قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

قطر بين القاعدة وداعش


الأزمة بين دول الخليج وقطر لها أبعاد كثيرة، ولا أحد يعلم الى أين تتجه. فالخلاف بين هذه الدول قد تفاقم، واعتقد البعض أنه ربما وصل إلى طريق مسدود. وإذا كان الفصل الأول من الأزمة قد أدى لاستقدام قوات تركية، فهل من المحتمل أن يتطور الأمر، في الفصل الثاني من الصراع، لاستقدام حرس الثورة الإيرانية ليقبعوا على الحدود القطرية السعودية، فلا تعود المملكة بالتالي بحاجة لأن تذهب بعيدا لتقاتل إيران، بعد أن باتت القوات الإيرانية وحرس ثورتها الإسلامية، قابعين على حدودها مباشرة.

وتدل بعض المؤشرات على أن قطر ربما تملك أوراقا أكثر تلعب بها، مما تملكه دول الخليج من أوراق. فقطر تعد منذ زمن بعيد بدهاء وذكاء مفرط يبدو أن الأمير تميم قد تميز به، ليوم كهذا، فالتحالف الاستراتيجي الذي وقعه الأمير القطري الشاب مع الرئيس التركي أردوغان منذ عام 2014، كان رؤية مبكرة تشكل ردا على التعهدات التي طالبته بها المملكة السعودية في عام 2013، فوعد بها، لكنه لم يلتزم بها، ما اضطر السعودية لمطالبته في عام 2014، بالتوقيع على وثيقة خطية تتضمن تلك التعهدات. وقد وقعها على مضض في إحدى القواعد العسكرية السعودية بحضور أمير الكويت كشاهد على هذا الاتفاق، ولكن ليذهب بعدها إلى تركيا ليوقع معها ترياق وثيقة السم التي اضطر للتوقيع عليها مع السعودية، وتمثل ذلك في المعاهدة الاستراتيجية سابقة الذكر التي وقعها مع الرئيس أردوغان.

وفي المقابل، فإن الورقة الكبرى التي يمكن للدول الخليجية الثلاث أن تلعبها في وجه قطر، هي ورقة طرد قطر أو تجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي. ولكن حتى هذا الإجراء قد يكون مشكوكا بفاعليته، لكون طرد قطر أو تجميد عضويتها في المجلس، وهو العنصر الرئيسي في العقوبات اللاحقة المتوقعة، يحتاج إلى إجماع دول الخليج، ومن المرجح أنه لا سلطنة عمان أو إمارة الكويت، ستوافقان على إجراء كهذا.

وتتحدث السعودية ودولة الإمارات عن إجراءات قانونية وسياسية ضد قطر، لكن أيا منهما لا يحدد بعد كنهها أو مضمونها، وما إذا كانت مفيدة ، منتجة، أو حتى قابلة للتنفيذ، هذا في الوقت الذي تملك فيه قطر الكثير من الأوراق إضافة لورقتي تركيا وايران.

ومن الأوراق التي قد تملكها سرا وخفية، ورقة تحريك خلايا نائمة هنا وهناك تابعة للدولة الإسلامية أو للقاعدة، أو حتى لطالبان التي تملك قطر علاقة وثيقة معها، وذلك للعمل ضد مصالح بعض دول الخليج، بغية إضفاء لمسة من الربيع العربي، وما حمله من دمار لبعض الدول العربية.

فإذا كانوا يتهمونها بكونها ممولة للإرهاب، فإن ما لفت نظري أنها ربما لم تكن مجرد ممول لبعض الحركات الارهابية، بل هي مؤسسة لبعضها. فقد لاحظت أن الخلاف الكبير الأول الذي نشب بين السعودية وقطر، قد بدأ في عام 2013، وهو العام الذي حصل فيه الانشقاق بين أبو محمد الجولاني، أمير تنظيم القاعدة في سوريا، وأبو بكر البغدادي، أمير حزب الدولة الإسلامية القادم من العراق، ليقاتل الحكومة السورية إلى جانب أبو محمد الجولاني وتنظيم القاعدة الذي انتمى الرجلان إليه.

فدولة قطر ربما كانت تقف وراء نشوب النزاع بين الرجلين، والذي أدى لظهور داعش في ذاك العام، وهو التنظيم الذي لم يكتف بالتوجه لمقاتلة الحكومة السورية ككل التنظيمات الأخرى المسلحة، بل شرع أيضا في مقاتلة التنظيمات المسلحة التي تقاتل الدولة السورية. وكانت معركة أعزاز في الشمال السوري، وهي المعركة التي طردت فيها الدولة الإسلامية لواء عاصفة الشمال من مدينة أعزاز، من أكبر المعارك التي خاضها ضد الجيبش السوري الحر، والتي انتهت بطرده من المدينة، وبحدوث انشقاق في صفوف الجيش السوري الحر، وإعلان بعض فرقه الخروج عن هيمنة الائتلاف السوري الحر الذي كان آنئذ يقود المعارضة السورية المسلحة.

لكن الأمر لم يتوقف لدى وقوع الانشقاق بين الجولاني والبغدادي وظهور داعش نتيجة له، بل امتد ليشمل تلك النعم التمويلية والتسليحية التي هبطت فجأة على تنظيم داعش، والتي بات يرجح الآن أن مصدرها كان قطر، فتنظيم داعش الذي كان أضعف الفصائل المسلحة المقاتلة في بداية ظهوره، أصبح فجأة وبما يشبه المعجزة، بعد ذاك السيل من التمويل والتسليح الذي هبط عليه فجأة، مانحا اياه قوة غريبة في حجمها وكيفية ظهورها.

قوة عجيبة بظهورها القوي لتضاهي قوة الرجل الأخضر (The Hulk)، فتصبح داعش بالتالي أقوى تلك التنظيمات قاطبة، وربما مجتمعة، مما مكنها من مقاتلة الحكومة السورية، والجيش السوري الحر، وعدد من التنظيمات المسلحة، كلها في آن واحد، بما فيها تلك المنتىمية والمؤازرة من قبل المملكة السعودية.

فهذا التطور الخطير هو ما أثار شكوك السعودية آنئذ، ودفعها منذ عام 2013، لتدخل في نزاع مع قطر، وتتهمها بدعم الإرهاب، بل وربما بتأسيس أحد تنظيماته. فنفت قطر ذلك الادعاء، متعهدة بعدم السماح لأجهزتها مستقبلا بالقيام بتصرفات كهذه ، وهي التعهدات التي لم تحافظ عليها، ما اضطر السعودية في العام التالي للمطالبة بتعهدات خطية من قطر، وهي التعهدات التي اضطرت قطر للتوقيع عليها على مضض، لكن مهرولة بعدها، تخوفا من نزاعات قادمة مع السعودية، إلى تركيا، مطالبة بتوقيع معاهدة تحالف استراتيجي مع أنقرة كما سبق وذكرت.

والواقع أن هذه الخطوة بحد ذاتها، قد كشفت حجم الفراغ في مدى التنسيق بين قطر ودول الخليج بشكل عام، ومع السعودية بشكل خاص، كما كشفت عن مدى دهاء الأمير القطري، ومدى البساطة التي تكاد تبلغ حد السذاجة، لدى بعض دول الخليج الأخرى التي فوجئت باستدعاء القوات التركية، غير مدركة أن توقيع الاتفاق القطري التركي منذ عام 2014، لم يكن قد تم إلا ليوم كهذا.

فالنزاع الخليجي كله مع قطر، نابع من مخاوف قطر من التوجه السعودي للهيمنة على مجلس التعاون الخليجي، وهي الهيمنة التي تخشاها سلطنة عمان أيضا، وبالذات من مساعيها لاحتواء قطر إلى درجة قد تبلغ تحويل قطر لإقليم سعودي له حكم ذاتي. وكانت خلافات مريرة بعضها بلغ حد النزاع المسلح، قد نشبت فعلا بين الدولتين في بدايات تسعينات القرن الماضي. فمخاوف قطر من السعودية، تبلورت للعيان بشكل واضح، منذ أن قرر الأمير الوالد حمد، السماح بإنشاء قاعدة أمريكية في عيديد تعنى بحماية المصالح الأمريكية، لكنها تتعهد أيضا بحماية قطر من عدوان خارجي، وتضمن أمنها واستقلالها.

وجاءت لاحقا معاهدة الدفاع الاستراتيجية الموقعة مع تركيا، لتستكمل بها قطر الفصل الثاني من الخطوات الاحترازية التي اتخذتها، للوقاية مما تعتبره خطر السعودية عليها. وربما تعد الآن لإنجاز الخطوة الثالثة التي قد تصل إلى حد التعاون أو التحالف العسكري مع إيران، ما لم تليها أيضا عملية انتقال بعض الدواعش من الموصل والرقة إلى قطر أيضا، تماما كما انتقل قادة الإخوان المسلمين في مصر، من القاهرة إلى الدوحة بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.

أما أكثر الدول حذرا من هذه الأزمة، فهي الولايات المتحدة التي لها عشرة آلاف جندي في قاعدة عيديد. فأكثر ما تخشاه أن يؤثر ذاك الصراع على عمل تلك القاعدة المعروفة باسم سنتكوم، أي القيادة الوسطى للقوات الأمريكية في المنطقة. كما تخشى بحق، أن تتطور هذه الأزمة إلى حد تخرج عن نطاق السيطرة، فتبلغ معه قضية التآمر والتآمر المضاد بين هذه الدول، مرحلة تحولها إلى ربيع عربي آخر مدمر.