كتاب جديد يشرح ..كيف تبني بيتاً عصرياً من الفخار

ظروف بيئتنا فى البلاد العربية متشابهة كثيرا من حيث المناخ والتضاريس والعادات والتقاليد.. وقد استطاع الإنسان العربى منذ القدم التعامل مع بيئته وفق احتياجاته الأساسية، ومن تلك الاحتياجات استخدام مادة الطين فى معيشته وبناء سكنه، ومن أهم هذه النماذج المبهرة فى عمارة البناء بالفخار باستخدام تكنولوجيا متوافقة مع البيئة مبنى رحاب جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
وهناك مجتمعات عمرانية فى البلاد الإسلامية والعربية تتميز بشخصيتها المستقلة فى ايجاد الحلول الذاتية لمشاكل العمران المختلفة من خلال مواد بناء محلية متوافرة لديها مثل التجمعات السكانية المقامة بالطين فى بعض مناطق السعودية ومعظم ريف مصر.
والتجمعات السكانية المقامة بالفخار من المزج بالطين بوسط صعيد مصر- محافظة قنا.
وفي كتاب المعماري الراحل د.نبيل حسن حول العمارة الطينية وصف رائع لكيفية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة وتطويعها لخدمة وتطوير هذه الطرق التقليدية العريقة في البناء.
البناء بالفخار
ويقول د.حسن في كتابه:"يتطلب التصميم المعمارى للبناء بالفخار أن يوضع فى الاعتبار تشكيل وحدة الفخار وأسلوب تنفيذها بحيث تعطى أبعادا تصميمية معمارية متجانسة مع البيئة الطبيعية فى أبعادها الثلاثة.
ويستخدم فى أسلوب الإنشاء مواد بناء مشكلة من الفخار "الزير المكى والبنك" ،بالإضافة إلى الطين المخمر ثم الليف والجريد وجذوع الأشجار، وتتوافر جميع هذه المواد محليا فى كثير من الدول العربية كما أنها تناسب جسم الإنسان مناخيا وصحيا.
ويبدأ تنفيذ الأساسات بالحفر لمنسوب التأسيس حسب الموقع المختار بحيث لا يقل عن متر واحد، ويؤدى ذلك إلى إزالة الأتربة الهشة غير الصالحة للتأسيس، ثم يتم دك التربة أسفل القواعد المستمرة عازلة الرطوبة ثم ترش بعد الردم والدك بمادة كيميائية ضد الحشرات مع عمل فرشة طينية على المنسوب المطلوب من سطح الأرض لا يقل عن 30سم.. وفى فترة تجهيز الموقع من الأساسات يتم عمل حوض مجاور للموقع يوضع فيه خليط مكون من الطين وسماد الأغنام بنسبة معينة ثم يعجن ويترك لفترة لا تقل عن ثلاثة أيام للتخمير، وبعدها يصبح الخليط جاهزا للاستخدام كمادة تماسك.
الحوائط
تُجهز وحدة الفخار المختارة "الزير المكى" بعد فرزها من الشروخ والتلف ثم تملأ بالخليط "الطين وسماد الأغنام" المجهز بالتخمير إلى نصفها تقريبا ثم تقلب على فوهتها فوق جدار الطوب المحيط بالحيز المعمارى المراد بناؤه مع عمل ظفر من الطوب فوقه، فينسكب الخليط الطينى وينصب على الطوب الفخارى ليكون بمثابة وسادة طينية ويتسرب الطين الزائد داخل وحدة الفخار فيتماسك مع الطوب.
ثم يتم تكرار هذه العملية بحيث يرص الفخار بجوار بعضه ليكون أول "مدماك" من الفخار، وبعد ذلك يتم وضع سلك ربط بسماكة 2مم فوق أول مدماك بحيث يقوم السلك بربط المدماك الفخارى أفقيا مع بعضه البعض.
ثم تكرر المداميك الفخارية بنفس الأسلوب السابق حتى الوصول إلى الارتفاع المطلوب للحيز المعمارى، وبعد ذلك توضع وسادة خشبية فوق آخر مدماك فخارى من جذوع الأشجار التى تتكون من ألياف طويلة.
وبعد ذلك تربط الوسادة الخشبية بالسلك السابق ثم يربط بالسلك الأفقى الموجود بين الفخار من أعلى إلى أسفل حتى يصل لأول مدماك من أسفل الحيز المعمارى، ويعقد مع قالب طوب فخارى ويوضع بين وحدتى الفخار مع خليط من الطين لتثبيته.
وبهذه الطريقة ينتج حائط فخارى مترابط أفقيا ورأسيا مع بعضه البعض مع البدء فى ملء الفراغات المتبقية من تشكيل الفخار بخليط من الطين وشقف من الفخار التالف (المكسر).
الفتحات
يستعمل الطوب الفخارى لتشكيل فتحات الأبواب والشبابيك فى الحائط الفخارى، وبعدها يثبت إطار خشبى خاص بالباب أو الشباك مدهون بمادة عازلة ضد الحشرات، ثم يركب الباب أو الشباك بتصميم معمارى مناسب للحيز المعمارى المطلوب إقامته.
الأسقف
توضع جذوع الأشجار ذات الألياف الطويلة بعد تهذيبها فوق الوسادة الخشبية فى الضلع القصير للحيز المعمارى وتربط بالحبال الليفية المجدولة وتدهن جذوع الأشجار والوسادة الخشبية بدهان شفاف مقاوم للحشرات، بعد ذلك يتم وضع ألواح خشبية "كونتر أبلكاش" فوق تلك الجذوع وتثبت بمسامير قوية وتدهن أيضا بمادة عازلة للرطوبة، ثم توضع وحدات فخار صغيرة مثل "البنك الفخارى" بجوار بعضها البعض مع ملء الفراغات بينهذه الوحدات الفخارية بطين مخلوط بالتبن أو نشارة خشب لتخفيف وزنه مع كونه عازلا للحرارة.. وأخيرا يتم تبليط السقف ببلاط فخارى مثل بلاط "سورناجا".
ملاءمة المبنى للمناخ
يعتبر استعمال وحدة الفخار كإنشاء فى البناء عنصرا من عناصر ملاءمة تلك الوحدة للمناخ فى المناطق الحارة الجافة، حيث إنها مسامية ويوجد بها هواء يستعمل فى العزل ويستغرق وقتا زمنيا كبيرا فى نقل الحرارة من الخارج إلى الداخل، كما أن إضافة الطين بين وحدات الفخار ينجم عنها انخفاض درجات الحرارة داخل الحيز المعمارى مقارنة بنظيرتها خارج الحيز المعمارى صباحا وبالعكس مساء، وهو ما يناسب المناطق الحارة.
الهيئة العمرانية
يظهر النمط الخارجى العام للمبانى الفخارية كتركيبة عمرانية عضوية متلاحمة ينتج عنها تشكيلات نحتية يصعب على المشاهد تحديد ملامح المبنى الواحد، كما تبدو صورتها وكأنها منحوتة فى الطبيعة.
وتظهر هذه التركيبة العمرانية للقرى المقامة بالفخار فى صورة متجانسة مع البيئة الطبيعية وكجزء لا يتجزأ منها، وقد يساعد تشكيل الفخار أيضا فى جدران المبانى التى تعتبر من محددات الحيز المعمارى الخارجى من ممرات وشوارع فى إعطاء حركة ديناميكية داخلها وذلك بتغيير الظلال على أسطحها.