قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

"مين اللى جاي وزير إعلام ؟!"


"للمهنة رب يحميها".. هكذا ينطق لسان حالهم إذا أثيرت القضية التى تشغل بال كثيرين، وقد تكرر المشهد الآتى معى وربما معك وأنت داخل إلى مبنى ماسبيرو من أحد أبوابه العديدة وأثناء انتظار استخراج تصريح الدخول عند موظف الأمن يدخل معك أحدهم فى حوار سريع ينتهى بالسؤال: "هم هيعملوا فينا إيه؟!" لكن هذا السؤال يسبقه غالبا هذا الحوار:

حضرتك صحفى ؟ أيوه هو القانون الجديد بتاع الإعلام صحيح هـيحيل 10 آلاف من العاملين فى المبنى (يقصد ماسبيرو) للمعاش المبكر؟.. ده مش موجود فى القانون لكن وارد تحصل إعادة هيكلة للعاملين وإعادة تأهيل عشان يرتقوا بالرسالة الإعلامية ويعود التليفزيون المصرى للمنافسة لأ هم مش عايزين التليفزيون بتاعنا هم مين؟!.. (لا إجابة) ثم يسألك السؤال الفاجورة: طب مين اللى جاى وزير إعلام؟

(1)
وفى استراحة الزوار قبل دخول الاستديو لتسجيل برنامج أو الخروج به على الهواء.. لا ينقطع حبل المناقشات بينك وبين مضيفيك من فريق الإعداد أو الإخراج ومنهم أصدقاء وغالب الحوارات فى الأيام الأخيرة كلها تدور حول قوانين الصحافة والإعلام ونقابة الإعلاميين.

هذه هى عناوين الكلام أما تفاصيله فلابد أن تتطرق إلى أزمة التليفزيون وأسبابها وكيف يمكن أن يحلها قانون الإعلام والصحافة الموحد، ويعرج الحديث غالبا إلى ما يتردد عن القنوات التى سوف يتم دمجها، وتلك التى سوف تغلق، أو تعود للبث الأرضى وليس الفضائى، وعن الكادر المالى الذى سوف يشمل الإعلاميين والصحفيين فى المستقبل القريب بعد تطبيق القوانين الجديدة ولابد من التطرق أو التندر بمقارنة الأحوال المادية للعاملين تحت مظلة اتحاد الإذاعة والتليفزيون ونظرائهم فى الفضائيات الخاصة (كلاس إيه وبى).

وينتهى النقاش الذى يكون قد وصل إلى درجة الغليان بمشاركة يتبادل فيها الجمع الغضب واللعن على حوافز البرامج المتأخرة وبدلات المظهر المتدنية وأرقام ما يحصل عليه نجوم الفضائيات الفلكية ولا مانع من استرجاع ذكرى الملايين الستة (فى قول آخر تسعة) التى كان يحصل عليها محمود سعد من التليفزيون المصرى وقد فضحه أنس الفقى على الهواء بعد الثورة المباركة عندما أعلن هذا الرقم و.. ويقسم احد الحاضرين من أبناء ماسبيرو فى أسى: " والله نحن أشطر منهم فقط يمنحونا إمكانيات ويشوفوا ماذا سنفعل! "

(2)
وعلى العكس مما سبق تجد المشهد فى المؤسسات الصحفية القومية يلفه الهدوء، لا صخب فى أروقة وصالات التحرير فى الصحف والمجلات التابعة للدولة وكأنها استسلمت لمصيرها الذى لا يستطيع أحد أن يتنبأ به تمامًا أو حتى يتخيله وهم صنّاع الخيال، وسبب هذا الهدوء إما غياب الصحفيين أنفسهم خارج هذه الدور الصحفية بسبب عملهم فى الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية المختلفة التابعة للشركات المساهمة والخاصة والحزبية وقد صارت أكثر من أن تحصى أو تعد، وأشبه بمحطات المترو يمكث الصحفى فى الواحدة منها إلى أن تأتى قاطرة أخرى (أقصد صحيفة) تنقله إلى محطة جديدة أبعد فى مشواره المجهد الذى لم يعد يعنيه منه فى الغالب الأعم إلا تحسين مستوى دخله حتى يستطيع أن يعيش مثل البنى آدميين أو على الأقل مثل زملاء له سبقوه فى المشوار واشترى شقة تمليك فى فيصل بعد أن كان يتقاسم وخمسة من زملاء له شقة إيجار فى كعابيش، وتزوج وركب سيارة (ممكن تعيد ترتيب الاحتياجات حسب هرم ماسلو أو أى نموذج لأهرام أخرى غير جورنال الأهرام الحلم المستحيل بأمكانياته المادية على باقى الصحفيين القوميين) فالماديات هى الأزمة الأولى للصحافة القومية أما المهنة فلها رب يحميها.

(3)
وقانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام أحدث وأول إصدار فى التشريعات المنتظرة لتنظيم سوق الصحافة والإعلام فى مصرنا الغالية، هذا القانون فى الحقيقة لم يشغل كثيرا أو قليلا بال طبقة الشغّيلة فى الصحف القومية بقدر ما شغل طبقة الإدارة العليا الممثلة فى رؤساء التحرير ومجالس الإدارات، فهؤلاء هم المعنيون بالتغيير لإنقاذ المؤسسات المتعثرة اقتصاديا والمتردية مهنيا، وبعبارة أخرى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الصحافة (والإعلام) التابع للدولة والذى يكاد ينصرف عنه جمهور المتلقين.

والأمل الوحيد أن يأتى فرسان جدد من أجيال لديها حلم امتلاك مفاتيح تجربة ليثبتوا جدارة تم تغييبها عن عمد، وهؤلاء الفرسان موجودون يحاربون معارك دونكوشتية فرضت عليهم خلال أعمارهم التى أخلصوا فيها لمهنتهم ومؤسساتهم الصحفية القومية، وناموا واستيقظوا على حلم الارتقاء بصحفهم وبالمهنة التى يمارسونها لكن لا يتحكمون فى مخرجاتها النهائية التى يسأل عليها فى المقام الأول والثانى وربما الثالث رؤساء التحرير وأسوأ هؤلاء الأخيرين واحد شاخص ببصره إلى حيث توجد السلطة التى أتت به وأجلسته على كرسى لم يكن ليجلس عليه لولا دعاء أمه ومهارات أخرى ليس من بينها أبدا المهارات الصحفية، لهذا ولأسباب أخرى فهم فقط لا يظهرون ولاءهم للسلطة (كل سلطة وأى سلطة) ولكن أيضا يزايدون على توجهاتها وسياستها بالحق والباطل ويطبلون ويزمرون دون أن يطلب منهم ذلك، ودون إدراك منهم ولا من السلطة أن هؤلاء الدببة تقتل أصحابها ولا تفيدهم.

لقد مرت أيام كثيرة قبل ثورة يناير وست سنوات بعدها وأحلام وأشواق التغيير تتجدد مع كل خبر عن التغييرات الصحفية فى الصحافة القومية ثم سريعًا ما تؤدى الأحلام مع رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة القادم الجديد وغالبهم من شلة أو عشيرة أو جهات مسئولة عن الاختيار، والمختار موصى عليه من قريب من السلطة أو (مقدم) خدمات أو (نقيب) خاله والمعيار الوحيد الغائب على الدوام هو الكفاءة .. ولا تسأل عن المهنة.

(4)
والسؤال الذى يبقى محبوسًا بين قوسين لا يغادرهما هو: "هل ستغير قوانين الصحافة والإعلام الجديدة حال الصحافة والإعلام فى مصر؟!" . اليائسون يجيبون بابتسامة سخرية كأنك تسألهم عن توفير لبن العصفور فى الأسواق.

والمتفائلون يأملون خيرًا فى تفعيل مواد ثلاثة فى دستور 2014 تحمل أرقام 70، 71، 72 (يمكنك أن تعود إليها فى نص الدستور) ، أما أنا فأقول لك إن المُشرّع من خلال هذه المواد الدستورية أو فى بعض مواد قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام الذى أختلفت عليه وحوله الجماعة الصحفية ، هذا المشّرع مارس حقه فى الحلم أمامنا جميعا بصوت مسموع حين رص كلمات سائحة فى زبدة الحلم ودبج تشريعات حلّقت فى سماء المثالية.

وما أن تنزل هذه المواد إلى أرض الواقع وتختلط بطينه لن تجرؤ على الإعلان عن وجودها وكيف تفعل أمام الكارهين للإصلاح والمتمسكين بقواعد اللعبة البالية التى لا يعرفون غيرها والبلداء والفاشلين وتجاذبات أصحاب المصالح المتضاربة.

أقول لك سوف تعود القوانين محبوسة حبرا على ورق فى الأدراج ولن يبقى خارجها إلا الإداريات أو ما يسيِّر أحوال المؤسسات ويحافظ على بقائها وبقاء بيوت العاملين فيها مفتوحة، أما المهنة وتطويرها وتفعيل مواثيقها وضبط أداء العاملين فيها وحوكمة المؤسسات ووضعها على طريق الحداثة التى تتعامل مع الإعلام كصناعة جبارة ذات تأثير خطير على أحوال العالم ومع الممارس الصحفى أو الإذاعى أو التليفزيونى أو الفضائى لن يبقى ما يتعامل معه بقدر تأثيره فى جماهير المتلقين لرسالته الإعلامية.

لا تنتظر شيئا من هذا فى القريب العاجل .. وأقصى ما أتوقعه أن تظل أمور مهنة الصحافة والإعلام فى شد وجذب ما بين السلطات التشريعية والتنفيذية والمهيمنين على سوق الإعلام الخاص المقروء والمرئى والإلكترونى، ويبقى القطاع العريض من الصحفيين والإعلاميين فى المؤسسات القومية والتابعة للدولة ينتظرون معجزة مرسلة من السماء (وليس القوانين) أو مخلِّص يصلح الأحوال فإذا ما حدث هذا ساعتها يمكن أن تسأل عن أحوال المهنة.