الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اللغة وأهلها


ليس هناك، في قناعاتي الشخصية، عنصر بشري متفوق على عنصر آخر بالخلقة، وليس هناك عرق بشري أفضل من عرق آخر بالچينات، وليس هناك أمة أرقى من أمة بالصفات الوراثية، ولكن هناك عرقا تفوق على غيره بالعمل، وهناك عرق انتصر على آخر بإعمال العقل، وهناك أمة أفضل من دونها بأخذها بالأسباب الموضوعية، وإخضاع القوانين الطبيعية لهذا التفوق وذلك الرقي.


وكما لا أؤمن بأفضلية جنس على جنس فإنني لست ممن يؤمنون بأفضلية لغة على لغة، ولكني من المتحمسين حماسا شديدا للغة العربية، أشعر بجمالها، وأذوب في تذوقها، استطاع كتاب بارعون أن يمتلكوا ناصيتها، فامتلكوا قلوبنا ووجداننا وعقولنا.


أؤمن إيمانا لا يتزعزع بقدرات - "لغتنا العربية" - هذا الوعاء الذي نحمله أفكارنا، وأعشق هذا الثوب الذي نلبسه خواطرنا، وأتيّم بتلك الحديقة الغناء التي يتشكل فيها وجداننا، فيظهر الوعاء منمنما مزخرفا، ويبدو الثوب جميلا أنيقا، وتظهر الحديقة خلابة فاتنة.


يقيني أن اللغة تأخذ مكانتها من متحدثيها، فأصحاب أية لغة هم من يحددون المكانة اللائقة بها، المستمدة من قدرتهم على التعبير بها، وعلى استحداثها استحداثا، حيث الكلمة كائن حي يولد وينمو ويكبر ويشيخ ويموت، كل تلك المراحل يكون الحكم الفصل فيها للذين يستخدمون ويستعملون هذه الكلمة، فإما أن تحيا شابة قوية عفية، وإما أن تذبل وتزوى ويطويها النسيان طيا.


واللغة كما قلنا وعاء، وهذا الوعاء يُملأ بما لدى أصحابه، فإن كان ما ينتجونه يستحق البقاء أو الخلود، أو يفتقده غير أبناء هذه اللغة وهم في حاجة إليه، فإن ذلك هو الضمانة الحقيقية التي تجعل لهذه اللغة قيمة ومن ثم مكانة، اكتسبتها من عقول وإنتاج أصحابها، وعلى النقيض من ذلك، فإن كان أصحاب لغة من اللغات من الكسل العقلي بمكان، ومن الدعة الفكرية بمقر، ومن الرضا بقليل إنتاجٍ، فإنهم يكونون قد حكموا على لغتهم بالشيخوخة، المؤدية للموت لا محال.


إن الرضا بالواقع ليس من سمات الأمم الحية، ولا الأقوام الناهضة، فالحياة تعني الحركة، كما تقصد التطور، وتسعى للكمال، مع علمها باستحالته، والنهوض يعني الفعل عن عمد ووعي لتبديل حالٍ غير مرضي عنها، إلى أخرى منشودة يكون التطلع إليها هو بداية الفعل.


والمتابع لحال الناطقين بلغتنا العربية يدرك دون عناء حال الكسل والسكون اللذين يسيطران على أبناء الأمة العربية، والرضا الذي يدعو للدهشة، بل وتضخم الذات الذي يجعل الناطقين بلغتنا العربية يظنون – واهمين – أفضليتهم وأفضلية لغتهم سائقين المبررات التي تؤيد هذا الزعم، صادمين من يرفضه، بتهم شتى، ليس أكبرها القدح في إيمانه وصلته بالقرآن الكريم والموحى له صلى الله عليه وسلم.


يتغنى الناطقون باللغة العربية بجمالها وعذوبتها وقدرتها، وهم أول المتخلين عنها، بل الطاعنين فيها، حينما يعزفون عنها ليتحدثوا لغة غيرها، وحينما يهجرونها لمصلحة لغة أخرى، وعندما ينزلونها منزلة أدنى من اللغات التي يرونها علامة على الرقي، وسمة المتمدنين.


إن معاناة اللغة العربية ناتجة عن حال متحدثيها التي هي والمعاناة متلازمان، تلك الحال التي تفرض فيها الهزيمة – غير المعترف بها – سلوك التقليد للمنتصر الذي نتهمه دائما ونتعالى عليه، قانعين النفس - على غير الحقيقة - أننا الأفضل، وأن لغتنا مصانة مقدسة، وأننا لسنا في حاجة إلى بذل جهد لتتبوأ لغتنا مكانتها اللائقة فقد حفظها الله، حيث اختارها لغة آخر وحي من السماء.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط