الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إمام الحرم المكي يكشف عن عمل بسيط يحبه الله ويدخل صاحبه الجنة

إمام الحرم المكي
إمام الحرم المكي يكشف عن عمل بسيط يحبه الله

قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، إِدْخَالُ الْسُرُوْرِ عَلَى الْآخَرِيْن، مِنْ أَفْضَلِ الأعْمَالِ وَأَحَبِهَا إلْىَ الله، وَمِنْ أَسْبَابِ نَيْلِ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِه، وَدُخُوْلِ جَنَّتِه، مؤكدًا أنَّ مِنْ أَسْبَابِ بَهْجَةِ الْقَلْبِ وَسُرُوْرِه، فِي الْدُنْيَا وَالْآخِرَة، إِدْخَالَ الْفَرَحِ وَالْسُرُوْرِ عَلَى قُلُوْبِ الْنَّاس، وَكُلَّمَا زَادَ عَطَاءُ الإِنسَان، كُلَّمَا زَادَتْ سَعَادَتُهُ وَسُرُوْرُه، فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَل، وَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.


واستشهد «المعيقلي» خلال خطبة الجمعة اليوم من الحرم المكي، بما ورد فِي مُعْجَمِ الْطَّبَرَانِيِّ بإِسْنَادٍ حَسَن، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِمَا يُحِب، لِيَسُرَّهُ بِذَلِكَ، سَرَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا»، يَعْنِي مَسْجِدَهُ صَلَى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإسْنَادٍ حَسَنٍ.

وَأوضح الدكتور المعيقلي، أن  مِنْ طُرُقِ إِدْخَالِ الْسُرُوْرِ عَلَى الْنَّاس، الْاِهْتِمَامَ بِشُؤُوُنِهِم، وَتَفْرِيْجَ كُرُبَاتِهِم، وَالْسَّعْيَ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِم، وَهَذَا بَابٌ عَظِيْم، مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَالأَجْر، وَسِمَةٌ مِنْ سِمَاتِ المُؤمِنِيْنَ الْصَّاَدِقِيْن، الْذِيْنَ هُمْ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.، فَلِذَا كَانَ سَلَفُنَا الْصَالِح، مِنْ نُبَلاَءِ الإسْلاَمِ وَأَعْلاَمِ الأُمَّة، يَتَقَرَبُوْنَ إلىَ اللهِ تَعَالى، بِقَضَاءِ حَوَائِجِ الآخَرِيْن، وَنَفْعِهِم، وَالْسَّعْيِّ إلىَ تَفْرِيْجِ كُرُبَاتِهِم، وَبَذْلِ الْشَفَاعَةِ الْحَسَنَةِ لَهُم.

واستدل بما جاء فِي شُعَبِ الإِيْمَانِ لِلْبَيْهَقِي: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، كَانَ مُعْتَكِفًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا فُلَانُ أَرَاكَ كَئِيبًا حَزِينًا، قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ، وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفَلَا أُكَلِّمُهُ فِيكَ، قَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ: فَانْتَقلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَنَسِيتَ مَا كُنْتَ فِيهِ، أي من الاعتكاف، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، وَبَلَغَ فِيهَا، كَانَ خَيْرًا مِنِ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ»، وَفِي مُعْجَمِ الْطَّبَرَانِي: «وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ، حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ، أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ».

وألمح إلى أن مِنْ صُورِ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الآخَرِيْن: الاِبْتِسَامَةُ فِي وُجُوهِهِم، وَلَقَدْ كَانَ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ النَّاسِ تَبَسُمَا، قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْبَجَلِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْه: «مَا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي»، وَفِي سُنَنِ الْتِرْمِذِي، قَالَ صَلىَ اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّم: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ».

وأكد أن َالْهَدِيَةُ تَجْلِبُ الْمَحَبَّة، وَتُثْبِتُ الْمَوَدَّة، وَتُؤلِفُ الْقُلُوب، وتُذْهِبُ ضَغَائِنَ الْصُدُوْر، وَقَدْ كَانَ صَلىَ اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَدْيِه، أَنْ يُهْدِيَ وَيَقْبَلَ الْهَدِيَّة، وَفِي صَحِيْحِ الْبُخَارِي: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ، فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ، فَقَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ»، فَسَكَتَ القَوْمُ، قَالَ: «ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ»، طِفْلَةٌ صَغِيرَةٌ، كَانَتْ قَدْ وُلِدَتْ فِي أرض الْحَبَشَةِ، فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ، فَأَخَذَ الخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا، وَهِي تَنَظُرُ إِلَى الثَّوْبِ، فَرِحَةً مُسْتَبْشِرَةً مَسْرُورَةً، وَالنَبِيُ صَلىَ اللهُ عَليِهِ وَسَلَّمَ يَقُوْل: «أَبْلِي وَأَخْلِقِي، سَنَه يَا أُمَّ خَالِد»، وَسَنَهْ، يَعْنِي: حَسَنٌ بِالحَبَشِيَّةِ.

وَواصل: أنَ مِنْ هَدْيِهِ صَلىَ اللهُ عَليهِ وَسَلَّم، أَنْ يُمَازِحَ أهْلَهُ وَأَصْحَابَه، لإِدْخَالِ الْبَهْجَةِ وَالْسُرُوْرِ عَلِيْهِم، فَفِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَد، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَقال: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ»،أَوْ قَالَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ».

وأكمل: إن َفِي قِصَّةِ الْثَلاَثَةِ الْذِيْنَ تَخَلَفُوْا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوْك، نَرَى حِرْصَ الْصَحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُم، فِي تَسَابُقِهِمْ لإِدْخَالِ الْسُرُوْرِ عَليهم، وَتَبْشِيْرِهِمْ بِمَا يُحِبُوْن، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى تَوْبَتَهُ عَلَى كَعْبٍ وَصَاحِبَيْه، وَذَلِكَ حِيْنَ بَقِيَ الْثُلُثُ الآخِرُ مِنَ الْلِّيْل، وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ، تِيبَ عَلَى كَعْبٍ»، قَالَتْ: أَفَلاَ أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ؟ قَالَ: «إِذًا يَحْطِمُكُمُ النَّاسُ، فَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ»، حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الفَجْرِ، آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهم، فَمِنَ الْصَّحَابَةِ مَنْ رَكِبَ فَرَسَهُ لِيُبَشِرَهُم، وَمِنْهُمْ مَنْ صَعَدَ عَلَى جَبَلِ سَلْع، فَصَاحَ بِأَعْلىَ صَوْتَهُ بِبِشَاْرَتِهِم، قَالَ كَعبٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيه، قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»، قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. رَوَاهُ الْبُخَاْرِي.

ودعا المؤمنين إلى إدخال الْفَرَحَ وَالْسُرُوْرَ عَلىَ قُلُوْبِ إِخْوَانِهم، بِالْسُؤَالِ عَنْ غَاْئِبِهِم، وَعِيَادَةِ مَرِيْضِهِم، وَالإِصْلاَحِ بَيْنَهُم، وَتَخْفِيْفِ آلاَمِهِمْ وَأَحْزَاْنِهِم، وَإِطْعَاْمِ جَاْئِعِهِم، وَقَضَاءِ دُيُوْنِهِم، وَالْكَيّْسُ الْفَطِن، لَنْ يَعْدِمَ طَرِيْقًَا لإِدْخَالِ الْسُرُوْرِ عَلىَ أَخِيْهِ المُسْلِم.

ونقل قول ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: «وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ، وَالْفِطْرَةُ وَتَجَارِبُ الْأُمَمِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَمِلَلِهَا وَنِحَلِهَا، عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَطَلَبَ مَرْضَاتِهِ، وَالْبِرَّ وَالْإِحْسَانَ إِلَى خَلْقِهِ، مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَضْدَادَهَا، مِنْ أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ شَرٍّ، فَمَا اسْتُجْلِبَتْ نِعَمُ اللَّهِ، وَاسْتُدْفِعَتْ نِقْمَتُهُ، بِمِثْلِ طَاعَتِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ».

وبين إمام وخطيب المسجد الحرام، أن الْفَرَحَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْخَالِقِ جَلَّ جَلاَلُهُ وَتَقَدَسَتْ أَسْمَاؤُه، وَهُوَ فَرَحٌ يَلِيْقُ بِجَلاَلِهِ وَعَظَمَتِه، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيْفٍ وَلَا تَعْطِيْل، وَلاَ تَكْيِّيْفٍ وَلاَ تَمْثِيْل، «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، فَفِي صَحِيْحِ مُسْلِم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ»، «فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ» ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: «أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ عِبَادَهُ لَه، وَلِهَذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ أَنْفُسَهُم، وَهَذَا الْشِرَاَء، دَلِيْلٌ عَلىَ أَنَّهَا مَحْبُوْبَةٌ لَه، مُصْطَفَاةٌ عِنْدَه، مَرْضِيْةٌ لَدِيْه، وَقَدْرُ الْسِّلْعَة، يُعْرَفُ بِجَلاَلَةِ قَدْرِ مُشْتَرِيْهَا، وَبِمِقْدَارِ ثَمَنِهَا، فَالْسِّلْعَةُ أَنْت، وَاللهُ المُشْتَرِى، وَالْثَمَنُ جَنَتُه، وَالْنَظَرُ إِلىَ وَجْهِهِ وَسَمَاعُ كَلاَمِه، فِى دَارِ الأَمْنِ وَالْسَّلاَم، فَإِذَا هَرَبَ الْعَبْدُ عَنْ سَيِّدِهِ وَمَالِكِه، مُعْرِضًَا عَنْ رِضَاه، وَصَالَحَ عَدُوَهَ وَوَالاَه، وَصَارَ مِنْ جُنْدِه، مُؤْثِرًَا لمِرَضَاتِهِ عَلىَ مَرْضَاةِ وَلِيْهِ وَمَالِكِه، فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْعُقُوْبَة، فِإِذَا عَاوَدَهُ وَأَقْبَلَ إِلِيْه، وَتَخَلَّى عَنْ غَيْرِه، كَيْفَ لاَ يَفْرَحُ بِهِ مُحِبُه؟، أَعْظَمَ فَرَحٍ وَأَكْمَلَه، وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللهُ ذُوْ الْفَضْلِ الْعَظِيْم».

وأردف: إِذَا أَقْبَلَ الْعَبْدُ تَائِبًَا لِرَبِه، مُقِرًَّا بِذَنْبِه، نَادِمًَا عَلِيْه، عَازِمًَا أَلاَّ يَعُوْدَ إِلِيْه، فَرِحَ الْرَّبُ جَلَّ جَلاَلُهُ بِتَوْبَتِه، فَرَحَ إِحْسَانٍ وَبِرٍ وَلُطْف، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ عِبَادِه، فَيُجَازِيْ سُبْحَانَهُ عَبْدَهُ الْتَائِب، فَرَحًَا وَسُرُوْرَا، وَلَذَّةً وَحُبُوْرَا، فَلَّمَا فَرِحَ اللهُ تَعَالىَ بِتَوْبَةِ عَبْدِه، أَعْقَبَهُ فَرَحًَا وَبَهْجَةً فِي قَلْبِه وَفِي الْحَدِيْثِ الْقُدْسِي: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ، فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً، لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً»، رَوَاهُ مُسْلِم.

وألمح إلى أن َاللهُ جَلَّ جَلاَلُه، يُحِبُ لِعِبَادِهِ أَنَّ يَتُوْبُوْا إِلِيْه، وَأَنْ يَسْتَقِيْمُوْا عَلىَ طَاعَتِه، حَتَى يَفُوْزُوْا بِجَنَتِهِ وَرِضْوَانِه، «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ»، بَلْ وَمِنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ وَجُوْدِه، يُبَدِّلُ سَيِئَاتِ الْتَائِبِ بِالْحَسَنَات: «إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا»، فَلْنَصْدُقْ فِي تَوْبَتِنَا يَا عِبَادَ الله، فَالْتَوْبَةُ هِيَ أَوْلُ مَنَازِلِ الْسَائِرِيْنَ إِلىَ الله، وَأَوْسَطُهَا وآخرُها، فلا يفارقُها العبد حتى الممات، «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».