قبل يومين أصدر اللواء عاطف عبد الحميد، محافظ القاهرة، تعليماته بوضع التصور الأمثل من جانب إدارة التنسيق الحضاري بالتعاون مع أجهزة الأحياء المعنية بالقاهرة الخديوية "الأزبكية وعابدين وغرب"، لصيانة وترميم عمارة "الإيموبيليا" الشهيرة بوسط البلد، والتي تضم اتحادين للشاغلين بها للقسمين القبلي والبحري بالعمارة، بالإضافة إلى جزء مخصص لإحدى الشركات وإعادتها إلى سيرتها الأولى.
"صدى البلد" زار العمارة الأشهر في مصر والشرق الأوسط في منتصف القرن العشرين على حد وصف أحد مديري محل شهير بالعمارة تأسس في نهاية القرن التاسع عشر بمدينة الإسكندرية، وعندما بنيت العمارة تم افتتاح فرع له بها ومن بين زبائنه كان الملك فاروق ونجوم مصر من رجالات الفن والسياسة منهم من رحل ومنهم من بقي على قيد الحياة، وصور بالمحل الذي كان يورد مستلزمات القصر الملكى آنذاك العديد من الأعمال الفنية آخرها مسلسل زات للنجمة نيللي كريم.
العمارة قصتها معروفة للجميع أسستها شركة الإيموبيليا في أبريل عام ١٩٣٧، التي تخصصت في بيع وشراء أراضي البناء وإجراء الصفقات الخاصة بالعقارات، وشارك في بنائها ٩ أعضاء من أشهرهم أحمد عبود باشا، الذي اشتري أكثر من ١٠ آلاف و٥٠٠ سهم من أسهمها، ومحمد محمود خليل، الذي كان رئيسًا لمجلس الشيوخ في تلك الفترة، والبارون لويس دي تنوا، واليهوديان هنري موصيري وهنري ناعوز صاحب شركة ناعوز للسياحة.
كانت المفوضية الفرنسية هي التي تشغل أرض العمارة في ذلك الوقت، وتبلغ مساحة "الإيموبيليا" حوالي "٥٤٤٤ مترًا مربعًا"، والعمارة عبارة عن مبني له جناحان يحتوي الأول علي ١٣ دورًا، والثاني علي ١١ دورًا، وتطل علي حديقة بنافورة من الرخام، وهي أول عمارة بها جراج تحت الأرض يسع حوالي مائة سيارة.
تتميز مداخل العمارة بأنها داخلية، وكان بها ٢٧ أسانسيرًا صنفت لثلاثة أنواع، الأول "بريمو" للسكان، والثاني "سيكوندو" للخدم، والثالث للأثاث، أما الآن فلا يعمل بها سوي ١٥ أسانسيرًا فقط، وكان بها نظام للتدفئة المركزية الذي كان يمد جميع الشقق بالمياه الساخنة، بالإضافة إلي نظام حرق القمامة المركزي، حيث كانت نفايات الشقق توضع في مواسير ضخمة وتصل لبدروم العمارة ليتم حرقها، وكان يتم نظافتها بصفة دورية حيث تأتي عربات المطافئ لتغسلها مرتين في الشهر، أما الآن فقد طمست الأتربة والدخان معالم العمارة تمامًا.
تحتوي العمارة علي ٣٧٠ شقة كلها مكتوبة بالأرقام الإنجليزية، وكان بها ناد للطيران المصري، وناد خاص بالإنجليز، وقنصلية آيسلندا، بالإضافة إلى عيادات لأشهر أطباء مصر في ذلك الوقت، أبرزهم الدكتور عبود استشاري الرمد، الذي كانت تتردد عليه أم كلثوم للعلاج كما الآن فتحولت لمقر لعدد من الشركات ومكاتب المحاماة وبعض المحال التجارية.
كانت تكاليف الإقامة بعمارة الإيموبيليا باهظة، حيث تراوح الإيجار حسب مساحة الشقة من ٦ إلى ٩ إلى ١٢ جنيهًا، وهو ما كان يوازي مرتب شهر لموظف كبير في الحكومة، ولذلك لجأ ملاك العمارة إلي تقديم عرض لمن يرغب بالسكن بأن يقيم لمدة ثلاثة أشهر دون إيجار، بالإضافة إلي نشر مجموعة من الإعلانات في بعض الصحف المصرية والأجنبية.
ولم تكن الإيموبيليا بحاجة إلي كل هذه الدعاية، فموقعها المتميز بالقرب من الشركات والبنوك وغيرها من المؤسسات المهمة، جعل العديد من مشاهير مصر في ذلك الوقت مثل الكاتب الصحفي فكري أباظة، وأيضًا فؤاد باشا سراج الدين رئيس حزب الوفد الأسبق، وإبراهيم باشا عبدالهادي رئيس وزراء مصر وغيرهم يقيمون بها، وظلت كذلك حتى عام ١٩٦١ عندما تم تأميمها لتملكها إحدى شركات الإسكان والتعمير.
كانت في يوم من الأيام عمارة أهل الفن، كما وصفها الناقد الفني وجدي الحكيم، حيث سكنها عدد كبير من نجوم الفن والطرب في ذلك الوقت، مثل نجيب الريحاني وسليمان نجيب وليلي مراد وأنور وجدي ومحمد فوزي وعبدالعزيز محمود وماجدة الخطيب ومكتب الموسيقار محمد عبدالوهاب، الذي استأجره لما عرفه عن صلابة العمارة وقوتها، وذلك لخوفه الدائم من الزلازل.
كما أقام بها المخرج كمال الشيخ وماجدة الصباحي، التي لايزال مكتبها موجودًا حتى الآن وتتردد عليه، وأشهر المنتجين مثل آسيا التي رهنت ممتلكاتها بعد أزمتها المالية واحتفظت فقط بشقتها في الإيموبيليا وزوربانللي الذي أنتج معظم أفلام فاتن حمامة، فيما شهدت تصوير أكثر من ٣٠% من أفلام السينما مثل "حياة أو موت" لعماد حمدي ومديحة يسري و"قصة ممنوعة" لمحمود المليجي وماجدة.
هذا ما رواه لنا الحاج سباق محمد شحاتة، الذي كان يعمل حارسا بالعمارة "حاليا متقاعد" رغم رفضه التسجيل وقوله إنه قابل مئات الصحفيين والإعلاميين وحكى لهم قصة العمارة كاملة منذ أن عمل بها عام 1974، لافتًا إلى أن أغلب الحكايات خاصة حكايات الفنانين نقلت له عن طريق عم عوض أقدم بوابى العمارة وهو سوداني.
"سباق" قال لـ"صدى البلد" إن الملك فاروق كان من أشهر من ترددوا على العمارة لسكن إحدى خليلاته بها كما أن العمارة شهدت طرد الفنانة ماجدة الخطيب من شقتها التي كانت تعيش بها دون عقد أهداها لها أحد أصدقائها من ملاك العمارة لتعيش بها، وعندما رحل، طالب الورثة الفنانة بحقهم في الشقة.
وأوضح "سباق" أن العمارة عند إنشائها تكلفت أكثر من مليون جنيه، وتسببت في أزمة بمواد البناء وقت إنشائها، كما أن ملاكها اشترطوا أن يكون سكانها من المثقفين، وكانت عقود الملكية تكتب وقتها باللغة الفرنسية.