الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد النجار يكتب : الاحترام المتبادل سر السعادة الزوجية ‎

صدى البلد

إن العلاقة بين الزوجين، هي محور الحياة البشرية، فما خلق الله آدم إلا وكان من لوازم بقائه واستقراره ونجاح وظيفته في الحياة أن جعل الله معه زوجًا خلقها الله له من نفسه. فالعلاقة بين الزوجين هي أهم ما ينبغي أن يعتني به الإنسان في حياته، فينظر إلى أسباب نجاحها فينميها، ويقويها، وينظر إلى أسباب تعثرها فيصحح مسارها، ويعدلها.

لذا فإن من أهم الأسباب التي تسهم في استدامة العشرة بالمعروف، بين الزوجين، وتشيع الود والرحمة، وتديم السعادة عليهما، أن يحرص كل منهما على التعامل مع الطرف الآخر باحترام.

مفهوم الاحترام ومظاهره: الاحترام هو التقدير والإجلال، ومراعاة الحرمة، وحسن المعاملة، ومراعاة ما للطرف الآخر من حقوق، فيقوم كل من الزوجين بأدائها سواء في ذلك ما كان منها على سبيل الندب أو الإلزام. وإن لذلك الاحترام مظاهر يعرف بها في جانب كل منهما تجاه الآخر.
فمن مظاهر احترام الزوجة لزوجها:

• أن تطيعه، ولا تعارضه، في شيء يحثها عليه أو يرغب إليها في فعله، ما لم يأمرها بمعصية لله تعالى، فقد حث الله تعالى المرأة على طاعة زوجها فقال في القرآن الكريم: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} (سورة النساء آية: 34)، وحث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة على طاعة زوجها في نصوص كثيرة، من ذلك قوله: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها " (رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني)، فطاعة الزوجة لزوجها هي أهم مظهر من مظاهر احترامها له.

• كذلك من مظاهر احترامها له ألا تخرج من بيته إلا بإذنه، أو لعذر شرعي، أو ضرورة تلجئها إلى الخروج دون انتظار إذنه، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (أتأذن لي أن آتي أبوي) (رواه أحمد) وفي رواية البخاري (ائذن لي إلى أبوي)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن) (رواه البخاري)، فإذا كان الإذن لحضور الصلاة في المسجد، ولزيارة الأبوين مطلوبًا فلأن يكون لغير ذلك أولى وأجدر، وما قرر الإسلام على المرأة هذا الواجب إلا لتأكيد احترام قوامة الرجل لها، وتأكيد منزلته عندها، بل بلغ من عناية الإسلام لاحترام الزوجة لزوجها، أنه قرر له عليها ذلك الاحترام ممتدًا من وقت حياته، إلى ما بعد موته بأربعة أشهر وعشرا، وقد كان من الممكن أن تكون عدة المتوفى عنها زوجها مثل عدة المطلقة، تحل بعدها للخطاب، فتتزين، وتخرج، ولا حرج، لكن الله تعالى زاد في عدد ما تتربصه المرأة حين وفاة زوجها عنها، إجلالًا للزوج، واحترامًا له حتى بعد موته. فعدة المطلقة ثلاثة قروء، وهي مدة قد لا تستغرق عند بعض النساء سوى شهرين أو أقل، لكنها في الوفاة لا تحسب بالقروء وإنما باليوم، وهذا كله لأجل أن تعلم المرأة أن لزوجها حقا مقدمًا على سائر الحقوق، فتنزله من نفسها المنزلة اللائقة به، حال حياته، فتقدر له قدره، وتحفظ له كرامته، كما تحفظ له ماله وعرضه.

احترامه لها أيضا واجب: فالاحترام ليس حقًا خالصًا للزوج، بل عليه أيضًا أن يبادلها الاحترام بمثله، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم) (رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني).
ومن مظاهر احترامه لها:

• ألا يضربها، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذئرن النساء على أزواجهن، يعني تأسدت النساء، وساءت أخلاقهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم) (رواه أبو داود وصححه الألباني).

• ومن الاحترام أن يناديها بكنيتها، لا باسمها، كما هي أيضا تناديه بكنيته، سيما في المجامع وفي حضور الناس، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه أن يُدعى الرجل بأحب أسمائه إليه وأحب كناه، وكذلك المرأة تُكنىَّ، فلا يقل لها يا فلانه، ولكن يا أم فلان، حتى وإن لم يكن لها ولد، فعن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل نسائك لها كنية غيري فكناها "أم عبد الله" (رواه أحمد وصححه الألباني). وقد بالغ خيار الناس في العصور السالفة في هذا الأمر مبالغة خرجت بهم في بعض الأعراف عن حد الاعتدال، إذ صار قريبًا من العار أن تُنادى الزوجة باسمها!!، وليس كذلك، إنما المقصود الإجلال والتقدير، وأما المناداة بمجرد الاسم فلا إثم فيها، ولا حرج منها، لا للزوج ولا للزوجة، فقد يستدعي تبسط الزوجين مع بعضهما رفع التكليف مطلقًا، لكن المناداة بالكنية على سبيل الاحترام والتقدير لا تعني أن يتحول اسمها إلى عورة.

• ومن الاحترام أيضًا، أن يحفظ لها خصوصيتها، فلا يباغتها بالاطلاع منها على شيء تعده عيبًا أو نقصًا، حتى يمهلها لإصلاحه، عن جابر قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما رجعنا ذهبنا لندخل، فقال: "أمهلوا حتى ندخل ليلا أي: عشاء" حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة" (رواه مسلم). ليس كما يتوهم ذووا النيات العفنة والعقول الخربة، من أن النهي عن المباغتة لئلا يضبط الرجل زوجته في وضع مخل شرعًا!، فإن بيوت المسلمين الطاهرة إنما تبنى على الثقة المتبادلة والاحترام، لا على التهمة والريبة، وإن مثل هذه الأفهام الشاذة ليحار اللبيب في وجهتها؟!! كيف وقد سجل التاريخ بهذا النهي منه صلى الله عليه وآله وسلم أكبر تقدير للمرأة وأعظم ملمح من ملامح الذوق الرفيع في العلاقة بها، فما جادت حضارة من الحضارات بأدب كهذا منذ فجر التاريخ وإلى عصرنا الحاضر.

• ومن الاحترام ألا يجبرها على مباح من المباحات، حتى تكون به راضية، وقد كان الإمام علاء الدين الكاساني واحدًا من كبار فقهاء الأحناف، كان يقال له ملك العلماء، وكانت زوجته فاطمة بنت محمد السمرقندي، فقيهة بنت فقيه، وكانا يسكنان حلب، من بلاد الشام، وقت أن كان أميرها الملك العادل نور الدين محمود، وكان الإمام علاء الدين قد اتفق مع زوجته على أن يعود إلى موطنه فيستقرا معًا فيه، فوافقته على ذلك، فلما علم الملك العادل بذلك بعث إليه وكلمه حتى يبقى في حلب، فقال له الإمام ملك العلماء، إني كنت قد كلمت زوجتي في ذلك وقطعت معها على ذلك عهدًا ترجو وفاءه، فقال له الملك العادل، أنا أبعث إليها، من يفهمها عني أنني أنا الذي طلبت إليك ذلك، فقال له إنها لا تستقبل الرجال، قال له نبعث لها بخادم، فبعثا بخادم، فلما أتي باب بيتها أعلمها أنه رسول الملك العادل إليها، فرفضت لقاءه، وعاد الرسول إلى الملك أدراجه، فبعثوا لها امرأة برسالة من الملك نور الدين محمود، فأجابتها إلى ذلك، وبقيت في حلب مع زوجها حتى ماتت. والشاهد أن الكاساني رحمه الله كان في إمكانه أن يأمر زوجته بالبقاء فتطيع، وليس لها أن تعصيه في ذلك، وكان في إمكانه أن يعود إليها مخبرا لها بما كان مما لا يستطيع له ردًا من أمر ولي الأمر، لكنه فعل ما فعل وقال ما قال لنتعلم كيف يكون احترام الزوج الفاضل للزوجة الفاضلة.

الاحترام المتبادل:
• من مظاهر الاحترام المتبادل بين الزوجين أن يتشاورا، في شؤونهما، وشؤون أولادهما، فلا ينفرد الزوج بالقرارات، ولا تنفرد الزوجة بالتصرفات، حتى تكون بينهما مشورة وتوافق، قال الحسن: (ما تشاور قوم قط إلا هُدوا لأرشد أمورهم)، وانظر كيف قال الله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (سورة البقرة، آية: 233)، فالله يقول جل جلاله، أن فطام الولد الرضيع عن ثدي أمه يكون بعد تراض وتشاور بين الزوجين، فهل نحن نفعل ذلك، هل نتصرف في شؤون أولادنا بمشورة من أزواجنا، وبمشورة منهن لنا، إن الله يأمرنا بالمشورة المتبادلة بين الأزواج في شأن الرضاع، ويرشدنا إلى مثلها في غيرها من شؤون البيت والزوجية والأولاد، لأنه إذا نص على المشورة في شأن الرضاعة فإنما ينبه على المشورة فيما يساويها أو يكون أعظم منها شأنًا وأجل خطرًا مما يتعلق به مصير الأسرة والأولاد. وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل مشورة نساءه، فهذه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها بعد صلح الحديبية تقول له : (اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعوا حالقك فيحلقك، ففعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما قالت) (رواه البخاري).

• ومن مظاهر الاحترام المتبادل بين الزوجين كذلك مراعاة المشاعر، وقد أوصت قديمًا المرأة ابنتها عند زواجها فقالت لها (كوني له فراشا يكن لك معاشا، وكوني له وطاء يكن لك غطاء، وإياك والاكتئاب إذا كان فرحا والفرح إذا كان كئيبا)، فمراعاة المشاعر، بل المشاركة فيها، هي التي تجدر بالزوجة المحترمة، فلا يكون منها عند سعادة زوجها إلا السعادة، ولا يكون منها عند حزنه إلا الحزن، وأوصت أخرى ابنتها بتفقد أحوال جوع زوجها ونومه، فلا تتجاهل وقت طعامه ومنامه، قالت: (فإن شدة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة)، وكما هي تراعي شعوره فهو أيضًا يراعي شعورها، وقد جاء في سنن النسائي أن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, وكان ذلك يومها, فأبطت في المسير, فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهى تبكى, وتقول حملتني على بعير بطيء, فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها, ويسكتها. والشاهد هو احترام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمشاعر زوجته إذ مسح دموعها بيديه وواساها، لكنها مع ذلك زادت في البكاء (على عادة بعض النساء حين تتمادى في التدلل) فغضب صلى الله عليه وآله وسلم وقام عنها وتركها. فالفرق ينبغي أن يكون واضحًا بين مراعاة المشاعر والمشاركة الوجدانية، في حدود المقبول، وبين المبالغة في التدلل، أو مجاوزة الحد في إظهار الحزن، فإن المشاركة عند التمادي في ذلك ليست من شأن الرجل العاقل.