قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

خالد أبو النجا وبسمة.. جنس ودين وسياسة وعرب!


منتج أمريكى، ومؤلف (كاتب سيناريو) ومخرج إسرائيلى وآخر بريطانى اتفقوا أن يصنعوا مسلسلًا عن العرب.. فى رأيك ماذا تكون النتيجة؟!.. سؤال ثان: ماذا لو كان موضوع المسلسل «الربيع العربى» بأحداثه الدرامية وشخوصه التى تبدو لنا - نحن أصحاب الحدث - الأن أسطورية، وأحداثه العفوية الخارجة من ضمائر وقلوب الشعوب العربية التى أثقلتها الآلام والآثام أو تلك الأحداث المرتبة من الخارج لدفع هذه الشعوب إلى درجة الغليان.. هل تكون هذه الأحداث طبخة جيدة لعمل درامى يعكس حقيقة الواقع العربى؟! والسؤال بصيغة خيالية أخرى: هل يخرج «الجرح الملوث بالخراريج» حال انفجارها مادة الحياة أقصد دمًا نقيًا أم يُخرج سمومًا؟!

سؤال ثالث قبل أن ندخل فى الموضوع: هل يُشرّف أى فنان مصرى أن يشارك فى عمل تجارى تافه ومسطح ومقرف وأقرب للمنشور السياسى منه للعمل الفنى، يشوه هذا العمل عن عمد هوية هذا الفنان وقيمه إلا أن المشارك فى العمل هو نفسه مؤمن بما يحمله من طرح ؟!

(1)
الأسئلة الثلاثة السابقة تتعلق بمسلسل أمريكى عنوانه «TYRANT» وترجمتها «طاغية» من إنتاج أمريكى وكتب بعض حلقاته مؤلف إسرائيلى وشارك فيه عدد من الممثلين العرب إلى جوار إسرائيليين ومصريين فى أدوار ثانوية وأشهرهم خالد أبو النجا وبسمة، وثالثهما سامى الشيخ الذى ذهب قبل سنوات إلى أمريكا للدراسة وتوجه إلى هوليوود يأكل "عيش" بجوار دراسته فأسندوا له أدوار الكومبارس العرب الإرهابيين، وعاد قبل شهور إلى مصر يعطينا دروسًا فى الفن والمحاكاة والنسبية؟! أما الرابع ويدعى أمير المصرى فهو هذا المراهق «الفرانكوآراب» الذى جسد دور الطالب المتأمرك الفاشل فى فيلم رمضان أبو العلمين حمودة.

هؤلاء الأربعة المنسوبون بالجنسية إلى مصر أو غيرهم من الممثلين العرب المنتمين إلى جنسيات أخرى ومنها الفلسطينية لا يمكن – فى اعتقادى - أن يشاركوا فى مثل هذا العمل الذى يتحدث عن العرب صراحة ومجازًا، حقيقة وخيالًا، ويتناول حياتهم وقيمهم وثوراتهم التى اشتهرت كما أرادها الغرب بـ «الربيع» إلا عن قناعة من الممثلين المشاركين بمحتوى العمل واتفاقه مع قناعاتهم الفكرية والنفسية، هذه حقيقة أولى يجب أن ننتبه إليها.

وخبرتنا عن أبو النجا وبسمة زوجة عمرو حمزاوى، تنبئ أن قناعاتهما عن مصر وباقى أوطان العرب لا تختلف كثيرا عن الصورة التى عكسها مسلسل «طاغية» والذى لم يكن حكمى عليه من خلال الحلقات التى شاهدتها بأحسن من حكم النقاد والصحافة الأمريكية التى اتهمت المسلسل بأنه وقع فى فخ النمطية، وفشل فى كشف أى جديد عن وضع الشرق الأوسط المعقد لم نكن نعرفه من قبل، أو كما قالوا إن الطاغية (المسلسل) لا يوحى بواقع العالم العربى فعند مشاهدته يشعر المرء أن ما تراه عيناه هو عالم خيالى استلهم من أفلام ديزنى يخلو من سمات عربية أو إسلامية، والعنصر الوحيد الذى يربط هذا العمل بالشرق الأوسط هو الأسماء العربية لشخصياته.

وأهم وأول الملاحظات التى دعتنى للتصدى لهذا العمل الردىء وتحديدا الجزء الثالث والأخير منه هو رسائله الملغمة عن العرب والثورة المصرية التى يستنسخ احداثها وشخوصها بسذاجة ويعيد تدويرها فتفهم إذا كنت مشاهدًا مصريًا أن مؤلف المسلسل يقصد أشخاصًا بعينها نعرفها وشخصيات عامة ساهمت من خلال أدوار مختلفة لعبتها فى دفع الأمور إلى ما آلت إليه قبل أو بعد ثورة 25 يناير 2011 بداية من الحاكم الديكتاتور الذى تستهدفه الثورة وجسد شخصيته ممثل فلسطينى (أشرف برهوم) وزوجته الراغبة فى توريث ابنها للسلطة وجسدتها ممثلة إسرائيلية (موران أتياس) والأخ الشقيق للحاكم وهو طبيب جاء من أمريكا بعد سنوات عشرين إلى وطنه يحضر مناسبة عائلية ويحمل على كتفيه إيمانه بقيم الغرب الليبرالية غير طامع فى السلطة التى تتوارثها عائلته (آل الفايد) والشخصية تذكرك بالصورة النمطية التى تم تصدير البرادعى بها للمجتمع المصرى قبل الثورة، وهناك أيضًا الثوار الشباب ورجل الدين الوسطى والجهاديون الذين أسسوا إمارة إسلامية فى سوريا والسفيرة الأمريكية القوية التى تتدخل فى شئون دولة الديكتاتور وأروقة الحكم وتكاد توجه الأمور كما تريد بعد الثورة، ويدور الصراع هذه الشخوص فى طبخة «سبايسى» تشمل الدين والجنس «والشذوذ» والسياسة هذه التابوهات الثلاثة التى تضمن النجاح التجارى الذى حقق المسلسل جانبا كبيرا منه عبر الملايين الذين شاهدوه فى الغرب من خلال عروض أجزائه الأولى!

(2)
ودعونا نبحر فى دماغ الإسرائيلى «جدعون ريف» مؤلف حلقات الجزء الثالث حتى نفهم كيف، ولماذا اختار الأسماء التى وردت فى المسلسل بداية من اسم الدولة الوهمية التى تدور فيها الأحداث وحتى أسماء الشخصيات.
أطلق المؤلف على الدولة التى تدور فيها الأحداث اسم «عابودين» استلهاما من العبودية والعبيد الذين يسوقونهم الطغاة، أما الحاكم الطاغى فقد اختار له اسم جمال إسقاطا على الصورة النمطية التى رسمتها الميديا الغربية للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وماذا عن اسم لعائلة تمتلك المال والسلطة ؟! أكاد أسمع القائمين على المسلسل يهتفون: عائلة الفايد التى عرفها أيضا الغرب من خلال الدعاية شديدة السلبية عن عائلة الفايد وخاصة بعد القصة الشهيرة لـ «دودى الفايد والأميرة ديانا»، أما زوجة الحاكم الديكتاتور فاسمها ليلى حداد التى تعترف فى جزء من المسلسل أنها ابنة رجل فقير وخادمة فى البيوت انتمت لعائلة الفايد بعد أن تزوجت الرئيس فارتدت ثيابهم وصارت واحدة منهم قاسية وقوية، والاسم والسمات يذكران على الفور بزوجة بن على التونسية ليلى الطرابلسى، وابن العائلة المتنور الليبرالى القادم من أمريكا فهو بسام وتدليله «بيرى» وجسد شخصيته الممثل البريطانى «آدم راينر»، هناك أيضا كبير الياوران فى بلاط عابودين رجل السلطة وخادم كل العصور «عزيز» و «تل جيزة» بلدة فى عابودين ترسل أبناءها إلى دولة الخلافة فى سوريا، وبطلة الثورة أو أيقونتها اسمها داليا وسألت نفسى: هل تم استيحاء الاسم من داليا مجاهد أم داليا زيادة ؟! والأولى هى المستشارة السابقة للرئيس أوباما لشئون الأديان؟! والثانية ناشطة حقوقية ومديرة سابقة فى مركز ابن خلدون ومؤسسة مركز الإسلام الليبرالى، ومترجمة قصة الكفاح السلمى للسود فى أمريكا ليستلهمها الثوار الشبان العرب فى كفاحهم السلمى وللداليتين علاقات بالأمريكان والثورة والإسرائيليين، أما الجزء الثالث من «طاغية» فيحمل اسم «ربيع».

(3)
صراع الجزء الثالث للمسلسل يبدأ بعد الثورة (المصرية أو التونسية) باعتقال زوجة الرئيس الديكتاتور الذى يرقد طريح فراش الموت على أثر محاولة اغتياله التى نفذتها زوجة ابنه أحمد، ويقود البلاد خلفا له فيما يشبه مرحلة انتقالية أخوه (بسام الفايد) الطبيب الذى عاش فى أمريكا لمدة طويلة ونجا من الموت بعد أن ألقى به أخوه فى الصحراء ليموت عطشًا وجوعًا فأنقذته أسرة بدوية أحب ابنتها «داليا» وأنجب منها ابنًا قبل أن يعود إلى وطنه وتدفعه ظروف الثورة والفوضى السياسية فى وطنه الأصلى عابودين إلى مقدمة الأحداث لكنه لا يطمع فى السلطة بل يدفع الأطراف المتصارعة على السلطة والشخصيات التى يثق فى نزاهتها ووطنيتها للترشح فى انتخابات عامة.. وفى ذات الوقت يطالب شعب «عابودين» للمصالحة بعد الاعتراف بأخطاء الماضى، وهى نفس فكرة العدالة الانتقالية التى ينادى بها الغرب ويدفع البلدان إليها فى مثل حالات ثورات الربيع العربى وفى الفترة الانتقالية التى تمر بها «عابودين» هناك ليلى السيدة الأولى السابقة التى أدارت الأمور من وراء ستار أثناء حكم زوجها يساندها «عزيز» الذى يشير إلى مؤسسات الظل العميقة التى تقدم خدماتها لكرسى الحكم وتستمد منه سلطتها فى ذات الوقت تسعى بعد الإفراج عنها للصراع مجددًا على السلطة وهناك أيضًا رجل الدين الثائر – ويجسده خالد أبو النجا ويعتقل بعد الثورة ثم ما يلبث أن يفرج عنه ويجلس على طاولة صُنّاع مستقبل الوطن الجريح «عابودين» التى تحلم أن تنسلخ من العبودية إلى النموذج الديمقراطى الغربى وفى طليعة الحالمين تجد الشباب الذين يبحثون عن بطل يقودهم ، وأمريكا حاضرة بقوة فى الأحداث عبر سفيرتها والقائد الأمريكى العسكرى الذى جاء إلى «عابودين» على متن طائرة تحمل جنود مارينز ليدخل فى مفاوضات مع حكام البلاد الجدد ويساومهم فى صفقات تضمن المصالح والوجود العسكرى والسياسى لأمريكا فى «عابودين» وتدور الأحداث على هذا المنوال كأنك بالفعل تتابع بعض الكتابات السطحية عن أحداث الثورة المصرية.

(4)
والذى نبهنى وطلب منى الكتابة عن المسلسل أحد الأصدقاء وليس تلك الضجة التى أثيرت منذ أسابيع قليلة واتهم فيها خالد أبو النجا وبسمة بالتطبيع بعد مشاركتهما فيه وإشاعة إنه إنتاج إسرائيلى، وهو سلوك اتفقت النقابات المهنية المصرية على رفضه منذ سنين ولم تنكص فيه حتى اليوم على الرغم من المحاولات اليائسة التى بذلت قبل ثورة يناير من الليبراليين الجدد ومنظريهم ولجنة سياسات الحزب الوطنى لتشجيعه، وانتهت الضجة بإثبات أبوالنجا من خلال صورة العقد الذى يحمله أن إنتاج المسلسل أمريكى، وانجلى غبار المعركة على النسيان وانشغل إعلامنا بقضايا أخرى دون التطرق إلى المسلسل أو مضمونه الذى اعتمد على أفكار مختزلة فى الغرب «ستريو تايب» عن العرب حشر فيه صناع المسلسل مشاهد مقرفة للشذوذ بين الشباب (العرب) ومنهم ثوار وخيانات جسدية لا تصدر حتى عن الحيوانات التى تحركها الغريزة وحكم نهائى باستحالة وصول العرب للديموقراطية وفشل ثواراتهم واغتيال الإسلام الوسطى الذى عكسته شخصية الشيخ حسين القاضى الذى جسده خالد أبو النجا ولم ينهه جلال الشخصية من أن يظهر فى مشاهد جنسية وتطرف وظل لداعش وحكايات أخرى لا توصف إلا بالقذارة تم صبها فى قالب سياسى استلهم أفكار التحول الديمقراطى وموقف الغرب من الثورات العربية وخاصة السورية والمصرية..

والملحوظة الأخيرة التى يجب أن ننبه عليها فهى أنه ليس كل من شاهد المسلسل فى الغرب استقبله بعقلية الناقد الذى يميز الفن الجيد من الردىء أو عقلية المثقف الباحث عن الحقيقة .. حقيقة العرب وماحدث فى بلادهم مع الربيع العبرى!