من أخرج هذا "الزومبي" من قبره؟!

أشبه بشخصيات جورج روميرو الكاتب والمخرج الأمريكي، الذى صنع مجده فيلم رعب يحمل عنوان "ليلة الموتى" الأحياء يحكى عن ساكنى القبور الذين يمسهم سحر فيبعث فيهم شكلًا من أشكال الحياة فيقوموا من قبورهم ليسيروا بين الناس منومين مجردين من وعى الذات واسمهم التراثى الكسالى، والدرامى «الزومبى».
وأشبه بهم هذا البرادعى الذى ظهر فى حياتنا فى ظرف ضعف وهوان فحسبناه مبعوث العناية الإلهية الذى أهدتنا إياه السماء فإذا بوجهه حين سقطت عنه الأقنعة وجه ميت تفوح منه رائحة العفونة ويتغشاه الكرب، فيلقى ما عنده من قئ الفتنة ثم يختفى فننساه فيمسه مجددًا سحر آتيا من بلاد بعيدة فيخرج من قبره مجددًا ليطل علينا من «صفحة تويتر» أو «شاشة الجزيرة» وأخيرا «شاشة العربى»، ونسأل مندهشين من أو ما أغراه بالعودة إلى الحياة هل هى مبادئه؟!
لا أعتقد لأنه بدلها فى السنوات الست أو السبع الماضية أكثر مما بدل أحذيته .. هل عشق الأضواء المبهرة التى يتيحها الظرف السياسى والأحداث التى تضرب بلاد العرب تحديدًا؟! .. لا شك الشهرة مغرية .. أو لعله الثمن الذى يدفع له مقابل الظهور فى الفضائيات الممولة من قطر؟! لا تتعجل فى الإجابة فهناك أمور أخرى وأسلحة أخرى أكثر ضغطا وتأثيرا على تحريك الزومبى.
(1)
مشاهد ثلاثة لم تخرج من الداخل المصرى بل جاءتنا فى مقالات تتناول ملامح من سيرة البرادعى السياسة التى أسس لها قبل عام تقريبا من ثورة 25 يناير 2011 ، ونحن نحتاج للأسف بين الحين والآخر لاستعادة هذه المشاهد التى ليس لها تقريبا أى علاقة مباشرة بالحاضر ولكن نستعيدها من باب تنشيط الذاكرة وتحفيز جسد الوطن وعقله لمقاومة ميكروب البرادعى الذى ينشط بين الحين والآخر فيهدد وعى البعض أو يخلط البعض بينه وبين ظروف الواقع وتحدياته مع الاختلاف الكبير بين بعض الضائقات الحياتية أو المعيشية وفتنة شخص يهدد بأكاذيبه ودعايته الوطن ويعرض أمنه للخطر,
وبشكل مباشر لا ينبغى أن نقع فى فخ الخلط المتعمد للأوراق والأشخاص، أو نسقط من ذاكرتنا الأعداء والطامعين فى السلطة على جثة هذا الوطن والذين باعوا وتربحوا وجلسوا يحتسون الخمر سكرانين على استغاثات نساء العرب وأطفالهم وشبابهم الغض بل ورجالهم وهم يقاومون الموت ويحسبون آهات الألم نغمات للتطريب.
(2)
فى المشهد الأول هذا المقال الذى نشرته صحيفة «الديلى نيوز» فى وقت مبكر من الثورة المصرية بعد هروب البرادعى واختفائه، وصدمة القوى الغربية فيه، تلك القوى التى كانت تعده وتراهن عليه للوثوب على السلطة والحكم فى مصر بمساعدة النشطاء الذين غررت بهم وقد جاء فى المقال الذى حمل عنوان: «دور البرادعى فى الثورة المصرية» نقلا عن رامى لكح رجل الأعمال، الذى حاول أن يركب الموجة الثورية أن الأخير كشف لمراسل «الديلى نيوز» عن اختفاء الدكتور محمد البرادعى وكيل مؤسسى حزب الدستور عن الساحة السياسية وعدم قدرة القوى السياسية للوصول له بداية من عصر يوم 28 يناير وحتى تنحى الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
واضاف لكح للصحيفة قائلًا: "اختفى البرادعى ولم يظهر إلا بعد سقوط الرئيس مبارك ذهب لمدة 10 دقائق للميدان واختفى".
وتابع لكح قائلا ما نصه: "يوم 28 يناير الساعة الخامسة والنصف اجتمعت القوى السياسية فى مكتب الدكتور أيمن نور بحزب الغد بحضور الدكتور أسامة الغزالى حرب وقلنا للغزالى أن يبلغ الدكتور محمد البرادعى أن القوى السياسية قد فوضته لتولى رئاسة الجمهورية فى المرحلة الانتقالية".
كما كشف لكح عن سر خطير ومفاده أنه حدثت اتصالات بين القوى السياسية وكافة السفارات الأجنبية فى مصر يوم 28 يناير 2011 لإبلاغها بتولى الدكتور محمد البرادعى رئاسة الجمهورية فى المرحلة الانتقالية وهو ما تخلف عنه البرادعى ولم يستطيعوا الوصول إليه.
ولم يكن هذا هو الهروب الأول للبرادعى فقد كشف نائب رئيس حزب الوسط المحامى عصام سلطان المحبوس حاليًا على ذمة بعض القضايا المتعلقة بالإخوان عن هروب سابق للبرادعى من مصر قبل الثورة وعدم تمكن القوى السياسية المعارضة من الوصول إليه، وأنه عاد يوم 28 يناير بعد غياب طويل وبعد أن أبلغهم أنه لن يواصل العمل فى صفوف المعارضة.
(3)
فى المشهد الثانى نعود على طريقة «الفلاش باك» إلى هذا الحوار الذى أجرته مجلة «دير شبيجل» الألمانية قبل ثورة يناير تسأل فيه ويجيب البرادعى وقد ارتدى «سالوبت سوبرمان»:
دير شبيجل: منذ 6 أشهر فقط أعلنت أنك ستنسحب من الحياة العامة بعد 12 عاما مديرا عاما لوكالة الطاقة الذرية فى فيينا، والآن الدكتور محمد البرادعى يتحدى الرئيس المصرى حسنى مبارك، فما الذى حدث؟.
البرادعى: " فى اللحظة التى عدت فيها لمصر فى فبراير الماضى، كنت أريد فقط أن أقضى إجازة هادئة فى منزلى بالهرم، لكننى وجدت أمامى أكثر من 1500 مواطن مصرى فى استقبالى بمطار القاهرة، تنوعت فئاتهم بين طلبة وتجار وعمال والكثير من النساء، منهن مصريات محجبات، وكلهم كانوا يهتفون بالتغيير ويطلبون منى مساعدة مصر فى تغيير شكل مستقبلها، بل كنت مصعوقا عندما هتف بعضهم مناديا بى رئيسا لمصر!"
(4)
فى المشهد الثالث هذه الفقرات من مقال لى نشرته فى هذه المجلة بتاريخ 18 / 08 /2013 وفيه كتبت الآتى:
لا تندهش إذا أخبرتك أن المعلم الأول وصاحب التأثير الكبير فى التكوين النفسى والقيمى للدكتور محمد البرادعى قائد انتفاضة مصر (ثورة 25 يناير 2011) هو البروفيسور اليهودى «توماس فرانك» الذى هرب وهو صبى مع أسرته من معتقلات النازى بصحبة عائلته إلى برلين ثم أمريكا التى نشأ وترعرع فيها ليصبح فيما بعد الباحث الشهير البارز فى القانون الدولى الذى يقدم مشورته للدول حديثة الولادة، أو المتحررة حديثا من الاستعمار.
حيث ساهم فرانك فى صياغة دستور تنزانيا، ومثّل البوسنة والهرسك فى المحكمة الدولية فى لاهاى ضد صربيا المتهمة بجرائم الإبادة الجماعية، تخيلوا يهودى يقف ضد القتل الجماعى للمسلمين .. واو .. وتعليقى : وماذا ينفع دفاع المحامى عن قتيل عربى أو مسلم بعد أن مات وشبع موتا.. هل يمكن أن يعيد له الحياة ؟!.
المهم أن فرانك هذا هو أستاذ البرادعى ومعلمه الأول الذى ألتقاه فى وقت مبكر من سبعينيات القرن الماضى وكان محمد البرادعى الشاب قادما من القاهرة إلى نيويورك ليستكمل تعليمه فكان أن سقط فى حجر فرانك يتتلمذ على يديه وكان معروفا لدى الأخير أن والد البرادعى الذى تولى رئاسة نقابة المحامين المصرية على خلاف دائم مع نظام الرئيس عبدالناصر.
وأصبح فرانك دليلا يقود البرادعى لفهم الواقع وتوسيع رؤية الأخير للأمور، أو كما قال البرادعى فيما بعد: «كان لفرانك حقا دور فعال فى أن يجعلنى أفهم ما أحتاجه لأن أنظر إلى الصورة العالمية لأننا نحتاج دائما ألا نأخذ أى شىء كأمر مسلم به ولكن نعتمد التفكير الناقد قبل صياغة آرائنا».
وفى معظم أحاديثه كان البرادعى يردد بفخر: فرانك له دور أساسى فى تشكيل آرائى بشأن الكيفية التى سوف أواصل بها مسيرتى فى المستقبل.
ولم يقتصر دور فرانك فى حياة البرادعى على الجانب المتعلق بالبناء الفكرى والقيمى فقط ولكنه ساعده فى مشواره الوظيفى، فهو الذى أوصله للعمل فى الأمم المتحدة، واعتمد البرادعى على نفسه بعد ذلك فى الصعود الوظيفى فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفى عام 2009 وبينما كان فرانك عائدا من مهمة فى مقدونيا التى تسعى للانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبى، هبطت طائرته فى فيينا التقى البرادعى وزوجته على العشاء وحضر هذا اللقاء شريك لفرانك يدعى مارتن دالى وهو الذى نقل تفاصيل هذا اللقاء - لوسائل الإعلام - وما دار فيه من حديث عن نية البرادعى فى الترشح لرئاسة مصر، حيث سيذهب برجليه إلى القاهرة الخطرة دون أن يبدو عليه القلق.
«كان البرادعى يقاسم معلمه اليهودى حب الحرية فشكرا لمدينة نيويورك سيدة الحرية»، هذا ما انتهى إليه كاتب المقال الغربى فى جريدة الديلى نيوز والذى نقلت عنه ما سبق من سيرة البرادعى وقال أيضا هذا الكاتب فى مقاله فى مقاله إن معلم البرادعى اليهودى كان شاذا جنسيا لكنه تزوج من رفيقه المثلى قبل وفاته بعامين .. ولا أقصد من إيراد هذا إلا الإشارة لبعض من مفاهيم الحرية التى يتبناها الغرب وفرانك والبرادعى ويعتبروها حقا من حقوق الإنسان .
هذا هو البرادعى وهذه حقيقته فهل يمكن أن نستدعيه أو يٌصدره أحد لنا ليدخل حياتنا مجددا وننخدع فيه مجددا؟ لا أظن.