- مواقف شيوخ الأزهر لدعم القضية الفلسطينية
- أول فتوى بتحريم بيع الأراضى الفلسطينية لليهود فى يناير عام 1935
- علماء الأزهر يرفضون قرار الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين
- حسنين محمد مخلوف يفتي بوجوب الجهاد بالنفس والمال لإنقاذ فلسطين
- مأمون الشناوى فى حرب 1948 «أذنت ساعة الجهاد»
- عبد الحليم محمودك عرب فلسطين أخرجوا من ديارهم بغير حق
- جاد الحق: لا سلام مع المغتصبين اليهود
- محمد الفحام أكد «حتمية الجهاد ضد إسرائيل»
- «أحمد الطيب» يرفض لقاء نائب الرئيس الأمريكي
- «الطيب» يطالب الإدارة الأمريكية بالتراجع عن قرار «ترامب»
مواقف الأزهر على مر التاريخ معروفة وصارمة بشأن القضية الفلسطينية ورفض تهويد القدس الشريف، والتأكيد على عروبتها وأنها أرض عربية ملك للشعب الفلسطيني وعاصمة لدولتهم.
كانت أول فتوى عن علماء فلسطين بتحريم بيع الأراضى الفلسطينية لليهود فى يناير عام 1935 قد صدرت على يد عالمين تتلمذا فى الأزهر الشريف وتخرجا فيه، هما الشيخ محمد رشيد رضا - تلميذ الإمام محمد عبده- والشيخ أمين الحسينى، حيث اجتمعا فى التاريخ المذكور مع عدد من العلماء فى مؤتمر علماء فلسطين الذى عقد بالمسجد الأقصى وأعلنوا أنه: «بعد البحث والنظر فيما ينشأ عن بيع الأراضى فى فلسطين لليهود من تحقيق المقاصد الصهيونية فى تهويد هذه البلاد الإسلامية والمقدسة وإخراجها من أيدى أهلها وإجلائهم عنها «تقرر تحريم بيع الأراضى فى فلسطين لليهود وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره بأى شكل وصورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه.
وأفتى شيخ الأزهر الأسبق عبد المجيد سليم، عن سؤال ورد للجنة الفتوى بالأزهر حول حكم من يبيع أرضه لليهود أو يعمل سمسارًا لترويج هذا البيع باعتبار أن المسلمين عامة وأهل فلسطين خاصة قد علموا أن هذا السلوك يفيد اليهود فى الوصول إلى أطماعهم من امتلاك البلاد وتهويدها، بتشديد حكم الله على من يعين أعداء الدين ويتخذهم أولياء من دون المؤمنين من القرآن الكريم والسنة النبوية، وجاء فى الفتوى: "الرجل الذى يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم فى شىء من هذه الآثام المنكرة وساعد عليها مباشرة أو بواسطة لا يُعد من أهل الإيمان، "وعلى المسلمين أن يعادوا هؤلاء وينبذوهم ويقاطعوهم فى متاجرهم ومصانعهم ومساكنهم ومجتمعاتهم.
أما بعد إعلان الأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947 قرارها بتقسيم فلسطين، فقد أصدر علماء الجامع الأزهر بيانهم المدين للقرار ووصفوه بأنه «قرار من هيئة لا تملكه ويعد قرارًا باطلًا جائرًا ليس له نصيب من الحق ولا العدالة، ففلسطين ملك للعرب والمسلمين، بذلوا فيها النفوس الغالية والدماء الزكية.. وليس لأحد كائنًا من كان أن ينازعهم فيها أو يمزقها».
ودعا فيه العلماء المسلمين إلى الجهاد بكل أشكاله لبيان الحق: «فذودوا عن الحمى، وادفعوا الذئاب عن العرين، وجاهدوا فى الله حق جهاده».
بل ذهب البيان أيضًا إلى أن كل عربى ومسلم يجب أن يبذل كل جهده ليدافع عن أرض فلسطين «قاطعوهم فى تجارتهم ومعاملاتهم، وأعدوا فيما بينكم كتائب الجهاد، وقوموا بفرض الله عليكم، واعلموا أن الجهاد الآن قد أصبح فرض عين على كل قادر بنفسه أو ماله، وأن من يتخلف عن هذا الواجب فقد باء بغضب من الله وإثم عظيم»، وقد وقع على هذه الفتوى عدد من العلماء منهم شيخ الأزهر حينها الإمام محمد مأمون الشناوى، والشيخ محمد حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية وغيرهما.
وفى أبريل عام 1948 قبل إعلان دولة إسرائيل بشهر واحد، أصدر الشيخ حسنين محمد مخلوف -الذى كان يتولى حينها منصب مفتى الديار المصرية- فتوى توجب الجهاد بالنفس والمال لإنقاذ فلسطين واعتباره «واجبا شرعًا على القادرين من أهلها وأهل الدول الإسلامية التى تحاول الصهيونية اليهودية بقوة السلاح إقامة دولة يهودية بقُطر من أعز أقطارها الإسلامية العربية وهو فلسطين.. ومن نكص عن القيام بهذا الواجب مع الاستطاعة أو خذل عنه كان آثما».
وفى نفس الشهر عقد اجتماع فى القاعة الكبرى بالأزهر الشريف برئاسة شيخ الأزهر وضم عددًا كبيرًا من علماء الأزهر يتقدمهم مفتى الديار المصرية لبحث مسألة فلسطين، واستقر رأيهم بالإجماع على ثلاثة أمور، أولها أن إنقاذ فلسطين واجب دينى على المسلمين عامة فى جميع نواحى الأرض وأن السبيل لذلك هو تكاتف الحكومات الإسلامية والعربية واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ فلسطين، وبذل كل مسلم وعربى ما يستطيع من مال ونفس لمعاونة الحكومات فى ذلك، والثانى مطالبة الحكومات بتهيئة المأوى والنفقة للعرب المشردين من فلسطين، باعتبار ذلك «واجبا دينيا» فى عنق كل مسلم وعربى.
والثالث هو إبلاغ هذا القرار جميع الحكومات الإسلامية والجامعة العربية ونشره فى جميع الشعوب الإسلامية «تبليغًا لحكم الله وتنفيذًا لكلمة الله» «فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل فى سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا».
وكان الشيخ محمد مأمون الشناوى يتولى منصب شيخ الأزهر الشريف أثناء حرب 1948 وكانت فتواه التى نشرتها مجلة الفتح حينها أكبر محفز للمجاهدين المصريين الذين شاركوا فى الجيوش العربية لتحرير فلسطين بعد إعلان قيام دولة إسرائيل: «أذنت ساعة الجهاد، وحقت كلمة الله على الذين يريدون أن يخرجوكم من دياركم ويستبدوا بأموالكم، ويأكلوها بينهم بالباطل، ولم يبق إلا أن تشمروا عن ساعد الجد وأن تهبوا للحرب والكفاح فى سبيل الله.. أيها العرب هذا يومكم، وتلك دياركم، فنافحوا عنها بما استطعتم من قوة، واعلموا أن العالم كله ينظر إليكم، فإما أن تثبتوا حقكم وتجاهدوا عدوكم وتستشهدوا فى سبيل الله دفعًا عن دياركم وأموالكم، وإما أن تكتبوا على أنفسكم الذل والهوان وهو ما لا ترضون».
كما أصدر الشيخ عبد الحليم محمود أيضًا فتواه فى هذا الشأن حيث بين أن «عرب فلسطين أخرجوا من ديارهم بغير حق، وشتتوا وشردوا ومن بقى فيها الآن من العرب ينكل بهم ويعذبون، والواجب على جميع الدول الإسلامية أن تهب لنجدتهم وللعمل على أن تعود فلسطين عربية، وعلى أن تتحرر من هذه الشرذمة الأفاقة، فالحرب الحالية هى جهاد وهى دفاع عن المقدسات.. ومن يتخلف عنها فهو غير مؤمن».
ولم ينته سعى الأزهر الشريف فى قضية فلسطين بعد انتهاء الحرب، بل استمرت الفتاوى والنداءات والبيانات فى الصدور، ففى المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية عام 1965 طالب المجتمعون الدول الإسلامية التى اعترفت بحكومة إسرائيل فى ذلك الحين أن تسحب اعترافها وأن تتوقف الدول والشعوب الإسلامية في التعاون مع إسرائيل، وأكد فى توصياته أن قضية فلسطين هى قضية المسلمين جميعًا وأنه لن يهدأ بال حتى تعود الأرض المقدسة لأهلها، لأن فى وجود إسرائيل خطرًا يهدد المسجد الأقصى والطريق إلى الحرمين الشريفين وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم «لذلك كان الدفاع عن فلسطين والعمل على تحريرها فرضًا على كل مسلم وكان القعود عنه إثما كبيرًا».
وأصدر الأزهر بيانه أيضًا قبل حرب يونيو 1967 بشأن الاعتداء على فلسطين بأن الاعتداء عليها وبقاء إسرائيل فى الأرض المقدسة خطر على المقدسات الإسلامية بها وتهديدًا للمسجد الأقصى ولطريق الحرمين الشريفين ودعت المسلمين إلى المشاركة فى المعركة وعدم التخلف عنها وأن من يتخلف فهو آثم.
ودعا البيان المسلمين جميعا إلى قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل، وعلى الرغم من الهزيمة فى الحرب إلا أن بيانا صدر عن مجمع البحوث الإسلامية صدر فى السنة التى تليه يؤكد البيان السابق ذكره وأن أسباب وجوب القتال والجهاد كلها قد أصبحت متوافرة بعد العدوان الإسرائيلي.
ودعا المؤتمر إلى إنشاء صندوق لتمويل كفاح أبناء الشعب الفلسطينى ورعاية أسر المجاهدين والشهداء،واستمرت بيانات مجمع البحوث الإسلامية على نفس النهج، مؤكدة أهمية القضية الفلسطينية وتحرير الأراضى الفلسطينية وأهمية القدس الدينية لدى المسلمين وضرورة الحفاظ على المقدسات والجهاد فى سبيل ذلك.
وفى التاريخ الأكثر قربًا والتصاقًا لم يتوقف الأزهر عن دعم أحقية الفلسطينيين فى أرضهم والدفاع عن المقدسات فى فلسطين، فعلى سبيل المثال أثناء تولى الشيخ جاد الحق مشيخة الأزهر نقلت أمريكا سفارتها من تل أبيب إلى القدس عام 1995م فأصدر الأزهر بيانه الذى يدين هذا القرار ويصفه بأنه «دعم للمعتدى الظالم» واعتبر القرار الصادر من الكونجرس الأمريكى تأكيدًا لاغتصاب القدس وتأكيد احتلالها من إسرائيل.
وفى نوفمبر 2011م أصدر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بيانه بشأن القدس بعد ارتفاع وتيرة التهويد الصهيونى لمدينة القدس والاعتداءات الصهيونية على المقدسات الإسلامية، خاصة المسجد الأقصى وتهويد معالم الحرم الشريف، أكد فيه أن عروبة القدس تضرب فى أعماق التاريخ لأكثر من ستين قرنًا أى قبل ظهور اليهودية بـ 27 قرنًا، وأن شريعة موسى قد ظهرت فى مصر قبل دخول بنى إسرائيل غزاة إلى أرض كنعان وقبل «تبلور» اللغة العبرية بأكثر من مائة عام فلا علاقة لا باليهودية ولا العبرانية بالقدس أو فلسطين.
وفى يوليو الماضى، وإثر الإجراءات الأخيرة التى أقدمت عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلى من إغلاق المسجد الأقصى ومنع إقامة شعائر صلاة الجمعة فيه واعتداءاتها على المصلين واعتقال مفتى القدس وخطيب المسجد الأقصى كذلك، أصدر الأزهر الشريف بيانه الذى أدان فيه ما تقوم به السلطات الإسرائيلية حذر فيه من استغلال هذه الأحداث لتهويد القدس ودعا فيه الدول العظمى ومنظمة اليونسكو والهيئات الإسلامية والعالمية ومنظمات حقوق الإنسان «للقيام بواجبها نحو تحرير بيوت الله فى القدسِ وفلسطين وسائر أماكن العبادة فى العالم من التحكمِ والسيطرة السياسية والعنصرية».
وبالنسبة للشيخ جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر السابق، فإن قضية القدس كانت تشغل حيزا كبيرا من عقل وقلب الإمام الراحل، وكان يذكر بها في كل المواقف والمناسبات، مؤكدا أن القدس ستظل عربية إسلامية إلى قيام الساعة رغم أنف الإسرائيليين.
وعندما قرر الكونجرس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أصدر الإمام الراحل بيانا صريحا وواضحا أدان فيه العدوان الصهيوني المستمر على القدس، وأدان فيه القرار الأمريكي، وقال: "إن أمريكا تزعم أنها صديقة كل العرب, وهي أصدق في صداقتها بإسرائيل تؤيدها وتدفعها لمزيد من العدوان على العرب وحقوقهم, وتساعدها في وضع العراقيل نحو إتمام عملية السلام التي تتظاهر بدعمها، لكنه دعم غير عادل فهو دعم للمعتدين الظالمين واستهانة وهدم لقرارات منظمة الأمم المتحدة".
وأضاف: "إن الأزهر الشريف يرفض هذا القرار الظالم من أمريكا، التي تسعي في إتمام عملية السلام، ولكن هذا القرار أكد أن دعاة السلام صاروا دعاة للغدر والاغتيال للأرض والعرض والمقدسات لا يرعون حقا للغير، ولا يدعون إلى خير، وإنما يسعون في الأرض فسادا".
ورفض الإمام الراحل سياسة التطبيع مع إسرائيل ما استمرت في اغتصابها للأرض العربية، وكان مما قاله: "لا سلام مع المغتصبين اليهود، ولا سلام إلا بتحرير الأرض العربية"، ورفض زيارة المسلمين للقدس بعدما أفتى بعض العلماء بجواز ذلك بعد عقد اتفاقية أوسلو عام 1993م بين السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات والحكومة الصهيونية بقيادة إسحاق رابين، وأعلنها الإمام الراحل بعزة المؤمن الذي لا يخشى إلا الله.
"إن من يذهب إلى القدس من المسلمين آثم آثم.. والأولى بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه إلى القدس حتى تتطهر من دنس المغتصبين اليهود، وتعود إلى أهلها مطمئنة يرتفع فيها ذكر الله والنداء إلى الصلوات، وعلى كل مسلم أن يعمل بكل جهده من أجل تحرير القدس ومسجدها الأسير".
وكان للإمام الراحل موقف واضح وقوي من رفض التطبيع فقد رفض أن يستقبل الرئيس الإسرائيلي عيزرا وايزمان إبان زيارته للقاهرة، وبعد عقد اتفاقية أوسلو عام 1993، ما سبب حرجا شديدا للحكومة المصرية وللرئيس الصهيوني.
ورفض الإمام الراحل ما تردد عن حصول إسرائيل على مياه النيل من خلال مشروع ترعة السلام، وقال مقولته الشهيرة: "إن حصول إسرائيل على مياه النيل أصعب من امتلاكها سطح القمر".
فيما أكد الدكتور طنطاوي استعداده للذهاب إلى القدس إذا سمحت الظروف الأمنية والسياسية بذلك، وأن يكون في ذلك فائدة كبيرة على حل القضية الفلسطينية والأمر نفسه بالنسبة لزيارة دولة العراق من أجل التقريب بين السنة والشيعة.
وطالب طنطاوى، الدول العربية والإسلامية والشريفة في العالم، للوقوف بجانب فلسطين والتصويت لصالح إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ودعوة العالم الحر للوقوف ضد أمريكا بعد إعلانها استخدام حق الفيتو، لأن من حق فلسطين أن تعيش في سلام واستقرار مثلها مثل باقي الدول ولماذا تحرم من هذا الحق؟
وأكد أن الانحياز الكامل الأمريكي في أهم القضايا وهي القضية الفلسطينية للكيان الصهيوني، هذا أمر يزيد من حالة الكره واليأس من عدالة الإدارة الأمريكية، وسيزيد من إصرار الأزهر على مناصرة ومساندة الشعب الفلسطيني لقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
أما الشيخ محمد الفحام، شيخ الجامع الأزهر الشريف، فله موقفه إزاء القضية الفلسطينية، ففى سنة 1973 أكد شيخ الأزهر محمد الفحام (1969 ــ 1973) «حتمية الجهاد ضد إسرائيل لإنقاذ الأراضى الإسلامية من سيطرة الأعداء عليها».
وأخيرا أعلن الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رفضه القاطع طلبا رسميا من نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس للقائه يوم 20 ديسمبر الجاري، وذلك في إطار موقفه الثابت تجاه قرار الإدارة الأمريكية الباطل بإعلان القدس عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية للقدس في تحدٍ مستفز لمشاعر المسلمين حول العالم.