الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أحمد شبل الغندور يكتب: الشباب والعمل التطوعي

صدى البلد

من الأمور التي ينبغي أن نحرصَ على غَرْسِها في نفوس الشباب، ونعملَ على تربيتهم عليها الإعلاء من قيمة العمل التطوعيِّ والحرص على نفع الغير؛ وذلك لما لهذه القيمة من أهميِّة، حيث تساهم في رفع المعاناة عن المحتاجين، وتُعْلِي من قيمة التكافلِ الذي أوصى به الإسلام وشرعه. فقد حثَّنا الإسلام على نفع الغير تفعيلًا لمبدأ "ما عاش من عاش لنفسه"، وبنظرةٍ متأنيَّةٍ في الأعمال التي عدَّتها الشريعة الإسلامية من أفضل أعمالها وأعظمها أجرًا نجد أنها الأعمال التي يتعدى منفعتها إلى الغير.

ومن ذلك مارواه الطبراني أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا»، ومن ذلك أيضًا ما رواه البخاري أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ».

وقد جعل الإسلام العملَ التطوعيَّ وخدمةَ الناس سببا في تفريج الكربات في الدنيا، والآخرة فصاحب المعروف لا يقع وإن وقع وجد متكئًا؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وقال أيضًا: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ»، ومن فوائد العمل التطوعيّ أنه يُلْحِقُ بصاحبه الذِّكْر الحسن والثناء الجميل في الدنيا، وإذا مات بَقِيَ في النَّاس أثرُه فكأنه لم يمت وقديمًا قالوا: قد مات قومٌ وما ماتت فضائلهم ... وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ، وقيل أيضًا: دقات قلب المرء قائلةً له ... إن الحياة دقائق وثواني
فاعمل لنفسك قبل موتك ذكرها ... فالذكر للإنسان عمر ثاني.

والذي يحرص على نفع الناس وقضاء مصالحهم عدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مفاتيح الخير في هذه الحياة فقد ورد في سنن ابن ماجه قوله: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ»، ولمَّا كانت مخالطة الناس في هذه الأعمال التطوعية تكون سببًا في وقوع بعض الأذى على صاحبها فقد واساهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما عند الترمذي: «الْمُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ أَوْ أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ».

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل في العمل التطوعي حتى شهد له بذلك كل من حوله؛ فقد قالت له زوجه خديجة رضي الله عنها مُدَلِّلَةً على عدم خذلان الله له بسبب أعماله التطوعية: «كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا،إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ»، وهكذا ينبغي على الشباب أن يحرصوا على نفع الآخرين بكل ما يملكون، وأن يرسموا البسمة على وجوه المحتاجين فهو ميدان فسيح ينبغي أن نقتحمه وأن نكون فيه مُقَدَّمون «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ».