدة بالاستعانة بجيش سوريا الديمقراطي، ما لم يكن المطلوب فعلا، هو مجرد عزل الرقة لا تحريرها.

إذن سيختلف الأمر عندما تتطور المعركة لتبلغ مرحلة معركة التحرير التي لا أرجح أن الولايات المتحدة راغبة فيها حقا، إذ تريد إبقاء الرقة تحت الاحتلال الداعشي، كشوكة ضاغطة وتفاوضية في خاصرة الدولة السورية، تماما كما هو الحال بالنسبة للإبقاء على جيش فتح الشام (النصرة)، وجيش الإسلام، وكتائب أحرار الشام، ونور الدين زنكي، وكتائب الرسول المصطفى، ومقاتلي التركمان التابعين لتركيا، وغيرها من القوات المعارضة للحكومة السورية.

فمعركة تحرير الموصل إذن، شيء يختلف تماما عن معركة تحرير الرقة غير المرغوب بها خلافا لمعركة تحرير الموصل التي يرغب الرئيس أوباما في إنجازها بنجاح تام لسببين، أولهما إنهاء عهده قريب الانتهاء بنصر عسكري، وثانيهما التكفير عن خطأ جوهري ارتكبه في شهر (يونيو) 2014 ، عندما رصدت أقماره الصناعية مواكب طويلة لجيش الدولة الإسلامية، تسير متهادية، منطلقة من الأنبار متوجهة نحو شمال العراق، ومع ذلك لم تفعل الولايات المتحدة شيئا لإيقاف زحفها، ما أدى نتيجة سيطرتها على محافظات عراقية كبرى ثلاث، وعلى ما فيها من أسلحة وقوات مسلحة، إلى التحول إلى مارد عسكري بات بحاجة إلى ثلاثة تحالفات دولية لاستئصاله أو تحجيمه.

ففي تلك المرحلة، كانت الولايات المتحدة ترغب في استقواء الدولة الإسلامية (وهو ما يفسر عدم إجهاض تحركها ذاك نحو المحافظات الثلاث)، لتستطيع استدراج التنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة، لفك ارتباطها بذاك التنظيم، ومبايعة الدولة الإسلامية القوية ذات الصفات الماردية، أما الآن وقد تمادت الدولة الإسلامية في شططها المغولي، فقد بات من الضروري تقزيمها، في العراق على الأقل، لإعادة تحجيمها من ناحية، ولتكفير الرئيس أوباما عن ذنب خطير ارتكبه، وذلك كإنجاز أخير له قبل رحيله. أما الرقة فشيء آخر، آخر تماما. ومع ذلك يمكن استخدام الدعوة لتحريرها، وهي دعوة غير حقيقية وغير جادة، ولكن يمكن استخدامها كجزرة إغراء لاستدراج الحكومة السورية لسحب قواتها المحاصرة لحلب، بغية حشدها حول الرقة بزعم الرغبة في تحريرها.

فالمطلوب أمريكيا اذن، هو عزل الرقة وليس تحريرها، فإذا كان تحرير الموصل يخدم مصلحة أمريكية، فإن بقاء مدينة الرقة تحت هيمنة الدولة الإسلامية، يخدم أيضا مصلحة أمريكية تفاوضية، ومثلها بقاء جبهة النصرة (فتح الشام) في شرق حلب. والتوجه نحو عزل الرقة، بادعاء أنها خطوة نحو تحريرها، إن هو إلا مجرد استدراج للنخوة السورية الحكومية، لتتخلى عن حصار شرق حلب، والتوجه بقواتها نحو المشاركة في مهاجمة الرقة التي لن تهاجم، بل سيكتفى بحصارها خدمة لمصلحة تحرير الموصل، وللإبقاء على كل الخناجر المغروسة في جسم الدولة السورية، مغروسة فيها إلى أن يتم الحل لتلك المعضلة بالأسلوب والنهج الذي تريده الولايات المتحدة.